بعد أن وصل خبر اصطفاف رجال الوادي الصغير بجانب عامر النجدي ابن القرية العتيقة، وكوّنوا عُصبة باسم "عُصبة البلدتين "
اجتمع جماعة من رجال "ثابت" المُهتمين بمَشروع البحر والرمال، بقيادة الغربيين وعلى رأسهم المُعلم "آرثر" الذي أشار إلى أنّ تلك الفِرقة من الناس والتي أطلقت على نفسها إسم "عُصبة البلدتين " والتي يقودها عامر النجدي، ما هي إلا زُمرة فاسِدة ومن ورائها "مشروع الشرق الكبير" بملامح شرقية وهيمنة ذو الانوف الفطحاء وذي العيون السُود وذو العيون الجاحظة وفارعي الطول.
والشرقيون منذ زمنٍ بعيد، يسعون لإنجاح مشروع "الشرق الكبير" وهو ربط البحر الشرقي عبر بحر الظُلمات، وصولاً إلى البحر العميق وانتهاءً ببحر الاعراب.. وهذه المساحة البحرية الواسعة لا تقل عن مساحة الأرض التي يَمُر عبرها المشروع الكبير ناهيك عن مساحة اليابسة بأرض الشرق، وتُشكل كلها مُجتمعة ما يُوازي عشرات المرات مساحة أرض الغربيين، ولكنّا نحن الغربيون مُتفوّقون عليهم بتجارتنا وعلاقاتنا معكم، منذ قديم الزمن ونحن في مُبادلات تجارية مع أغلبية الأعراب وبيننا اتفاقيات طويلة الأمد، تمتد إلى قرون من الزمن، ورغم ذلك كله فنحن نحتاج إلى خَلق علاقة تعتدون بها دون حاجةٍ إلى الشرقيين.. وسنعمل على توسيع قاعدة الارتباط بيننا، وسنحاربهم بها، وسنصيبهم في مَقتل في عُقر دارهم.. وسننافسهم في اقتصادهم وفي أرضهم بتجارتنا وبضائعنا التي لم يتمكّنوا من مُنافستها بالقيمة والنوع وسنزرع في ديارهم ثقافة غربية يتفاعل معها أبناؤهم وينبهرون بها، ثقافة تُعبّر عن فكرنا وعقيدتنا العظيمة، وذلك ما سوف نتّبعه لتفكيك جمعهم وإضعاف قوتهم في جُغرافيتهم الشرقية، فتحرّكاتهم عبارة عن حركات قديمة عفا عليها الزمن، كانت دومًا سبباً في خَلق توتّرات واضطرابات في كل مرحلة تتعاظم فيها قوتهم.
قال رجل غربي من مُؤيدي زعامة ثابت:
ـ ما يَهمنا هو إنجاح مَشروع الغربيين "البحر والرمال " وإظهار القوة الحادية عَشرة كقوة مُهيمنة على بلدات ومناطق البحر والرمال وعلينا أنْ نعزل قرية البحر وننقل تبعيّتها إلى منظومة الوادي الصغير، وتوطيد علاقة قوية مع القوة الحادية عشرة لتكون أكبر قوة في مشروعنا الأكبر، مشروع البحر والرمال.؛
قال ثابت مُداخلاً بعجالة ودهشة:
ـ لديّ فكرة نُعزز بها دور القوة الحادية عشرة الخفيّة، وهو القيام بإعلان انفصال الحارة التاسعة عن الحارات العشر، وتكون حليفة استراتيجية للقوة الحادية عشرة على أنْ يتضمّن ذلك الانفصال تحالفاً جديداً مع الحارة العاشرة الاوسع مساحة ذلك ما سيبرر لنا تحرير تلك المساحة واستغلالها للتخزين لخدماتنا وعملياتنا التي نقوم بها ضد الشرقيين وتمهيدًا لتمتين علاقة أقوى من ذي قَبْل مع أعراب الحارة العاشرة والاهم في منظومة رمال الأعراب ولا غرو فإنّ الساحل الطويل مِحور مُهم جداً للسيطرة على الوادي الصغير.
قال الرجل الغربي، من مُؤيدي زعامة ثابت على " رمال الوادي الصغير":
ـ وأننا معكم بعزم لجعل قرى الساحل الطويل محور أساسي لكل خططنا المكشوفة منها والسُرية، فالوادي الصغير الآن يُسيطر على تجارة الشرق والغرب معاً، ذلك لأنّ بحرهم الكبير أصبح محوراً تجارياً وذو أهمية كُبرى في علاقاتنا البحرية.. وإنْ تنبّهَ الاعراب واستفاقت عقولهم لأهمية البحر الكبير فإنّ أحداثاً قادمة من الشرق سوف لن تسرنا، وقد نخسر كل شيء.. ولذا فإنّ علينا قطع الطريق على الشرقيين أولاً بطريقة ذكية، حتى وإنْ تنازع معنا الشرقيون أو تصادموا معنا، أو دَهمنا أمرهم وشقّ علينا أفعالهم.
ابتسمَ والتفت إلى ثابت وأردف بعد بُرهة.. جِئْنا بالداهية "ثابت" ليؤدي دورهُ الثابت فيُشتتهم بأفكاره المُتناقضة، ويحدث صَدْعاً يُزلزل تمدّدهم، أو يجعلهم ينسحبون إلى ما وراء بحر الاعراب.
ابتسم ثابت وهز رأسه موافقًا ثم ارتجف وكأنّ نشوة انتابته، وقال:
ـ الحياة تحتاج الى عُمق في النظرة وفهم للوجود.. فإذا لم نكن واعون وحذرون فستكثر أخطائنا وستفشل كل مساعينا.
ـ إذن برأيك.. إنّ زلزلة الأعراب لا تقل أهمية من زلزلة الشرقيين أعداء أمّتنا الغربية، وبقاءهم مُنشغلون بشكوكهم الظنية والوقفية وسُوء النية.. تمكيناً لقوتنا المُتمثلة في القوة الحادية العاشرة، والأكثر أهمية الآن وكما فهمت من قولك. هو عزل قرى البحر جميعها عن منظومة الوادي الصغير لتكون مدخلاً لوجود القوة الحادية عشرة الخفيّة كحليفة في المنظومة ومع مرور الوقت تتكوّن علاقة طبيعية وتتغلغل القوة الحادية عشرة وتتعاظم قوتها ويَكبر دورها لتكون جزءًا أساسيًا من مشروع "البحر والرمال" الذي نهتم به كأمة غربية في بلاد رمال الأعراب.
أطرق ثابت بوجهه الصارم وبشرته القُمحية هنيهة.. لا يتكلّم.. تدور عينيه البُنّية المائلة إلى لون العسل النقي في وجوه القوم وبحذر واهتمام شديد وبفطنة البدوي مُتقد الفِراسة وبحدس قويّ حادّ البصيرة، وهو ينظر في الوجوه المُجتمعة به حتى وهو في سِنين العِز قال عنه خُصومه خمسون عاماً قضاها في الدهاء وفي فنون المكر والخداع شغل بها العُقول وظلّل بها الأفكار لا يتورع عن الكشف عنها يمتلك خاصية الاقناع حتى في أحلك الظروف وأفكاره مُتوارية مُظلمة لا يكشفها غيره إلا من بَعد زمن طويل حتى وإنْ أحدثتْ انقلاباً مُفاجئاً أو تسَبّبت في حدوث تناقض مع كُليّهما الشرقيين والغربيين معاً فهما لا يستغنون عن أفكاره المُتناقضة وعبقريته الماكرة بشهادة الغربيين المُخبرين " آرثر وزوجه كارينا ولاّدة النساء " وبشهادة ثابتة من الشرقيين أعداء الغربيين في بحر الوادي الصغير ورماله.. قال عنه إسكندر آرون قائد الشرقيين في البحر الشرقي العميق ثابت من أعظم دُهاة الاعراب.؛
عدل "آرثر" في جلسته وصرخ منتفضًا بحماس:
ـ نعم صدقت.. إنها فكرة رائعة، فكرة أبحث عنها، إعتصرتُ أفكاري وعقلي فلم أتوصّل إليها ولم تأتيني فكرتها.. فالحارة التاسعة منها مُحسن الشيخ وتحالفها مع الحارة العاشرة كقوة واحدة، يَصعب على أيّ قوة كسر شوكتهما حتى وإن أبطأ تحالفهما مَشروعنا الكبير "البحر والرمال " في أرض الاعراب، فهذه الفكرة العظيمة ستؤلف جزءًا من مشروعنا الكبير في أرض الاعراب، نعم، لا بُدّ أنْ نعزل بحارهم عن رمالهم، ونُفرقهم ثم نجمعهم وما جاورهم إلى منظومة واحدة.. إنها الخطة الغائبة الحاضرة، سنعتمد هذه الخطة، وحتى إذا فشل مشروع البحر والرمال، أو حتى وإنْ تدخّل ذي العيون الزرقاء أو ذي الانوف الفطحاء فستكون البديل الأمثل.
قِمّة الابداع أنْ نتوصل إلى فكرة كانت غائبة، فقد تنبّهنا إلى الكثير من التفاصيل الغائبة، التي تدق في أذهاننا ناقوساً من الخطر لم نكتشفه.. إنّ ثابت أثبت فعلاً أنه من رجالنا الذين نعتد بهم.. إنه الرجل الثابت بأفكاره المُتميزة، يَرسمها بدقة وبحصافة مُتناهية.
هزّ ثابت رأسه موافقاً:
ـ نعم ولْتضل القوة الحادية عشرة كقوة خفيّة في أرض الأعراب، حاضرة حتى في بحارهم، موجودة على رمالهم، راسخة في عقولهم.
ـ أنتَ قوة إمْتداد، يُشار إليها بالبنان بل أنتَ أحد أسس تأمين قوتنا الغربية في بلاد الاعراب، ومُساهماً فاعلاً في صُنع القرار في مشروع ذو الوجوه الحمراء المُكتنزة "البحر والرمال" والوادي الصغير ليس فقط مُهِمًا لنا بل هو حيويّ لإنجاز مشاريعنا، ذلك الوادي الذي يشغل بال الشرقيين، وهم يُسمونه وادي الرمال الذهبية.
قال ثابت بتوجس:
ـ ولكني أريد أنْ يُحدث المشروع الكبير " البحر والرمال " زلزلة في رمال الوادي الصغير، أهمها الحارات العشر وقرية البحر.. ثم بقية القرى تُباعاً، والتي ستكون أسهل من غيرها.
قالت "كارينا" ولاّدة النساء وتُعرف في مجتمع الاعراب، بأنها زوج "آرثر" ويُشاع محلياً بأنّهما زوجين عقيمين أو أنّ أحدهما عقيم لا يَنجب.. وفي لغة الغُرباء تتداول في سياق الأحاديث والأقوال، كارينا ولادة النساء صديقة آرثر، وهو المُتعارف عليه:
ـ عليك أنْ تُركّز على الوادي الصغير وقرية التراث وأحياء الرمال والكثبان وكلها مُهم في المشروع الغربي لكون أعراب الرمال مُؤثرين بقوتهم وكلمتهم.. وأمّا رأيك عن قرية البحر ففيه صواب كبير فعزلها عن سيح المالح مطلب مُهم في خِططنا ومن دوافع أفكارنا ومَطلبنا أنْ تكون تبعيّتها بعيداً عن الوادي الصغير.. فيجب أن نعزلها أولاً ثم نعود إليها، أما منظومة الوادي الساحلية فصَعبة جدا ويجب أن نتأنّى في هذا المشروع ونُبقيه في سُرية تامة.
وقد استمعت إلى حديثك مع " آرثر " وأرى أنه يجب تقسيم الوادي الصغير إلى كيانات مُنفصلة ومناطق مُشتتة لإضعاف مَنظومته، ولتفتيت بلاد الكثبان والرمال والحارات، لتسهيل دخول القوة الحادية عشرة التي نُريد لها مقاماً في بلاد الاعراب وبحارهم، تحقيقاً لأهدافنا وخِططنا ومصالحنا وفي عملياتنا ضِد الشرقيين ذو العيون الزرقاء، والانوف الفطحاء وحُلفائهم، فارعي الطول وذي العيون السُود.. لتكون قوتنا هيَ الغالبة.
والْتفتت كارينا " إلى آرثر، وكأنّها بإلْتفاتتها تنشد الموافقة على كلامها لتسترسل. وأردفت:
ـ يا ثابت أنت رجل ثِقة نقي السريرة تُريد لقومك الاعراب الخير والتغيير والتحرر من قبضة الشرقيين لتكونوا بَدْواً أنقياء أصفياء السريرة لا يُحيطكم خوف من ذوي العيون الزرقاء ولذا.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الرؤية العمانية