حلف بغداد: قصة تحالف عسكري، أشعل التوترات في المنطقة

عندما تسمع كلمة بغداد - العاصمة العراقية - قد يرد إلى الذهن أفكار شتى بداية من عاصمة هارون الرشيد والخلافة العباسية، ومرورا بحكايات ألف ليلة وليلة وبساط الريح، وحتى صدام حسين، ولكن قد لا يخطر على البال أن هذه الكلمة كانت تشير ذات يوم إلى تحالف عسكري غربي شرق أوسطي في خمسينيات القرن الماضي، وقد كانت نهاية هذا الحلف هي بداية النهاية للنفوذ البريطاني في الشرق الأوسط.

تأسس ما يعرف بحلف بغداد عام 1955، وكانت بريطانيا تأمل في انضمام الأردن إليه، لكن في 14 يناير/ كانون الثاني من عام 1956 أعلنت المملكة الأردنية رفضها الانضمام إلى الحلف الذي كان يضم إلى جانب بريطانيا كل من العراق وتركيا وباكستان وإيران.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إن حلف بغداد، هو منظمة أمنية اتخذت من العاصمة العراقية بغداد مقرا لها منذ تأسيسها في 24 فبراير/ شباط من عام 1955 وحتى تمت الإطاحة بالنظام الملكي المعادي للسوفييت في بغداد، وما أعقب ذلك من انسحاب العراق من الحلف، ليتم نقل المقر للعاصمة التركية أنقرة كما تم تغيير الاسم إلى منظمة المعاهدة المركزية (الحلف المركزي)، وفي عام 1979 انسحبت إيران بعد الثورة الإسلامية وسقوط الشاه، ليتم حل هذه المنظمة في نفس العام، فما هي قصة هذا الحلف؟

التصدي للمد الشيوعي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، برزت قوتان عالميتان رئيسيتان هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وشكل الصراع بينهما إطارا للحرب الباردة، حيث سعت كلتا القوتين إلى توسيع نفوذهما السياسي والعسكري في أنحاء العالم.

وبينما كان السوفييت يواصلون توسيع مناطق نفوذهم في أوروبا الشرقية، كانت إحدى المناطق التي يتطلعون للوصول إليها هي الشرق الأوسط.

وقد اعتبرت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا الشرق الأوسط منطقة حيوية لمصالحهما الأمنية، وكانت بريطانيا على وجه الخصوص مرتبطة بالمنطقة، فقد كانت دائماً الدولة الأكثر نفوذاً فيها، وبعد الحرب العالمية الثانية، تعاملت بريطانيا مع أمن المنطقة باعتباره شديد الأهمية بالنسبة لها، ولكن تراجع قوة بريطانيا مقارنة بالولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كان يثير تساؤلات متزايدة حول قدرتها على حماية مصالحها في الشرق الأوسط.

وقد أعربت حكومة الولايات المتحدة في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي عن اهتمامها بتشكيل حلف عسكري في الشرق الأوسط لمواجهة تهديد التمدد الشيوعي السوفييتي إلى مناطق إنتاج النفط الحيوية.

ولذلك، سعت واشنطن إلى إنشاء تحالفات إقليمية تهدف إلى احتواء الشيوعية، فجاء حلف بغداد كجزء من هذه الاستراتيجية، حيث كان يهدف إلى بناء جدار من الدول المتحالفة يمتد من تركيا إلى باكستان.

وقد تشكل حلف بغداد في نفس الوقت الذي تشكل فيه كل من حلف الناتو( حلف شمال الأطلسي) ومنظمة معاهدة جنوب شرق آسيا، إذ حاولت تلك التحالفات الإحاطة الاتحاد السوفييتي من خلال سلسلة من المنظمات العسكرية الموالية للغرب.

وقد ظهرت فكرة التحالفات الثلاثة بعد أن عاد وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس إلى واشنطن من جولته في الشرق الأوسط في مايو/ آيار من عام 1953 حيث اقترح تشكيلا دفاعيا لدول تمتد عبر أوراسيا لاحتواء الشيوعية.

وتكمن أهمية الشرق الأوسط في عدد من العوامل المختلفة:

أولاً، كان وجود النفط في العديد من بلدان الشرق الأوسط يعني أن اقتصادات أوروبا الغربية، وبدرجة أقل الاقتصاد الأمريكي، تعتمد على المنطقة كمصدر للطاقة، وكانت بريطانيا تحصل على ما يقرب من 90 في المئة من إمداداتها النفطية من الخليج.

ثانيًا، يقع الشرق الأوسط ضمن العديد من طرق العبور إلى الشرق الأقصى، وجعلت الممرات المائية والجوية التي تمر عبر مصر والعراق والأردن، بريطانيا تعتمد بشكل كبير على العلاقات الطيبة مع دول المنطقة في مجال الاتصالات والتجارة مع الشرق الأقصى.

وثالثاً، هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية، فمن ناحية، هي متاخمة للجزء الجنوبي من حلف شمال الأطلسي، وبالتالي فإنها تقدم للمعتدي طريقاً محتملاً للهجوم. ومن ناحية أخرى، يمكن أو توفر قواعد يمكن من خلالها شن هجوم على الاتحاد السوفييتي من الجنوب. ومن جانبها، كانت بريطانيا تمتلك قواعد في الحبانية والشيبة في العراق وعلى جزيرة قبرص، والتي يمكن من خلالها توجيه ضربات نووية إلى القوقاز، وكان يُنظَر إلى توجيه ضربات إلى الاتحاد السوفييتي من الشرق الأوسط، على أنها يمكن أن تعقد تخطيطه الدفاعي من خلال مواجهته بمحاور هجوم متعددة.

"الحزام الشمالي" وأدت التوترات المستمرة في منطقة الشرق الأوسط في خمسينيات القرن العشرين، مثل الصراع العربي الإسرائيلي وتصاعد معاداة الاستعمار بقيادة مصر، إلى صعوبة تشكيل تحالف يضم كل من إسرائيل والقوى الغربية مع الدول العربية والإسلامية.

وبدلاً من ذلك، حولت الولايات المتحدة تركيزها إلى "الحزام الشمالي"، في إشارة إلى خط البلدان التي شكلت حدوداً بين الاتحاد السوفييتي والشرق الأوسط. وكانت الفكرة هي إبرام تحالف يربط العضو الجنوبي الأبعد في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي تركيا، بالعضو الغربي الأبعد في منظمة حلف جنوب شرق آسيا، وهي باكستان.

وقد وقعت تركيا وباكستان اتفاقية في عام 1954 لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

وبإيعاز من بريطانيا والولايات المتحدة، بدأ تشكيل حلف بغداد في 24 فبراير/ شباط من عام 1955 عندما وقع العراق وتركيا "ميثاق التعاون المتبادل" في بغداد لمقاومة العدوان الخارجي، وفتحتا الطريق أمام دول أخرى في المنطقة.

وفي أبريل/ نسيان، انضمت بريطانيا، وتبعتها باكستان، في الأول من سبتمبر/ أيلول، ثم إيران، أثناء فترة الشاه محمد رضا بهلوي، في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1955.

وهكذا، قام "حلف بغداد" الذي ضم بريطانيا والعراق وتركيا وباكستان وإيران، وكان ذلك في عهد فيصل الثاني، آخر ملوك العراق ورئيس حكومته نوري السعيد، وهدف الحلف تقوية دفاعات المنطقة ومنع الاختراق السوفييتي للشرق الأوسط.

إذ نصت المادة الأولى من معاهدة حلف بغداد على أن الغرض من إقامته هو الدفاع عن أمن وسلامة الأطراف المتعاقدة. وتعهدت هذه الأطراف بموجب المادة الثالثة بالامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض، وكذلك بتسوية منازعاتها بالطرق السلمية تماشياً مع ميثاق الأمم المتحدة.

أما مدة سريان معاهدة الحلف فقد حددتها المادة السابعة بأنها 5 سنوات قابلة للتجديد مدة مماثلة، وقد كفلت هذه المادة حق الانسحاب لأي من الدول المتعاقدة وذلك بتقديم إخطار خطي قبل 6 أشهر من انتهاء مفعول المعاهدة.

لكن لم يتم الالتزام بهذا النص لدى انسحاب العراق من الحلف حيث لم تكن الدول الأطراف الأخرى حريصة على استمرار عضوية العراق لانعدام وجود الهدف المشترك بين هذا النظام وأنظمة الدول الأخرى في الحلف.

موقف الولايات المتحدة كانت بريطانيا هي الدولة الثالثة التي انضمت إلى حلف بغداد بعد فترة وجيزة من تأسيسه، وعلى النقيض من ذلك، لم تنضم الولايات المتحدة للحلف بشكل كامل على الرغم من حقيقة أنه ضم دولًا قريبة من الاتحاد السوفييتي.

وبعد انضمام بريطانيا في عام 1955، توقعت أن تنضم الولايات المتحدة إلى الحلف أيضاً، وقد أيدت دراسة مشتركة لوزارتي الدفاع والخارجية في بريطانيا في يونيو/ حزيران من عام 1955، الرأي القائل بأنه لا يمكن تأمين الدفاع عن المنطقة إلا بمساعدة أمريكية، ولقد مارست المملكة المتحدة وغيرها من الدول الأعضاء، دون جدوى، ضغوطاً من أجل انضمام أمريكا إلى حلف بغداد منذ بداياته.

ورغم عدم استجابة.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من بي بي سي عربي

منذ 11 ساعة
منذ 4 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ ساعة
منذ 9 ساعات
منذ ساعة
قناة العربية منذ ساعتين
قناة يورونيوز منذ 6 ساعات
قناة العربية منذ 8 ساعات
بي بي سي عربي منذ 3 ساعات
سكاي نيوز عربية منذ 15 ساعة
سكاي نيوز عربية منذ 12 ساعة
قناة العربية منذ 8 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 7 ساعات