بينما تعاني المملكة المتحدة والولايات المتحدة ضغوطات من المستثمرين القلقين بشأن زيادة الديون والتضخم المتسارع، يبدو أن منطقة اليورو قد نجت إلى حد كبير من غضب الأسواق، رغم أن أسباب هذا الهدوء ليست جميعها مريحة.
شهدت الحكومات البريطانية والأميركية ارتفاعا في عوائد السندات لمدة 10 سنوات، التي تعتبر مؤشرا على تكلفة اقتراضهما، بزيادة تصل إلى 100 نقطة أساس منذ سبتمبر الماضي، في وقت كان فيه المستثمرون قلقين بشأن مشاريع الإنفاق الحكومي في المملكة المتحدة، إضافة إلى إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
أما ألمانيا، أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، فقد شهدت زيادة أقل من نصف تلك الزيادة، رغم اقتراب الانتخابات العامة التي قد تتيح لليمين المتطرف تحقيق مكاسب كبيرة.
ويشعر المستثمرون بالاطمئنان؛ لأن عبء خدمة الديون العامة في برلين أقل بكثير من مثيله في واشنطن أو لندن.
وفي هذا السياق، قال فرانشيسكو كاستيلي، المسؤول عن السندات في شركة «بانور» لإدارة الأصول في لندن: «ألمانيا هي الاقتصاد الكبير الوحيد في العالم الذي يمكنه إصدار المزيد من الديون لتمويل الإنفاق الحكومي إذا قرر ذلك».
على الرغم من ذلك، حتى بالنسبة لإيطاليا وفرنسا، اللتين تعانيان مستويات ديون مرتفعة، كانت الزيادة في عوائد السندات أقل بكثير مقارنة بالمملكة المتحدة أو الولايات المتحدة.
وقد يعكس هذا جزئيا بعض المؤشرات على تقييد الإنفاق في روما وباريس، حيث تعهدت الحكومة الجديدة بإعادة ترتيب الأمور المالية العامة. لكن هناك أيضًا أسباب أقل إيجابية لعدم مطالبة الدائنين بمزيد من العوائد عند إقراض حكومات منطقة اليورو.
فالنمو الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي، وبشكل خاص في ألمانيا، يتباطأ بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة ونقص التنافسية في قطاعات حيوية مثل صناعة السيارات والتكنولوجيا.
هذا الوضع قد يؤدي إلى انخفاض التضخم، مما يحافظ على ركود الاقتصاد، ويجبر البنك المركزي الأوروبي على خفض معدلات الفائدة بشكل سريع في الأشهر المقبلة.
من جهة أخرى، يواصل الاقتصاد الأميركي تجاوز التوقعات مع نمو قوي، ويزداد اقتناع الاقتصاديين بأن الاقتصاد الأميركي قد يتجه إلى معدل فائدة محايد أعلى هيكليًا - وهو المستوى الذي يحافظ على توازن الاقتصاد.
وقد تسهم السياسات الحمائية التي قد تتبناها إدارة ترامب في زيادة التضخم الأميركي عبر رفع أسعار الواردات، مما سيدفع الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) للإبقاء على معدلات الفائدة مرتفعة لفترة أطول، مما سيزيد من تكاليف الاقتراض.
ويتوقع أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) بتخفيض سعر الفائدة بمقدار مرة أو مرتين فقط في العام المقبل، مما يبقيه عند حوالي 4.0%. في المقابل، من المتوقع أن يخفض البنك المركزي لمنطقة اليورو سعر الفائدة أربع مرات في الفترة نفسها، ليصل إلى 2.0%.
وفي هذا السياق، قال فريديريك دوكروزيه، رئيس البحث الاقتصادي الكلي في شركة «بيكتت لإدارة الثروات»: «في الولايات المتحدة، يتم اعتبار كل خبر جيد بمثابة دليل على أن الاقتصاد أقوى، ليس فقط من الناحية الدورية، ولكن أيضًا من الناحية الهيكلية، وقد يتراوح المعدل المحايد بين 3% و4%».
وأضاف: «أما في أوروبا، فليس هناك الكثير من الأمل في أن يكون النمو جيدًا»، مشيرًا إلى أن استطلاعًا للبنك المركزي الأوروبي أظهر أن التوقعات على المدى الطويل بشأن سعر الفائدة تقتصر على 2.0%.
بالطبع، قد تتغير الأمور - سواء للأفضل أو للأسوأ - خاصة في ظل عدم اليقين السياسي المرتبط بسياسات ترامب، الذي صرح بأن أوروبا ستدفع ثمنًا باهظًا جراء الفائض التجاري المستمر مع الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن تباين أسعار الفائدة له حدوده، حيث إن ارتفاع عوائد السندات الأميركية يميل إلى تقوية الدولار وزيادة التضخم المستورد إلى أوروبا، لا سيما عبر أسعار الطاقة.
وكتب بنك «سوسيتيه جنرال» في تقرير لعملائه: «تسع أسابيع متتالية من ارتفاع العوائد في أوروبا تشكل أطول سلسلة منذ سبتمبر 2022، وهي تتناقض تمامًا مع الرأي السائد بأن الاقتصاد الثاني في العالم يعاني من الركود والتضخم قد تم هزيمته».
من جهة أخرى، قال دوكروزيه من «بيكتت» إن ألمانيا قد تخرج من الوضع الاقتصادي المتعثر إذا قرر الحكومة القادمة استخدام هامشها المالي للاستثمار، مما قد يعزز التوقعات بشأن النمو والتضخم.
ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى زيادة في أسعار الفائدة على المدى الطويل، وهو ما سيكون، في هذه الحالة، «مؤشرًا على النجاح» بدلاً من كونه مشكلة
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس