نزع فتيل الانفجار السوري

دائماً ما سعيت على مدار عقد ونيف إلى تفادي التصعيد وبذلت قصارى جهدي لمحاولة تهدئة خطاب الحرب واندفاع الصقور في المنطقة نحو المواجهة الشاملة.

المواجهة الشاملة التي تنذر بانفجار برميل البارود الذي تعيش فوقه شعوبنا وقد اكتوت بنار الحروب والصراعات لعقود طويلة، واستشرت فيها الأيديولوجيات الصدامية، في ظل سوق نشطة للأسلحة، دفعت ولا تزال تدفع المنطقة إلى حافة الهاوية.

لم تكن عملية نزع فتيل الانفجار السوري سهلة أبداً، بل كانت دوماً محفوفة بمخاطر اندلاع حرب أهلية طائفية شاملة لا تترك حجراً على حجر. وقد تعمّدت منذ بداية الأزمة السورية توجيه رسائل إلى جميع السوريين، منتقداً القيادة في دمشق تارة (بما في ذلك بشار الأسد شخصياً)، ومنتقداً المعارضة السورية تارة أخرى.

وكان منشأ اجتهاداتي في ذلك خبرتي العميقة في الوضع الداخلي في سوريا، بينما كنت أرى كيف ينمو فتيل الأزمة والانفجار في سوريا على مدى الأربعين سنة الأخيرة، حيث كان أول خلاف بيني وبين النظام في دمشق عندما كنت أترأس سفارة فلسطين في موسكو عام 1983، وأصدرت حينها عدة بيانات ضد النظام السوري وقامت السفارة السورية في موسكو بالرد على بياناتي فيما سمي آنذاك بـ "حرب السفارات".

وكنت قد انتقدت القيادة السورية على موقفها من عدم فتح حدودها لاستضافة المقاومة الفلسطينية في سوريا واضطرارها لمغادرة لبنان عن طريق البحر إلى تونس واليمن على بعد آلاف الكيلومترات من فلسطين. إلا أن ذلك لم يكن السبب الرئيسي في بدء نمو فتيل الانفجار منذ أربعة عقود، لكنني شعرت خلال وجودي في سوريا بالنزعة الطائفية للنظام، والتي لا يمكن إلا أن تؤدي إلى احتقان وكراهية للنظام على المدى الطويل لا سيما على خلفية الممارسات والتداعيات التي رافقت قمع وفساد نظام الأسد.

بعد أربعين عاماً، تسبب القمع والشمولية والتعذيب الممنهج واستمرار السيطرة على الحكم بشكل طائفي في ظهور وتواجد عدد من التنظيمات الإرهابية على الأراضي السورية، ما صرف الأنظار عن المشكلة الداخلية (الطائفية)، وحوّلها إلى أزمة ضد الإرهاب، وإلى تدخلات خارجية، وعليه بدأ تجاهل أي جهود لتسوية الأزمة الداخلية، وتجاهل كافة جهود الأصدقاء والأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن رقم 2254. وحشد بشار الأسد مريديه وراء شعارات "الأسد أو لا أحد"، أو "الأسد أو نحرق البلد"، لأنه لا يريد أي تنازل حتى ولو كان بسيطاً عن الحكم، أو حتى مشاركة أي من القوى أو الشخصيات السياسية الأخرى في حكم "البلد"، ومضى النظام على هذا المنحدر حتى "فرّ الأسد، وبقي البلد".

وتربط روسيا وسوريا علاقات تاريخية تضرب بجذورها في عمق التاريخ، لهذا لم يكن من المستغرب أن تبذل روسيا جهوداً وموارد ضخمة لنزع فتيل الانفجار، الذي تراكم عبر 54 عاماً، وكانت أول محاولة فعلية حينما توسطت روسيا لإخراج التنظيمات المسلحة من نواحي دمشق عام 2015، ونفذت عملية نقلهم إلى إدلب مع ضمانات أمنية حيث رافق تلك التنظيمات عناصر وضباط من الجيش الروسي، إضافة إلى وعود قدمت للمعارضة المسلحة ببدء عملية التسوية السياسية والانتقال إلى نظام جديد في ظرف 6 أشهر، وبهذا الشكل تم تفادي اشتعال الفتيل الذي كان سيؤدي إلى انفجار يدمّر دمشق، وستكون ضحاياه ما لا يقل عن مليون من مواطني دمشق، حيث كانت الفرقة الرابعة ولواء حرس الرئاسة يستعدون لمواجهة المعارضة المسلحة داخل مدينة دمشق.

مع الأسف، لم يتّعظ النظام في دمشق من وجوده على حافة الانهيار، وتغاضى عن كل الوعود التي قطعها لبدء حوار جدّي بشأن عملية الانتقال السياسي السلمي استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وباءت كل المحاولات على مدى 3 سنوات بالفشل، وقد حضرت شخصياً كل لقاءات جنيف، والتقيت بعثة الأمم المتحدة الخاصة بالتسوية السورية، ولا أفشي سراً بأن مسؤولية فشل هذه المفاوضات تقع على عاتق النظام كما تقع أيضاً على عاتق بعض الشخصيات من المعارضة السورية، المدسوسين من قبل أجهزة النظام الأمنية داخل المعارضة السورية.

وكانت المحاولة الثانية التي قامت بها روسيا هي مؤتمر سوتشي للحوار السوري السوري 2018، وقد خصّصت كتاباً مفصّلاً لهذه القضية في 311 صفحة، حيث كان الهدف من هذا المؤتمر الدفع بعملية الانتقال السياسي السلمي وتجاوز المعيقات التي تعرقل البدء ببناء نظام جديد في سوريا وتعديل دستوري يشارك فيه جميع السوريين، بما في ذلك التنظيمات المسلحة، لكن النظام في دمشق أيضاً تجاهل كل ما تم التوصل إليه في سوتشي.

ثم كانت المحاولة الثالثة بمبادرة من روسيا لتسوية العلاقات السورية التركية، بهدف البدء بعملية التسوية السياسية للأزمة السورية، لكن النظام لجأ إلى وعود الكذب والتضليل. أما المحاولة الرابعة والأخيرة لنزع فتيل الانفجار السوري فكانت بإقناع بشار الأسد بمغادرة سوريا، وعدم إعطاء أي أوامر للجيش والأجهزة الأمنية بمواجهة التنظيمات المسلحة للمعارضة السورية، التي أصبح الشعب السوري ينتظرها بعد أن وصلت المعيشة إلى أدنى مستوياتها القياسية وأصبحت هذه التنظيمات تمثل وتعبّر عن طموحات عامة الشعب السوري الذي رفع شعار "أي أحد إلا الأسد". ولولا الدور الروسي.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من قناة روسيا اليوم

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من قناة روسيا اليوم

منذ 5 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 10 ساعات
منذ ساعتين
منذ 11 ساعة
منذ 4 ساعات
قناة يورونيوز منذ ساعة
قناة العربية منذ 5 ساعات
بي بي سي عربي منذ 3 ساعات
قناة العربية منذ 14 ساعة
قناة العربية منذ 10 ساعات
صحيفة الشرق الأوسط منذ 10 ساعات