رهان بايرن.. على كفّ كومباني

نزل خبر الإعلان عن تعيين البلجيكي فانسان كومباني مدرباً لفريق بايرن ميونيخ الألماني لكرة القدم، مطلع الموسم الراهن، كالصاعقة على مشجعي النادي.

بايرن مرشح دائم للتتويج بلقب دوري أبطال أوروبا، البطولة التي يسعى خلفها كبار "القارة العجوز". تستلزم لاعبين على أعلى مستوى، وهو ما يتوافر لدى الفريق البافاري الذي يزخر بما لذّ وطاب من نجوم عالميين، بيد أن هذه الرزمة من اللاعبين اللامعين تحتاج بلا شك إلى مدرب قادر، بادئ ذي بدء، على السيطرة على غرفة ملابس "خمس نجوم" قبل دخول معمعة التكتيكات والنواحي الفنية.

مرّ العديد من المدربين العالميين على بايرن مع تسجيل عدد آخر ممن لم يكونوا مصنّفين "باب أول"، غير أن متطلبات استعادة اللقب المحلي الذي آلَ في الموسم الماضي للمرة الأولى إلى باير ليفركوزن بعد 11 سنة من سطوة "البافاري"، والابتعاد عن العرش القاري منذ 2020، كانت تؤشر إلى ضرورة الاستعانة بمدير فني على مستوى الاستحقاقات الملحّة.

استدراج كلوب رحل توماس توخيل في الموسم الماضي بعد فترة متوترة في "أليانز أرينا"، فتركزت الأنظار على خليفته. حُكي عن يورجن كلوب الذي كان غادر لتوّه ليفربول الإنجليزي، مفضّلاً الدخول في استراحة لمدة موسم. حُكي عن إمكان عودة يوليان ناجلسمان المقال قبل فترة من الفريق عينه والذي تولى لاحقاً قيادة المنتخب. لم تنجح المفاوضات معهما ولا حتى مع غيرهما.

تهرب كثيرون من المهمة خصوصاً أن ما رشح من أروقة النادي أشار إلى أنه سيجري التعاقد مع مدرب لموسم واحد فقط قبل "استدراج" كلوب إلى ميونيخ.

بعد فترة ملبدة بالغيوم، تمّ التعاقد مع كومباني (38 عاما) بموجب اتفاق يستمر حتى 2027، الأمر الذي دحض آراء كل من اعتقد بأن الإدارة وضعت عينها على كلوب وحده.

لم يشفع للبلجيكي سجله كلاعب لدى عشاق النادي. 89 مباراة دولية لكومباني بين 2004 و2019 عاش فيها نشوة نسبية باحتلال المركز الثالث في مونديال 2018، فضلاً عن التتويج مع مانشستر سيتي بلقب الدوري الإنجليزي أربع مرات (2012 و2014 و2018 و2019).

هو مدرب حديث العهد. تولى قيادة أندرلخت البلجيكي بعيد الاعتزال كلاعب، ثم بيرنلي الإنجليزي عام 2022، فارتقى به بأداء رائع مستوحًى من مدربه السابق في "سيتي" الإسباني جوسيب جوارديولا، وذلك من الـ "تشامبيونشيب" إلى دوري الدرجة الممتازة، قبل أن يعود أدراجه إلى "الأولى".

رغم ذلك، قرر بايرن ميونيخ منحه فرصة ذهبية لقيادة فريق طليعي بعد أحاديث عن محاولات فاشلة أيضاً مع الإسباني تشابي ألونسو ورالف رانجنيك.

دفاع الإدارة مفاجأة أخرى استُنتج منها دفاعاً من الإدارة عن خيارها غير المنتظر جاء على لسان الرئيس التنفيذي للنادي، جان - كريستيان دريسين: "كلنا متفقون في القول إن فانسان كومباني هو المدرب الذي نحتاجه".

من جانبه، قال المدير الرياضي كريستوف فرويند: "هو مدرب يناسب تماماً فلسفة بايرن ميونيخ. شاب طموح يملك خبرة دولية واسعة. سيجلب الكثير لفريقنا".

الواقع أن معظم الأندية الكبرى اتجهت في السنوات الأخيرة نحو مدربين شباب، مع استثناء حالة المدرب الحالي لريال مدريد الإسباني، الإيطالي كارلو أنشيلوتي (65 عاماً)، غير أن اتجاه بايرن نحو كومباني بالذات فرض علامات استفهام حول قدراته خصوصاً أنه لا يمتلك تلك الخبرة الكافية لضمان النجاح في معتركات متقدمة المستوى.

مدربون شباب عدة فرضوا نفسهم على الساحة. عدد لا بأس به من اللاعبين حصلوا على فرصة تدريبية بعدما ترعرعوا في كنف مدربين عالميين في أنديتهم. هؤلاء حملوا معهم من كل مدرب ما هو مناسب لرؤيتهم وطبقوه على فرق متوسطة المستوى قبل الارتقاء إلى أندية أكبر. تجربة غالباً ما تثمر نتائج مشجعة. ويعتبر كومباني من هؤلاء المدربين الذين يتمتعون بالدينامية والشباب، والقادرون على التواصل بشكل مثالي مع لاعبيهم.

وضعُ الخطط التدريبية أمر مفروغ منه، لكن السيطرة "المعنوية" على اللاعبين تعتبر مهمة معقدة، وهي الأساس. لذا، يقع على عاتق المدرب معرفة ما يجب أن يقال للاعبين، والحرص على حمايتهم، وهذا يستلزم خبرة معتبَرة.

التواصل بين الطرفين عملية دقيقة للغاية أيضاً. عندما يكون المدرب لطيفاً جداً مع لاعبيه، يقال إنه يبالغ. وإن كان سريع الغضب، اتُّهم أيضاً بالمبالغة في ردود فعله.

مدرب ولاعب هل سبق لكل مدرب كبير أن كان لاعباً كبيراً؟ وهل يفيد أن يكون المدرب قادماً من نجاحات كلاعب كي يسيطر على غرفة الملابس؟

ليس شرطاً. الأهم هو قدرة المدرب على خلق فريق منافس في الملعب. ليس من الضروري أن يكون حاملاً لسجل حافل كلاعب إذ قد يعوض ذلك بفكره التكتيكي والحصص التدريبية. وهو ما يؤكده الإيطالي المحنّك أريجو ساكي. لم يمارس اللعبة على المستوى الاحترافي وتوجه إلى كرة القدم قادماً من تجارة الأحذية، فيما كان مواطنه ماوريتسيو ساري موظف بنك. البرازيلي كارلوس ألبرتو بيريرا الذي قاد منتخب بلاده كمدرب للتتويج بكأس العالم 1994 لم يمارس اللعبة بتاتاً. من جهته، لم يبرز البرتغالي جوزيه مورينيو كلاعب، ولا حتى كلوب.

في المقابل، قد يترك بصمة راسخة كلاعب على المستوى الدولي، لكنه يفتقد إلى حاسة التدريب. خير مثال الإنجليزي واين روني ومواطنوه ستيفن جيرارد، آلن شيرر، والراحل بوبي تشارلتون، الإيطالي أندريا بيرلو، البلغاري هريستو ستويتشكوف، وخصوصاً الأرجنتيني الراحل دييجو مارادونا والألماني لوثار ماتيوس.

واقع أن يكون اللاعب كبيراً قد يساعد في أن يتحول إلى مدرب ناجح، لكنها ليست بقاعدة.

ثمة من حقق المعادلة. الفرنسي زين الدين زيدان ومواطنه ديدييه ديشان، جوارديولا، الألماني الراحل فرانتس بكنباور، والهولندي الراحل يوهان كرويف.

في ألمانيا مثلاً، 16 من أصل 24 ممن يخوضون دورات تدريب احترافية سنوياً هم لاعبون لم يسبق لهم أن مارسوا كرة قدم على المستوى الاحترافي، أبرزهم ناجلسمان الذي اعتزل في سن العشرين بسبب الإصابة قبل أن يتحول إلى مدرب فذّ يقود حالياً الـ"ناسيونال مانشافت".

مواضيع ذات صلة

حصان وفارس "لا تحتاج إلى أن تكون حصاناً في السابق.. كي تصبح فارساً"، هذا ما قاله ساكي يوماً، فيما جاء في تصريح لأنشيلوتي عام 2013: "خبرتك كلاعب قد تساعدك كمدرب في حالة واحدة: ستكون قادراً على فهم ما يفكر به اللاعبون"، ويضيف: "لكن العمل كمدرب أمر مختلف. عليك أن تدرس كي تصبح مدرباً".

تؤكد معظم الدراسات أن المدافعين وحراس المرمى لا يبرعون كمدربين. في المقابل، يعتبر المهاجمون ولاعبو الوسط الأكثر تحقيقاً للنجاح على هذا الصعيد.

لكن الأهم أن يحصل المدرب على لاعبين أكفاء ليحقق المبتغى. وهنا أيضاً تعود الضبابية إلى المسألة.

كومباني، هادئ الطباع، تألق كمدافع. فريقه يتصدر حالياً ترتيب الدوري المحلي بفارق 4 نقاط فقط عن ليفركوزن مع انتصاف الموسم، لكنه خرج من كأس ألمانيا، ويبدو في موقع مشجع على جبهة دوري الأبطال.

اعتماد بايرن عليه يبقى في مدار رهانٍ أخذه النادي على عاتقه، وأغرى كومباني من خلاله على اتخاذ خطوة قد تقوده نحو مجدٍ غير منتظر... أو نحو فشل كان في الحسبان.


هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من قناة المشهد

منذ 5 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 3 ساعات
قناة يورونيوز منذ 11 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 11 ساعة
قناة العربية منذ 4 ساعات
قناة العربية منذ 13 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 7 ساعات
قناة العربية منذ 13 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 6 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 7 ساعات