حملت ناقلة النفط "ريمي" هوية مزدوجة، ففي فبراير/شباط 2023 كانت متجهة إلى ماليزيا رافعة علم بنما ومحملة بمليون برميل نفط من العراق، وذلك بحسب وثيقة بحوزة ربانها.
وتظهر الوثيقة، وهي شهادة منشأ اطلعت عليها "رويترز" من ميناء البصرة النفطي في جنوب العراق، أنه جرى تحميل السفينة بالنفط الخام من هناك في 22 فبراير/شباط 2023. لكن الواقع كان مختلفا تماما.
فالناقلة كانت جزءا من شبكة واسعة لتهريب النفط، وحملت أيضا اسم "ديب أوشن" وكانت تنقل النفط الخام سرا من دولة مختلفة؛ وهي إيران.
كان بحوزة الربان شهادة منشأ ثانية من شركة النفط الوطنية الإيرانية ومؤرخة في نفس اليوم.
جرى ضخ النفط الإيراني إلى الناقلة "ريمي" وهي جزء من أسطول تستخدمه شركة "صحارى ثاندر" الإيرانية، من سفينة أخرى في الشبكة التابعة لتلك الشركة، وهي "سونيا 1" التي ترفع العلم الإيراني.
وتم رصد عملية النقل السرية، التي انتهت في 22 فبراير/شباط، بواسطة القمر الصناعي "سنتينل-2" التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.
وانكشف وهم أداء الناقلة "ريمي" نشاطا تجاريا مشروعا مع العراق بعد تسريب مجموعة تضم أكثر من 10 آلاف رسالة بريد إلكتروني خاصة بشركة "صحارى ثاندر"، تغطي تجارتها النفطية من مارس/آذار 2022 إلى فبراير/شباط 2024، وذلك على أيدي شبكة تسلل إلكتروني.
وبتفريغ البيانات، تمكنت "رويترز" من إظهار كيفية تفادي الشركة الإيرانية للعقوبات الغربية. وتبين أنه في الفترة التي شملتها رسائل البريد الإلكتروني، شحنت "صحارى ثاندر" ما يقرب من 20 مليون برميل من النفط إلى أنحاء مختلفة من العالم، بقيمة 1.7 مليار دولار أميركي تقريبا استنادا إلى متوسط سعر السوق في عام 2023.
ورسمت "رويترز" خريطة للمواقع الرئيسية التي تم نقل النفط إليها بواسطة السفن التي تستخدمها "صحارى ثاندر" من بندر عباس في إيران، إلى فنزويلا ومورمانسك في شمال روسيا وسلسلة من الموانئ في الصين، الوجهة النهائية للخام.
العقوبات الغربية
وعلى الرغم من خضوعها لبعض من أكثر العقوبات الغربية صرامة، أسست إيران تجارة عالمية مزدهرة لنفطها. وهي تعتمد على أسطول ظل من الناقلات التي تخفي أنشطتها لتفادي العقوبات وعلى المشترين الراغبين في نفطها في آسيا لتبقي اقتصادها صامدا وتمول الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط.
ووفقا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، حققت صادرات طهران النفطية 53 مليار دولار في عام 2023 و54 مليار دولار في العام السابق. وبناء على بيانات منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، كان الإنتاج خلال عام 2024 عند أعلى مستوياته منذ عام 2018.
وانسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الغربي مع طهران وأعاد فرض العقوبات على النفط الإيراني في 2018. ويقول مسؤولون إيرانيون وعرب وغربيون إن من المتوقع أن يستهدف ترامب قطاع النفط الإيراني مجددا بسياسة "الضغط الأقصى" بعدما يعود إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني.
وحظيت أساليب إيران بحماية مشددة، لكن رسائل البريد الإلكتروني المسربة كشفت عن تفاصيل دقيقة بشكل غير عادي عن الأعمال اليومية لشركة ساعدت في استمرار صناعة النفط الإيرانية التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
وقال اثنان من المتسللين الإلكترونيين لـ"رويترز" إن مجموعة التسلل الإلكتروني (برانا نتورك) سربت رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بشركة صحارى ثاندر في فبراير/شباط من العام الماضي لأنها أرادت إماطة اللثام عن تحايل طهران على العقوبات الغربية.
شركة واجهة
وفي أبريل/نيسان، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على "صحارى ثاندر"، ووصفتها بأنها "شركة واجهة" للحكومة الإيرانية دعمت الحرس الثوري بشبكة شحن واسعة النطاق.
وتتخذ "صحارى ثاندر" من طهران مقرا وتصف نفسها بأنها شركة استيراد وتصدير وبناء ومقاولات في قطاعات تشمل النفط والغاز، وذلك بحسب نسخة أرشيفية لموقعها الإلكتروني.
ولم تعد عناوين البريد الإلكتروني لشركة "صحارى ثاندر" تعمل عندما حاولت "رويترز" التواصل معها للحصول على تعليق، ولم تتمكن "رويترز" من تحديد ما إذا كانت الشركة لا تزال تمارس أنشطتها.
ويعرض موقع "صحارى ثاندر" الآن صفحة مراهنات رياضية صينية. ولم يتم الرد على رسائل البريد الإلكتروني الموجهة إلى الأشخاص والعناوين المرتبطة بالشركة والواردة في البيانات المسربة.
ولم يرد المسؤولون الإيرانيون على طلبات للتعليق.
وتظهر مقتطفات من رسائل البريد الإلكتروني بين "صحارى ثاندر" وشركائها كيف نقلوا حمولاتهم من سفينة إلى أخرى، وزوروا وثائق، ووضعوا هويات جديدة بالطلاء على السفن، وزيفوا إشارات التتبع لإخفاء مواقعها، واتخذوا تدابير شاقة لتجنب أي أثر يقود لإيران.
وقدمت "رويترز" تقريرها لشركة "روك إنتليجنس" وهي جزء من شركة البحث والتطوير البريطانية روك المتخصصة في مراقبة التهرب من العقوبات لزبائن في قطاع النقل البحري. وتحققت الشركة بشكل مستقل من العديد من النتائج، وحددت مواقع سفن باستخدام صور الأقمار الصناعية، ووجدت مواقع التفريغ المحتملة للسفن، وحددت بيانات تتبع السفن التي تم التلاعب بها.
تزوير رديء
كما أطلعت "رويترز" المسؤولين العراقيين على الوثائق التي استخدمتها الناقلة "ريمي" حتى يوصف نفطها الإيراني على أنه عراقي. وإلى جانب شهادة المنشأ، كان لديها بوليصة شحن، وبيان الشحنة، وتخليص جمركي ومستندات أخرى عراقية.
وقال مسؤول جمركي عراقي لـ"رويترز" إن الوثائق مزورة بشكل رديء، بينما قالت شركة تسويق النفط العراقية (سومو)، وهي الهيئة المسؤولة عن صادرات النفط، إنه لا يوجد سجل لتحميل السفينة بالنفط الخام من أي من موانئ العراق.
الأسطول
وفقا لتحليل "رويترز" للرسائل الإلكترونية المسربة، ساعدت صحارى ثاندر في تسليم 18 شحنة نفطية مختلفة خاضعة للعقوبات بواسطة سفنها وسفن شركائها التجاريين، وهو أسطول مكون من 34 سفينة، وذلك في الفترة من مارس/آذار 2022 إلى فبراير/شباط 2024.
ونقلت سفن مثل "ريمي" و"ون ياو" النفط الخام الخاضع للعقوبات بين القارات أو شكلت حلقات في سلاسل رحلات امتدت إلى شتى أنحاء العالم. وسحبت السفن النفط من سفن أخرى في شبكة "صحارى ثاندر" مثل السفينة "ديون" وهي ناقلة نفط كبيرة جدا قادرة على حمل 2.2 مليون برميل، أي مثلي سعة "ريمي".
وكان "ريمي" هو اسم ناقلة النفط المسجل في قواعد بيانات الشحن، لكن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة "بصحارى ثاندر" تظهر أنها كانت تتحول عادة لاستخدام الاسم المزيف "ديب أوشن" عند نقل النفط الإيراني.
وحملت سفن أخرى النفط الخام ذهابا وإيابا عبر الخليج. وفي المجمل، تم نقل شحنات الخام التابعة لشركة "صحارى ثاندر" بين سفن أكثر من 60 مرة بينما كانت تشق طريقها عبر آلاف الأميال إلى المشترين النهائيين، ومعظمهم في الصين.
وتمكنت "رويترز" من تحديد أسطول السفن الذي تديره صحارى ثاندر وشركاؤها التجاريون، وحددت كمية النفط التي تم نقلها بين كل سفينة في الشبكة.
وشاركت الناقلة "ديون" في 33 عملية نقل فيما بين السفن إلى 11 سفينة مختلفة، بإجمالي خمسة ملايين برميل من النفط. وشاركت "ريمي" في ثماني عمليات نقل، بإجمالي 6.7 مليون برميل. واستُخدمت بعض السفن مرة واحدة فقط، مثل "ون ياو" التي نقلت 1.9 مليون برميل من فنزويلا إلى الصين مباشرة.
وبحسب التسريبات وقاعدة بيانات الشحن العامة (إكويسيس)، كانت هناك 92 شركة مالكة أو مشغلة للسفن المشاركة في أنشطة "صحارى ثاندر" البالغ عددها 34 سفينة خلال الفترة التي تغطيها رسائل البريد الإلكتروني.
وتواصلت "رويترز" مع 79 من هذه الشركات ولم تتمكن من الوصول إلى 13. وردت 10 شركات، وقالت ثماني شركات إنها لم تشارك في الأمر. وقالت شركتان إنهما تولتا فقط الإدارة الفنية للسفن وليس لديهما علم بالتأجير أو الرحلات.
الاتجاه نحو الشرق
معظم النفط الذي تنقله "صحارى ثاندر" كان إيرانيا. لكن تم التعاقد مع الشركة أيضا للمساعدة في توصيل نفط من دول أخرى أجبرتها العقوبات على العمل في اقتصاد ظل، إذ تم حجبها عن البنوك وشركات التأمين والمشترين الغربيين. فقد أظهرت رسائل البريد الإلكتروني المسربة أن سفن شبكة "صحارى ثاندر" مثل "ريمي" و"ون ياو" نقلت النفط من شركتين حكوميتين في روسيا وفنزويلا، مما ساعدهما على الإفلات من العقوبات.
وانتهى الأمر بمعظم النفط الذي نقلته "صحارى ثاندر" في الصين.
ولم تعلق وزارة الخزانة الأمريكية.
وقالت وزارة الخارجية الصينية لـ"رويترز" إنها ليست على دراية بأعمال "صحارى ثاندر" في البلاد.
وأضافت الوزارة "تعارض الصين بثبات وحزم العقوبات أحادية الجانب وغير القانونية وغير المعقولة التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران ودول أخرى وصلاحيتها طويلة الأمد".
تجارة مربحة للغاية
تخضع إيران لما تسميه خدمة أبحاث الكونغرس "مجموعة العقوبات الأكثر اتساعا وشمولا" التي تفرضها الولايات المتحدة. ويحاكي حلفاء مثل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وغيرهما جهود واشنطن.
جاءت هذه العقوبات ردا على برنامج طهران النووي ودعمها لجماعات مسلحة في الشرق الأوسط والقمع الوحشي للاحتجاجات، وفي الآونة الأخيرة، دعمها لروسيا في حربها على أوكرانيا.
وتعمل العقوبات بحيث تمنع وصول طهران إلى أسواق الطاقة والتمويل والأسواق العسكرية وتقوض الاقتصاد وتحجب الشركات والمسؤولين عن معظم دول الغرب.
ونتيجة للعقوبات، انتقلت بعض تجارة النفط الإيرانية من مؤسسات الدولة إلى شركات مثل "صحارى ثاندر" وغيرها من الشبكات التي يمكنها الالتفاف على القيود وجلب العملة الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها.
ويقول إسفنديار باتمانجليغ الرئيس التنفيذي لمؤسسة "بورس اند بازار" البحثية في لندن التي تتابع قطاع النفط الإيراني "هناك شبكات غامضة ضالعة في تجارة مربحة للغاية، والآن يضطر المسؤولون الأمريكيون إلى بذل جهود عشوائية غير مجدية في محاولة للسيطرة على الوضع".
تحدي العوامل
في منطقة الخليج في شهر فبراير/شباط 2023، كانت السفينة "ريمي" أو ديب أوشن، المحملة بشحنتها الإيرانية المموهة، تبحر شرقا.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها السفينة "ريمي" وسفن "صحارى ثاندر" الأخرى للهرب من المراقبة، سمحت رسائل البريد الإلكتروني المسربة لـ"رويترز" برسم مساراتها. فقد أرسلت السفن أكثر من 1500 تحديث يومي إلى مشغلها، بما في ذلك إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي (جي.بي.إس) الخاصة بها يوميا عند الظهر.
وتُظهر الخريطة السفينة "ريمي" بجوار السفينة شاناي كوين، أثناء نقل النفط في مضيق ملقا بالقرب من سنغافورة. كما تظهر صورة التقطها قمر صناعي من شركة "بلانت لابس" السفينتين جنبا إلى جنب في 10 مارس/آذار 2023.
وبحلول الثامن من مارس/آذار، كانت السفينة ريمي في مضيق ملقا، وهو ممر مائي ضيق بين ماليزيا وإندونيسيا معروف بعمليات النقل الغامضة بين السفن وضعف السيطرة الأمنية.
وفقا لرسائل البريد الإلكتروني المسربة، نقلت ريمي 758 ألف برميل من بين مليون برميل إلى سفينة يديرها أحد شركاء "صحارى ثاندر" وهي السفينة "شاناي كوين".....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من قناة العربية - الأسواق