تحليل: "ترامب الثاني".. مفعول دومينو على نزاع الصحراء؟

هذا العام يكون نزاع الصحراء الغربية قد مضى عليه نصف قرن من الزمن، فهل يحمل 2025 معه بوادر لطيه في ذكرى مرور خمسين عاما على انسحاب إسبانيا من الإقليم وتنظيم المغرب للمسيرة الخضراء؟

لرسم ملامح للتطورات والسيناريوهات التي يمكن أن يشهدها هذا الملف الشائك في أفق السنة الجديدة، يمكن بداية رصد أبرز الأطراف والعوامل المؤثرة في تطوراته. بدءا بالأطراف المباشرة في النزاع وهي المغربوجبهة البوليساريو التي تطالب بالاستقلال بدعم رئيسي من الجارة الجزائر.

وفيما يُوكل للأمم المتحدة دور أساسي كإطار لتسوية النزاع في إطار القرارات الدولية التي تصدر منذ نصف قرن، تلعب أطراف إقليمية ودولية أخرى أدوارا مؤثرة، لاعتبارات متداخلة: جيوسياسية وتاريخية، ومن أبرزها إسبانيا وفرنسا بالإضافة للولايات المتحدة الأمريكية.

دور أممي محدود لكن لا غنى عنه في أحدث تقرير للأمم المتحدة صدر في نهاية شهر أكتوبر تشرين الأول 2024 دعا مجلس الأمن الدولي إلى وجوب التوصّل إلى "حل سياسي واقعي وقابل للتحقيق ومستدام ومقبول من الطرفين" لوضع الصحراء الغربية. وتضمن القرار الأممي تمديدا لتفويض بعثة الأمم المتحدة فيها لمدة عام حتى 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2025.

وفي منظور الأمم المتحدة تعتبر الصحراء الغربية "منطقة غير متمتعة بالحكم الذاتي"، وتبلغ مساحة المستعمرة الإسبانية السابقة 266 ألف كيلومتر مربع وتحتوي على ثروات سمكية واحتياطات كبيرة من الفوسفات، وتقع في ملتقى طرق على الساحل الأطلسي والصحراوي بين شمال وغرب أفريقيا.

ويشكل الإقليم منذ عقود منطقة نزاع بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر. ويبسط المغرب سيطرته على أكثر من 80 بالمئة من هذا الإقليم ويقترح منحه حكما ذاتيا تحت سيادته، فيما تدعو بوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) إلى استقلاله.

وتعثرت جهود الأمم المتحدة لتنظيم خطة استفتاء تقرير المصير التي نصّ عليها اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 690. وبعد أن حالت الخلافات حول من يحق له التصويت دون إجراء الاستفتاء.

وكمخرج من المأزق، أقرت الأمم المتحدة سنة 2007 (القرار1783) صيغة تسوية "تفاوضية ومقبولة من طرفي النزاع" برعاية المبعوث الأممي الخاص بالصحراء، وعرض المغرب منذ ذلك الحين مشروع "الحكم الذاتي الموسع" تحت سيادته كحل وحيد لحل النزاع.

وفي ظل جمود الملف على مستوى الأمم المتحدة يمكن رصد تطورين في الآونة الأخيرة: أولهما أنه مع مرور الزمن يحصل المقترح المغربي على مزيد من التأييد الإقليمي والدولي.

وثانيهما: معلومات كُشف عنها ضمن مداولات جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حول ملف الصحراء، حيث ذكر أن المبعوث الأممي ستافان دي مستورا طرح فكرة تقسيم الصحراء، وبأن المغرب وجبهة البوليساريو رفضا الفكرة بشكل تام. وبحسب محضر اجتماع مجلس الأمن اعترف دي مستورا بأنه اصطدم بانسداد آفاق التفاوض بين أطراف النزاع.

وسيكون الديبلوماسي الإيطالي السويدي المخضرم (79 عاما) الذي يعتبر المبعوث الأممي الثامن منذ إقرار خطة الاستفتاء سنة 1991، أمام اختبار نهائي في غضون الأشهر القليلة المقبلة، وإذا لم يحقق خلالها اختراقا في الحوار باتجاه التفاوض على "حل توافقي" لا يستبعد محللون أن يقدم استقالته.

بيد أنّ فشل المبعوث الأممي في حال حدوثه، قد لا يعني بالضرورة نهاية لدور الأمم المتحدة في تسوية النزاع، إذ سيتعين على الأطراف دائما الاعتماد على المنظمة الأممية كمظلة لطي الملف.

مواقف القوى الإقليمية والدولية المؤثرة منذ قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب (في نهاية ولايته الأولى) في ديسمبر/ كانون الأول 2020 الاعتراف بسيادة المغرب على الإقليم، بات المحللون ينظرون باهتمام متزايد للدور الأمريكي.

وخلال أربعة أعوام حافظت إدارة الرئيس جو بايدن المنتهية ولايته، على موقف الإدارة السابقة، لكنها لم تحدث فيه أي اختراق يذكر. وهو ما يثير السؤال من جديد عما إذا كانت إدارة ترامب الثانية ستضفي زخما جديدا عبر مبادرات وتحركات جديدة وفي أي اتجاه ستكون؟

في غضون ذلك تحصد الدبلوماسية المغربية تأييدا متزايدا لاقتراح الحكم الذاتي الموسع، أبرزها وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يوليو/ تموز 2024 تحت قبة البرلمان المغربي في الرباط بأن بلاده ستنشط "دبلوماسيا" في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لدعم المقترح المغربي حلا وحيدا للنزاع حول الصحراء الغربية. وقال ماكرون "بالنسبة لفرنسا، يندرج حاضر هذه المنطقة ومستقبلها في إطار السيادة المغربية".

وجاء الموقف الفرنسي بعد إعلان مدريد تأييدها لخطة الحكم الذاتي التي طرحتها الرباط، فيما اعتبر تحولا تاريخيا في الموقف الإسباني، وأبدت الجزائر انزعاجا كبيرا من مواقف فرنسا وإسبانيا. وبدورها أبدت برلين وعواصم أوروبية أخرى تأييدها لمقترح الحكم الذاتي الموسع كأساس "واقعي وبناء" لتسوية نزاع الصحراء في إطار الشرعية الدولية.

وفيما كانالمغرب ينتظر موقفا مشتركا من التكتل الأوروبي يدعم اقتراحه، صدر قبل نهاية العام الماضي قرار من محكمة العدل الأوروبية يعتبر أن المفوضية الأوروبية "انتهكت حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير"، بإبرامها اتفاقات تجارية مع المغرب تتعلق بالصيد والزراعة عام 2019، شملت أيضا منتجات من الصحراء الغربية.

وتفيد مؤشرات عديدة بأن الرباط وبروكسل تبذلان مساع للحفاظ على زخم العلاقات وعدم تصدعها إثر قرار المحكمة، إذ شدّد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية السابق، جوزيب بوريل، في منتصف أكتوبر/ تشرين أول الماضي، التأكيد على "القيمة الكبيرة" التي يوليها الاتحاد الأوروبي للشراكة الاستراتيجية مع المغرب.

عقدة العلاقات المغربية الجزائرية رغم أنالعلاقات المغربية الجزائرية شهدت أزمات مزمنة على خلفية نزاعات حول الحدود الموروثة عن الاستعمار الفرنسي وتسببت في حرب الرمال (سنة 1963) وقطع للعلاقات الديبلوماسية، إلا أن المنعطف الأسوأ في تاريخ علاقات البلدين يرتبط بنزاع الصحراء الغربية.

فقد كان خروج المستعمر الإسباني من الإقليم بناء على اتفاقيات مدريد الثلاثية (نوفمبر/ تشرين الثاني 1975) وتقاسم المغرب وموريتانيا نفوذهما عليه، وأعقبه صدور توصية من الأمم المتحدة في مايو/ أيار 1975 بشأن تقرير المصير في الإقليم.

وشكل إعلان المغرب تنظيم المسيرة الخضراء في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني 1975 منعطفا في تاريخ النزاع حول الإقليم وخصوصا بين المغرب والجزائر التي انخرطت بشكل أعمق في أدوار ديبلوماسية وعسكرية داعمة لمطالب جبهة البوليساريو بالاستقلال.

وبعد عقد ونيف من نزاع مسلح راح ضحيته عشرات الآلاف من الجانبين، تم التوصل في سبتمبر/ أيلول 1991إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين جبهة البوليساريو والمغرب. وتزامن ذلك بتقارب جزائري مغربي وتأسيس الإتحاد المغاربي (1989).

بيد أنّ فترة التقارب لم تدم طويلا، إذ عادت أجواء التوتر وإغلاق الحدود منذ سنة 1994 ثم إعلان الجزائر في صائفة سنة 2021 قطع علاقاتها الديبلوماسية مع المغرب، بعد أشهر قليلة من حادث معبر الكركارات سنة 2020، واعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

وفي الوقت الذي ضاعف فيه المغرب جهوده الديبلوماسية على أصعدة إقليمية (خصوصا القارة الأفريقية) ودولية لكسب مزيد من الدعم لاقتراحه بإقامة حكم ذاتي موسع في الصحراء، صعّدت الجزائر سياستها ضد المغرب والدول التي تؤيد خطته في الصحراء.

وبات ملف الصحراء في دائرة "الأمن القومي" في المنظور الأمني والاستراتيجي الجزائري. إذ ضاعفت الجزائر من استعراضها للقوة العسكرية عبر مناورات على حدود المغرب، ما حدا بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة للقول في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، أمام برلمان بلاده، بأن "هناك مؤشرات تدل على رغبة الجزائر في إشعال حرب بالمنطقة والدخول في مواجهة عسكرية مع المغرب".

وإثر إعلان مدريد موقفها المؤيد لاقتراح الحكم الذاتي الموسع أعلنت الجزائر تجميد معاهدة الصداقة والعلاقات التجارية بين البلدين، كما شهدت علاقات الجزائر بباريس تصعيدا ملحوظا إثر إعلان الرئيس ماكرون دعمه لسيادة المغرب على الصحراء.

وجدد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف مؤخرا رفض بلاده مقترح الحكم الذاتي كأساس لتسوية نزاع الصحراء واعتبره "خرافة.. ومماطلة ومناورة لكسب الوقت".

كما تراجعت فرص.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من قناة DW العربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من قناة DW العربية

منذ 56 دقيقة
منذ ساعتين
منذ 3 ساعات
منذ 16 دقيقة
منذ 36 دقيقة
منذ 3 ساعات
قناة يورونيوز منذ 18 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 15 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 14 ساعة
قناة العربية منذ ساعتين
قناة روسيا اليوم منذ 6 ساعات
قناة الغد منذ 20 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ ساعتين
قناة العربية منذ 13 ساعة