منذ القدم، ارتبط فن العرائس بخيال الإنسان، واتسم بقدرته على إدخال السرور إلى قلوب الصغار والكبار، مع القدرة على استخدامه فى تربية النشء وتنمية الوعى الفكرى والاجتماعى، وبث الرسائل الأخلاقية، فضلًا عن اعتباره أحد الرموز المهمة للتعبير عن الحضارة، ونقل القيم الثقافية للأجيال الجديدة.
وفى حديثهم إلى «الدستور»، أكد عدد من مصممى وصنّاع مسرح العرائس أن هذا الفن رغم أهميته، وتميز التجربة المصرية فيه فى عصور سابقة، افتقر للاهتمام فى العقود الأخيرة، ما تسبب فى تراجع دوره بشكل مطرد، سواء على مستوى التصميم أو الأفكار أو الإخراج، الأمر الذى أفقد الثقافة المصرية وسيلة مهمة لبناء أجيال المستقبل، تستحق العمل على إحيائها لاستكمال دورها الترفيهى والتربوى والتوعوى، فى ظل قدرتها المتميزة على التأثير فى وجدان المشاهدين.
محمد فوزى: نعانى ندرة فى العروض وقلة الإنتاج لافتقاد المسرح بوصلته
قال محمد فوزى، مخرج العرائس، إن فن العرائس مدرسة حقيقية للأخلاق، ومعلم لقيم الحق والخير والجمال، خاصة للطفل، مشيرًا إلى أن هذا الفن يعبر عن احتياج فطرى لمحاكاة النفس البشرية ومساءلتها والحوار معها، وهو يبدأ منذ الطفولة ويظهر فى تشبث الطفل بدميته، ويظل مع الإنسان حتى عند الكبر.
وأشار إلى أن «فن العرائس يلعب دورًا كبيرًا فى بناء إنسان إيجابى، ومصرى ينتمى لوطنه، وله عقل مفتوح للحوار وقبول الآخر، وهى قيم ما أحوجنا إليها فى مواجهة العنف والتطرف والسلبية»، لافتًا إلى أن الطفل المصرى افتقد، خلال الفترة الماضية، مسرح العرائس بسبب ندرة العروض وقلة الإنتاج، وافتقاد المسرح بوصلته الفنية والفكرية.
وأضاف: «علينا أن نعترف بأن مسرح العرائس بمصر، والذى كان مسرحًا رائدًا فى كل الدول العربية، تأخر كثيرًا، وتجمد عند عرض (الليلة الكبيرة)، ومرحلة الرواد، مثل: ناجى شاكر وصلاح السقا ونجلاء رأفت، والمعلمين، الذين ندعو الله أن يمدهم بالصحة والعافية، مثل: محمد كشك وجمال الموجى ومحمود الطوبجى، مع حفظ الألقاب، والذين يجب أن نستقى من خبراتهم وعلمهم ونلهم الأجيال القادمة، هذا بخلاف جيلنا ومنجزه، الذى لم يلتفت له أحد، كما ينبغى، من حيث التوثيق أو فتح مسارات لنقل الخبرات والتجارب».
وتابع: «كنت أتمنى أن تتاح الفرصة على نحو أكبر لنقل الخبرات التى حصدتها من مسرح ساندريكا برومانيا، ومشاهداتى فى مسرح العرائس بالصين، سواء أنا أو زملائى من جيل التسعينيات، لكن للأسف لم يعتن أحد لا بنقل الخبرات ولا توثيق تجاربنا».
وتساءل: «لماذا لم نعد نعطى هذا الفن ما يستحقه من اهتمام وتدريب وبعثات واستجلاب خبراء وتقديم دعم مالى، بما يسمح بإنتاج عدد أكبر من العروض وتطوير الخامات والميكانيزمات التى تستخدم فى العرائس؟، خاصة أن هذا الاهتمام يجعلنا نتمكن، عبر هذا الفن، من المنافسة محليًا ودوليًا، ومنافسة المغريات الكبيرة التى يتعرض لها أطفالنا على مواقع التواصل الاجتماعى، وعبر الألعاب الإلكترونية التى تدس له السم فى العسل».
رجاء محمود: التطوير التكنولوجى و«السوشيال ميديا» أثرا سلبًا
رأت المخرجة رجاء محمود، موجه تربية مسرحية، أن مسرح العرائس وسيلة فعالة فى العملية التعليمية والتربوية، موضحة: «عندما نتحدث عن الجانب التعليمى نجد أنه وسيلة فعالة للغاية كونه قادرًا على تبسيط المعلومة وتحويل المعلومات الجافة والجامدة إلى مادة سهلة الفهم وتثبت فى ذهن الطفل».
وأضافت «رجاء»: «مسرح العرائس له جانب علاجى أيضًا؛ فهو يعالج قصور الانتباه وتشتت العقل وقلة التركيز، وينمى مسرح الدمى قدرات الطفل لغويًا، خاصة فى الطفولة المبكرة، كما أنه يطور مهارات الاستماع لاستخدامه حاستىّ السمع والبصر، فضلًا عن تحفيز الثقة بالنفس وتنمية الخيال والإبداع. ومن الناحية التربوية يساعد مسرح العرائس فى غرس القيم والمبادئ فى نفوس الأطفال». وواصلت: «مصر من أقدم الدول التى بدأت فى مسرح العرائس، عندما كونت وزارة الإرشاد أول فرقة عرائس عام ١٩٥٨، وجرى الإعلان فى الصحف عن أعضاء الفرقة من الطلاب، وبعد تصفيتهم جرى اختيار صلاح السقا وفكرى أمين ونعيمة مصطفى وغيرهم، وفى مارس ١٩٥٩ خرج أول عرض للعرائس فى مصر بعنوان (الشاطر حسن) وحقق إيرادات مرتفعة».
وتابعت: «جرى إنشاء أول مجمع للعرائس بالعالم فى حديقة الأزبكية عام ١٩٦٠، وبالرغم من ذلك فقد تأخر مسرح العرائس فى مصر كثيرًا فى الفترة الحالية، ويرجع السبب فى رأيى الشخصى إلى تأخر المسرح عامة، فى ظل وجود التكنولوجيا وبداية ظهور وسائل التواصل الاجتماعى والسوشيال ميديا وبالتالى أتى ذلك بالسلب على مسرح العرائس».
نيرفانا محمد: نحتاج إليه لتوصيل رسائل تربوية وتعليمية بالتوازى مع الترفيه
قالت الفنانة نيرفانا محمد، مصممة عرائس، إن فن العرائس موجه لكل الفئات العمرية، من الأسوياء وذوى الهمم، مشيرة إلى أنها تستخدم العرائس فى توصيل رسائل تربوية وتعليمية بجانب كونها وسيلة جذب وترفيه، وتوثق الحقب التاريخية المختلفة، سواء فى مصر القديمة أو الزمن المعاصر.
وذكرت أنها نفذت مجموعة عرائس كاملة لملوك وملكات مصر القديمة بكل تفاصيلهم للمكفوفين فى متحف إيمحتب بسقارة، موضحة: «كانت القصة تحكى عن ملك وملكة، وكنا نريد أن يلمس المكفوفون العرائس لمعرفة تفاصيل الملابس والشخصية، وهذه كانت أول تجربة ورشة حكى بالعرائس المجسمة للمكفوفين داخل المتاحف».
وأضافت: «صممت أيضًا مجموعة أخرى لشخصيات متحف جاير أندرسون، بعدما عرضت علىّ الدكتورة وسام طه، رئيس قسم التسويق بالمتحف، فكرة توثيق أسرار من بيت الكريتلية باستخدام العرائس».
وتابعت: «صممت مجموعة أخرى فى متحف طه حسين، لتوثيق تفاصيل المتحف، ونروى بعضًا من قصصه باستخدام العرائس، ومتحف المركبات أيضًا يضم ٤ شخصيات نفذتها، وكان لها دور فى التعليم فى مصر، من بينها الأميرة جشم وفاطمة إسماعيل وفريدة، وقدمت شخصية المخرج شادى عبدالسلام فى احتفالية (يوم شادى) فى المركز القومى لثقافة الطفل للتعريف بحياته وأعماله».
وأكدت: «كل فنان يحاول تطوير نوعية العرائس التى يتخصص فيها بطريقته، لكن المختلف هنا أننى أصمم شخصيات حقيقية بنسبة تشابه كبيرة تحكى دورها فى تاريخ مصر، فى ورشة حكى أو مسرح عرائس. ورسالتى توعوية وتعليمية وليست للترفيه فقط. والحمد لله أنا أول مصممة عرائس تدخل المتاحف المصرية وتعمل تصميمات توثق حقبًا زمنية مختلفة من تاريخ مصر».
أحمد عبدالعليم: ضرورى لغرس القيم وتعزيز وعى الأطفال
أكد الكاتب أحمد عبدالعليم، رئيس المركز القومى لثقافة الطفل، أن فن العرائس يتميز بقدرته على التواصل مع مختلف الفئات العمرية، بفضل بساطته وقدرته على إثارة خيال المشاهدين،.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الدستور المصرية