زيارة السوداني إلى إيران.. هل تخشى طهران خسارة العراق كما خسرت سوريا؟

وصل رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، يوم أمس الأربعاء، إلى العاصمة الإيرانية طهران، في زيارة رسمية، أعلنت عنها رئاسة مجلس الوزراء العراقية في بيان رسمي.

ونشر مكتب رئاسة الوزراء بياناً كشف من خلاله، أن الزيارة ستتضمن بحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، وذلك في ضوء ما تحقق خلال زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى بغداد في سبتمبر الماضي.

وبعد يوم واحد على الزيارة، أكد وزير الخارجية فؤاد حسين، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية العراق تتمتعان بعلاقات جيدة جداً، وأن زيارة السوداني حققت نتائج جيدة على مستوى العلاقات الثنائية.

هواجس بشأن سوريا في المقابل، صرّح بزشكيان، أن بلاده لديها مع العراق هواجس بشأن التطورات في سوريا، منها مكافحة نشاط الجماعات الإرهابية وانسحاب القوات الإسرائيلية، إضافة إلى أن طهران تتطلع لتحقيق الاستقرار والأمن في سوريا والعراق.

وفي السياق ذاته، أكد السوداني أن استقرار سوريا هو مفتاح الحل لاستقرار المنطقة، وأن بغداد وطهران مستعدتان للتعاون مع جميع الأطراف لتحقيق الاستقرار في سوريا، وبناء علاقات متوازية مع جميع الأطراف الدولية بما يحقق مصالح الجميع.

وبعد الإعلان عن الزيارة، تداولت المواقع الإعلامية العراقية أخباراً عن رسائل سياسية حملها السوداني إلى الإدارة الإيرانية، حول ضرورة عدم تدخلها في الأوضاع الحالية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، بينما نشرت مواقع أخرى معلومات عن أن زيارة السوداني جاءت تلبية لدعوة خاصة من طهران.

العراق وسيط دولي ويقول المختص في الشأن الإيراني وجدان عبد الرحمن لمنصة "المشهد"، إن زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى إيران، تحمل أبعاداً إستراتيجية ودبلوماسية مهمة في سياق التوترات الإقليمية والدولية الحالية، وتسط الضوء على عدد من الرسائل الأساسية التي حملها السوداني لطهران، يمكن تفسيرها في هذا السياق:

تحييد العراق عن التوترات الإقليمية.

دور العراق كوسيط.

رسالة أميركية إلى إيران.

الاستفادة من دروس الماضي.

ويشرح عبد الرحمن هذه النقاط بالقول: "يجد العراق نفسه في موقع حساس بين الأطراف المتنازعة في المنطقة، خصوصًا مع وجود ميليشيات موالية لإيران داخل أراضيه، التي قد تُستخدم كأدوات في صراعات إقليمية، خصوصاً مع إسرائيل، لذلك قد تحمل الزيارة تأكيداً على ضرورة تجنب استخدام الأراضي العراقية كمنصة لأيّ تصعيد عسكري".

كما أن العراق، الذي سبق وأن لعب دور الوسيط في محاولات التقريب بين تركيا وسوريا، يبدو أنه يسعى الآن للعب دور مشابه بين إيران والولايات المتحدة، أوعلى الأقل لتجنب تصعيد يؤدي إلى استهداف إسرائيل أو إشعال المنطقة.

ويضيف عبد الرحمن: "إذا كان السوداني يحمل رسالة غير مباشرة من الولايات المتحدة إلى إيران، فهذا يعكس الدور الوسيط الذي قد تلعبه بغداد، وقد تتمحور حول ضرورة ضبط النفس من قبل إيران لتجنب رد فعل إسرائيلي واسع، وربما إشارة إلى "عملية الوعد الصادق الثالثة"، التي قد تؤدي إلى تصعيد إسرائيلي كبير في حال نفذتها الجماعات المدعومة من إيران".

تحذيرات استباقية كما أنّ الإشارة إلى دور العراق السابق كوسيط بين تركيا وسوريا، تُظهر كيف أن غياب الالتزام بنصائح الوسطاء يؤدي إلى تفاقم الأزمات، وقد يكون السوداني يحاول الآن تجنب سيناريو مشابه من خلال السعي لحل دبلوماسي أو توجيه تحذيرات استباقية، بحسب عبد الرحمن.

وبشكل عام، الزيارة تعكس التحديات التي يواجهها العراق في موازنة علاقاته مع إيران، الولايات المتحدة، والدول الإقليمية الأخرى، في ظل السعي للحفاظ على سيادته ومنع تحويل أراضيه إلى ساحة صراع.

وخلال زيارة السوداني، حضّ المرشد الإيراني علي خامنئي، رئيس مجلس الوزراء العراقي على حفظ الحشد الشعبي، واصفاً وجود القوات الأميركية في العراق بأنه غير قانونيّ ومخالف لمصالح الشعب وحكومته، وعن ذلك يقول عبد الرحمن: "تصريحات المرشد الإيراني تعكس رفض إيران لأيّ محاولات للتقارب مع واشنطن، مع تركيزها على دعم "محور المقاومة" وتعزيز نفوذها في المنطقة".

وفيما يخص الفصائل المسلحة، يرى عبد الرحمن، أن إيران تعتبرها سواء في العراق أو سوريا أو لبنان، أدوات إستراتيجية ضمن مشروع "محور المقاومة"، بالتالي إضعاف هذه الجماعات أو نزع سلاحها يعني تقليص النفوذ الإيراني، وهو ما لن تقبله طهران، خصوصًا مع تزايد الضغوط الأميركية والإسرائيلية.

ويختم عبد الرحمن حديثه بالقول، إن "إيران تدرك أن فتح جبهة داخل حدودها سيضعف موقفها الداخلي والإقليمي. لذلك، إستراتيجيتها الحالية تقوم على إشغال الولايات المتحدة وإسرائيل عبر عمليات غير مباشرة أو تحريك جماعاتها المسلحة خارج حدود إيران، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان، لتوجيه الأنظار بعيداً عن الداخل الإيراني".

قلق إيراني من جهته، يقول الباحث الإعلامي الدكتور نجم العيساوي، لمنصة "المشهد"، إن طهران تحتاج لهذه الزيارة أكثر من العراق، لأنّ طهران قلقة نتيجة الأحداث المتسارعة، خصوصا بالنسبة للموقف الدولي الداعم للتغيير السياسي الذي حصل في سوريا، حيث يظهر المشهد السياسي أن الدول بدأت تتحرك بعيداً عن إيران.

ويضيف العيساوي: رغم أنّ السوداني التقى الرئيس الإيراني بزشكيان، إلا أنّ الزيارة الحقيقية كانت للقاء المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي أراد أن يعرف من السوداني موقف العراق غير المعلن من التصريحات الغربية بشأن طهران، ومدى استعداده للتعامل معها. كما أن إيران بدأت تشعر بأنها تخسر أغلب حلفائها في المنطقة كما حصل مع سوريا، لذلك دعت السوداني لزيارة طهران، لضمان مصالحها في العراق.

وفي المقابل، بدأ العراق ينفتح على دول العالم ويبني علاقات اقتصادية وسياسية، خصوصًا مع الولايات المتحدة، لذلك تخشى طهران أن تجد بغداد متكأ آخر غيرها، لذلك كانت إيران بحاجة ملحّة لهذه الزيارة، وبلا أدنى شك تصدرت سوريا مباحثات هذه الزيارة، ربما قدّم السوداني نصيحة إيران بعدم التدخل بالشؤون السياسية السورية، أو ربما أكد للقيادة الإيرانية أنّ العراق سيحيد نفسه عما يجري في سوريا.

وفي الجانب الاقتصادي، تخشى إيران على مصالحها الاقتصادية في العراق، على رأسها ملف الغاز والكهرباء، الذي حمله رئيس مجلس الوزراء العراقي إلى إيران، خصوصًا بعد الحديث عن خط غاز جديد من تركمستان إلى العراق يمر عبر الأراضي الإيرانية.

الغاز التركمستاني ويقول الخبير الاقتصادي، مصطفى أكرم حنتوش، لـ"المشهد"، إنّ "العراق يشترك بتعاون اقتصاديّ كبير مع إيران، يجمع بين البلدين لأكثر من 20 عامًا من التجارة المتبادلة والاستيراد والتصدير، وفي مقدمتها النفط والغاز، وأظن أن السوداني بحث أهم الملفات الاقتصادية مع الجانب الإيراني".

ويضيف حنتوش: "ربما طرح رئيس مجلس الوزراء على الجانب الإيراني، إمكانية الاستعانة بالغاز التركمستاني، لأن إيران لم تعد تملك ديمومة تصدير 50 مليون متر مكعب من الغاز في العام إلى العراق، لكن الغاز التركمستاني يمر عبر إيران، هل ستقبل إيران بمد أنابيب الغاز عبر أراضيها؟ أظن أن هذا الملف يتم التفاوض عليه".

ويختم حنتوش بالقول، إن "هناك الكثير من الملفات التجارية، وأعتقد أن السوداني ناقش مع الجانب الإيراني مستقبل التجارة بين البلدين في ظل التطورات السياسية في المنطقة، والتهديديات التي تتلقاها إيران من أميركا وإسرائيل، المتزامنة مع تراجع الدور الإيراني في المنطقة، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وخسارة "حزب الله" اللبناني للعديد من قادته، وإضعاف ما يسمى "محور المقاومة" الذي تدعمه إيران".

(المشهد - أربيل)


هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من قناة المشهد

منذ 5 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 43 دقيقة
منذ 9 ساعات
منذ ساعة
منذ 7 ساعات
قناة الغد منذ 12 ساعة
قناة العربية منذ 6 ساعات
بي بي سي عربي منذ 17 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ ساعتين
قناة روسيا اليوم منذ 18 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 10 ساعات
قناة العربية منذ ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 5 ساعات