عادت الصين لتتصدر عناوين الأخبار من جديد، ليس بسبب صفقة سياسية أو اقتصادية، إنما بسبب فيروس جديد أثار المخاوف والهلع العالمي، خصوصا وأن فيروس كورونا انطلق من مدينة ووهان الصينية وتحوله لوباء عالمي. فهل سيتكرر السيناريو من جديد؟
عشرات الفيديوهات انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمستشفيات مكتظة بالمرضى، حيث يتم إعطاء الأطفال المحاليل الوريدية بينما ينتظر الآباء بقلق تحسن حالة أطفالهم.
أثارت هذه المقاطع المتداولة على نطاق واسع مخاوف في جميع أنحاء العالم، ولكن وفق مواقع إعلامية أجنبية، هذا الاكتظاظ في المستشفيات لا يرجع إلى شدة المرض ولكن بسبب مشاكل هيكلية كبرى في نظام الرعاية الصحية في البلاد.
انتشار فيروس HMPV
وبالحديث عن الفيروس المثير للقلق، فيحمل اسم ميتا نيمو البشري (HMPV)، وتزايدت الإصابات به في الأسابيع الماضية في عدد من الدول الآسيوية.
في ديسمبر 2024، أبلغت السلطات الصحية في الصين عن زيادة ملحوظة في التهابات الجهاز التنفسي، بما في ذلك ارتفاع حالات الإصابة بـHMPV بين الأطفال دون سن 14 عامًا في شمال البلاد.
أدت الزيادة الكبيرة نسبيًا في الحالات في الصين إلى تكثيف المراقبة الصحية في البلاد والدول المجاورة، مثل ماليزيا والهند وكازاخستان، التي رُصدت فيها أيضًا إصابات.
في الولايات المتحدة، يتم تشخيص حالات الإصابة بـHMPV، لكن الفيروس لا يُعد مصدر القلق الأكبر حاليًا، مقارنة بالارتفاع الملحوظ في حالات الإنفلونزا، وكوفيد-19، وRSV. ازدحام المستشفيات وغرف الطوارئ في الولايات المتحدة يعود بشكل رئيسي إلى هذه الفيروسات الثلاثة.
أما في الدول العربية، فلم تعلن لغاية الساعة أي دولة عن تسجيل إصابات ملحوظة بهذا الفيروس.
فيروس قديم يتفق خبراء الصحة حول العالم على أن فيروس HMPV معروف منذ عقود، ويُصيب البشر في جميع أنحاء العالم بانتظام، مما يطمئن إلى أن الوضع ليس جديدًا أو غير مألوف.
وهذا ما أكده عضو اللجنة الوطنية لليقظة الدوائية ومستشار العلاج الدوائي السريري للأمراض المعدية، الدكتور ضرار بلعاوي، في حديث لمنصة "المشهد"، قائلا إنه ليس فيروسًا جديدًا.
وذكر أن العلماء يعتقدون أن الفيروس انتقل في الأصل من الطيور إلى البشر، حيث تم اكتشاف أول حالة بشرية مصابة به في عام 2001 في هولندا، مؤكدين أن الوضع الحالي لا يشكل تهديدًا صحيًا عالميًا كبيرًا، حيث ينتمي فيروس HMPV إلى المجموعة نفسها من الفيروسات الشتوية مثل الإنفلونزا وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، التي تبلغ ذروتها عادةً في هذا الوقت من العام في نصف الكرة الشمالي.
كما أوضح الخبراء أن الفيروس هذا مختلف تمامًا عن جائحة كوفيد-19، حيث كان جديدًا تمامًا لدى البشر، وانتشر بين الناس من دون وجود أي مناعة تجاهه.
ما هو فيروس HMPV البشري؟ فيروس الجهاز التنفسي البشري (HMPV) هو أحد الفيروسات التنفسية الشتوية التي تنتمي إلى نفس عائلة فيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV). ينشط بشكل خاص في هذا الوقت من العام في نصف الكرة الشمالي. يصيب الفيروس الأنف، الحلق، والصدر، وينتقل بسهولة بين الأشخاص عبر الاتصال المباشر أو من خلال الرذاذ التنفسي.
على الرغم من أن الباحثين يعرفون الفيروس منذ فترة، إلا أنه لم يحظَ بشهرة واسعة مقارنة بفيروسات مثل الإنفلونزا وكوفيد-19، ويرجع ذلك إلى غياب التشخيص السريع والواسع الانتشار في السابق.
وتشبه أعراض فيروس HMPV تلك الخاصة بالفيروسات التنفسية الأخرى. تشمل وفق بلعاوي:
احتقان الأنف.
التهاب الحلق.
السعال.
القشعريرة.
في بعض الحالات، قد تتطور العدوى إلى التهاب رئوي.
وأوضح بلعاوي أن الفيروس يسبب التهابات في الجهاز التنفسي العلوي، خصوصا لدى الأطفال دون سن الخامسة وكبار السن فوق سن 65 عامًا، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة. هؤلاء الفئات أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات خطيرة، مثل التهابات الجهاز التنفسي السفلي، والتي قد تؤدي إلى مضاعفات شديدة وحتى الوفاة في بعض الحالات.
وأوضح الدكتور بلعاوي أن فيروس HMPV ليس قاتلًا في الحالات العادية، حيث يسبب أعراضًا تشبه الزكام، مثل سيلان الأنف، التهاب الحلق، القشعريرة، وآلام طفيفة، وعادةً ما يتعافى المصابون في غضون 3 إلى 4 أيام. ومع ذلك، في بعض الحالات، قد تتفاقم الأعراض لتؤدي إلى التهابات في الشعب الهوائية أو الرئتين.
أما بالنسبة للعلاج، فقد أوضح الدكتور بلعاوي أنه لا يوجد علاج محدد أو لقاح للفيروس حاليًا، ويتم التعامل معه مثل أي فيروس زكام عادي، من خلال علاج الأعراض فقط، مثل تخفيف الاحتقان وعلاج الحمى إذا ظهرت.
هل هناك مخاوف من تفشي عالمي أو جائحة؟ وأكد الدكتور بلعاوي أنه على الرغم من أن الفيروس لا يُعد حاليًا مقلقًا، إلا أنه من المهم أن نبقي أعيننا مفتوحة ومراقبين لاحتمالية حدوث طفرات فيه.
وأشار إلى أن الهدف في هذه المرحلة ليس إثارة الهلع، بل التركيز على إجراء عمليات تقصي عشوائية بين الأشخاص الذين يعانون من أعراض زكامية، لتحديد مدى انتشار الفيروس ونوعه الجينومي، ومعرفة ما إذا طرأت عليه أي تغيرات.
كما شدد على أهمية مشاركة هذه البيانات مع منظمة الصحة العالمية لمتابعة التطورات.
لا يبدو أن HMPV يشكل خطرًا لتحوله إلى جائحة عالمية، حيث إنه ليس فيروسًا جديدًا. تفشي الفيروس قد يختلف من منطقة إلى أخرى بناءً على ظروف السفر والتجمعات. ومع العولمة والتنقل السريع للبشر، يمكن للفيروسات التنفسية، بما في ذلك HMPV، الانتشار بسهولة بين الدول.
مواضيع ذات صلة منظمة الصحة العالمية تراقب "ينشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها تقارير أسبوعية عن مراقبته للأمراض الشبيهة بالإنفلونزا"، وفق ما قال متحدث باسم منظمة الصحة العالمية لموقع "نيوزويك".
ولم تصدر منظمة الصحة لغاية الآن أي بيان رسمي حول هذا الفيروس.
وتابع أن "أحدث تقرير، من 2 يناير، يفيد بأنه كما هو متوقع في هذا الوقت من العام (شتاء نصف الكرة الشمالي)، هناك زيادة شهرية في الالتهابات التنفسية الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي، وفيروس الجهاز التنفسي البشري (HMPV)".
في التقرير الصادر عن المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، كانت الإنفلونزا مسؤولة عن 30.2% من الحالات الشبيهة بالإنفلونزا في العيادات الخارجية وغرف الطوارئ في المستشفيات الصينية، بينما شكلت حالات فيروس الجهاز التنفسي البشري 6.2% - متقدمة على أمراض الجهاز التنفسي الأخرى مثل فيروس كورونا، الفيروس المخلوي التنفسي والفيروس الغدي.
(ترجمات)
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد