التوترات تكبّل التعاون الدولي.. واليد المنفردة «لا تصفّق»

مع انتقال العالم من نظام مستقر بعد الحرب الباردة إلى حقبة جديدة أكثر اضطراباً، بدأت التوترات الجيوسياسية تلقي بظلالها على جهود التعاون الدولي التي هَمدت جراء عدم الاستقرار لتهدد مسار التنمية المستدامة، غير أن قوة الدفع الإيجابية في مجالات مثل المناخ والتجارة والابتكار تمنح قدراً من الأمل.

أمام العالم وقت محدود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي حافظ 17% منها فقط على مساره الصحيح في الوقت الراهن. لذلك؛ في خضم مزيج معقد من التحديات الاقتصادية والبيئية والتكنولوجية والأمنية المتزايدة، تحتاج حكومات العالم، وبشكل ملح، إلى التكيف وتحديد طرق جديدة للعمل مع الشركاء، وفق ما دعا إليه المنتدى الاقتصادي العالمي في تقريره السنوي الصادر أمس الثلاثاء، والذي تناول نتائج «بارومتر التعاون الدولي».

يقدم البارومتر الذي أُعد بالتعاون مع مكتب «ماكنزي» الاستشاري، تقييماً نقدياً لحال التعاون الدولي، حيث يُظهر عالماً غارقاً في المنافسة والنزاعات المتصاعدة، في حين يتلمّس عدة مجالات حيث يمكن الدفع بعجلة التقدم من خلال التعاون الخلاق.

حاضر مضطرب

يأتي الافتقار إلى التقدم في التعاون الدولي في وقت سجلت درجة حرارة العالم العام الماضي أعلى مستوى على الإطلاق، فيما يصطدم الاقتصاد العالمي بآفاق نمو ضعيفة، ويقف الأمن الدولي عند خط الأزمة. وقد تسببت العديد من هذه التحديات في دفع الناخبين في جميع أنحاء العالم إلى التعبير عن رغبتهم في تغيير الوضع الراهن، ما ظهر جلياً في انتخابات دارت في 72 دولة العام الماضي، واجهت خلالها العديد من الحكومات القائمة، من اليسار واليمين، ردود فعل عنيفة من الناخبين.

في الوقت نفسه، تتقدم التكنولوجيا بسرعة أكبر من الآليات التي يمكن تطويرها لمعالجة مخاطرها، ما يحتم على المتنافسين في السوق، أو على المستوى الجيوإستراتيجي، العمل معاً لإطلاق العنان لفوائد التكنولوجيا مع وضع الضمانات المناسبة حولها.

في غضون ذلك، ارتفعت التوترات العالمية، ما هدّد بتقويض أنماط التعاون متعدد الأطراف التي كانت قائمة، ووسّع الانقسامات العالمية. فالحرب الروسية الأوكرانية تقترب من إكمال عامها الثالث، كما أودت الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط بحياة عشرات الآلاف، وخلقت أزمات إنسانية. وفي المجمل، تشير التقديرات إلى أن 122 مليون شخص في جميع أنحاء العالم نزحوا قسراً، وهو ضعف العدد المسجّل قبل عقد.

وفي وقت دخل العالم حالة من عدم الاستقرار المتزايد الناجم عن مستويات عالية من السخط الانتخابي والتنافس الجيوسياسي، يُظهر واقع الحال أن التعاون الدولي ظل راكداً منذ عام 2020.

مسار صعب

ما يبرر القلق بشأن مستوى التعاون الدولي، هو أن التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ليس كما ينبغي مع اقتراب مواعيد نهائية حاسمة، إذ إن 17% فقط من أهداف التنمية المستدامة (SDGs) على المسار الصحيح لتلبية الموعد النهائي لعام 2030، وفق ما خلص إليه تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي.

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يظل النمو الاقتصادي العالمي عند مستويات ضعيفة تاريخياً (3.1% على مدى السنوات الخمس المقبلة)، بحسب صندوق النقد الدولي.

يأتي هذا جنباً إلى جنب مع أزمة الديون المتنامية، التي جعلت أكثر من 3 مليارات شخص يعيشون في بلدان تنفق على فوائد الديون أكثر من التعليم أو الصحة.

اليد المنفردة لا تصفق

«يأتي إصدار البارومتر في لحظة من عدم الاستقرار العالمي الشديد، وفي وقت تعكف العديد من الحكومات الجديدة على وضع أجندات العام»، وفق ما قاله بيرغه برنده، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي ومديره التنفيذي، مشدداً على أن «التعاون ليس ضرورياً لمعالجة التحديات الاقتصادية والبيئية والتكنولوجية الحاسمة، فحسب، بل إنه ممكن في السياق الحالي الأكثر اضطراباً».

من جهته، قال بوب ستيرنفلز، الشريك الإداري العالمي في «ماكينزي»: «يركز هذا الإصدار الثاني من مقياس التعاون الدولي على الوضع الراهن للتعاون، وكيف يمكن أن يبدو في العصر التكنولوجي الجديد».

وأكّد على أنه «لا يمكن لأحد تعزيز الابتكار والصحة والازدهار والصمود بمفرده.. سيحتاج القادة إلى آليات جديدة للعمل معاً على الأولويات الرئيسة، حتى وسط خلافاتهم حول ما سواها. وقد أظهرت السنوات العديدة الماضية أن هذا التوازن ممكن».

ركود التعاون الدولي لا يعني تراجعه التام، ففي سبتمبر الماضي، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة ميثاق المستقبل، وهو أجندة طموحة لتعزيز التعاون الدولي وإحياء التعددية؛ بينما اتفقت الاقتصادات الـ20 الأقوى في العالم على إعلان مشترك ضمن قمة «مجموعة العشرين» الأخيرة في ريو دي جانيرو، قبل أيام قليلة من التوصل إلى اتفاق عالمي بشأن تمويل أهداف المناخ على هامش مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP29) في باكو. مع ذلك، لم ترقَ جميعها إلى مستوى التوقعات.

بصيص أمل

على الرغم من الأزمات الأمنية العالمية، تشير النتائج التي توصل إليها «بارومتر التعاون الدولي» إلى أن حبل التعاون لم ينقطع في بعض المجالات. فخلافاً لواقع السلم والأمن، ظلت ركائز أخرى مرنة، وتكشف عن فرص ناشئة للتعاون الدولي، على رأسها الابتكار والتكنولوجيا.

ففي حين تتزايد المنافسة في ما يتعلق ببعض التقنيات الرائدة مثل أشباه الموصلات، فإن التعاون الدولي الشامل في مجال التكنولوجيا والابتكار شهد تقدماً، بفضل رقمنة الاقتصاد العالمي. مع ذلك، تعيد التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي تشكيل المشهد العالمي، ما يزيد من احتمال ظهور وجه جديد للمنافسة، بالتالي ستكون القيادة التعاونية والإستراتيجيات الشاملة مفتاحاً لتسخير الإمكانات الهائلة لهذه التقنيات مع معالجة المخاطر.

وقد حدث تحسن في التعاون بشأن أهداف المناخ على مدار العام الماضي، مع زيادة تدفقات التمويل وتعزيز الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمركبات الكهربائية. أما في مجال الصحة، وفي حين انخفضت المساعدات عبر الحدود والبحث والتطوير في مجال الأدوية، تظل مقاييس الصحة المختلفة بما في ذلك وفيات الأطفال والأمهات قوية.

من ناحية أخرى، أظهرت تدفقات الخدمات ورأس المال والأشخاص بعض المرونة. وقد ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر، خاصة في القطاعات الإستراتيجية مثل أشباه الموصلات والطاقة الخضراء، في حين انتعشت هجرة العمالة والتحويلات المالية بقوة، متجاوزة مستويات ما قبل جائحة كورونا.

وبالنظر إلى المستقبل، دعا التقرير حكومات العالم إلى إيجاد طرق للعمل معاً، حتى مع استعار المنافسة، إذ من خلال التحول نحو الحلول التعاونية يمكن إعادة بناء الثقة، والدفع بالتغيير، وإطلاق العنان لفرص جديدة للتقدم المشترك والمرونة في السنوات المقبلة.


هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من إرم بزنس

منذ ساعتين
منذ ساعة
منذ ساعة
منذ ساعة
منذ 41 دقيقة
منذ 39 دقيقة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ ساعة
قناة CNBC عربية منذ 8 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ 47 دقيقة
قناة CNBC عربية منذ 10 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 15 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ ساعتين
صحيفة الاقتصادية منذ 15 ساعة
فوربس الشرق الأوسط منذ 25 دقيقة