علي بن سالم كفيتان
كان شعور جميل في صباح شتوي بارد النسمات على رابية تُطل على وادٍ مُفعم بالحياة في بلادنا الغالية، وفي الخلفية برج وقلعة مقشن كشاهدٍ على الحدث؛ فالمكان يسكنه الكبرياء، وتحفه الهيبة؛ فالقوافل عبرت من هنا، حاملةً معها عبق الجنوب إلى حضارات الشمال، عندما سكنت الوادي.
في الليلة التي سبقت الحدث في خيمة شعر وليلة صافية والسماء تتزاحم فيها النجوم والكواكب ورزيم النوق في الجوار، وهمهمات الرجال على النار، كل ذلك أعاد مشهد من كانوا يعبرون هذه الصحراء المقفرة بحثًا عن فرص جديدة وأمل في حياة أفضل، رغم مجاهيل المكان وجبروته. كان الفريق منذ عامٍ ونيف، يُفكر في هدف نبيل يُعيد لهذا المكان مفردةً طالما كانت تشكل إحدى جمالياته ومقوماته، وكان هناك تساؤل يقفز إلى النقاش مع كل لقاء: هل ما زال الريم يجوب صحاري الربع الخالي كما كان؟ لتأتي الإجابة غير مكتملة، فهناك من يقول إنه شوهد آخر مرة قبل عقد من الزمن، وآخر يذكر أن الريم باتت بأعداد نادرة لا تكاد تُذكر في صحاري عُمان، الممتدة من أم الطبول في الشمال إلى رملة جديلة في الجنوب، في الوقت الذي أيدت فيه الدراسات المسحية النُدرة، وأوصت بالتدخل السريع لإعادة توطين قطعان من غزال الريم في براري ظفار؛ انطلاقًا من واحة مقشن الشهيرة.
الريم هي قصة الصحراء الجميلة التي يجب أن تُروى للأجيال، وكيف استطاعت البقاء والعيش، رغم عاديات الزمن، وكيف تحوَّل رجال يجيدون استعمال البندقية وينتقون السمين من رؤوس الطعوس، ومفازات الجبال، أمثال الشيخ مسلم بن طفل- رحمه الله- من رُماة بارعين إلى حُماة للأرض والانسان والبيئة. هُنا قفزت إلى مُخيِّلتي زيارتي الأولى للوادي في منتصف تسعينيات القرن الماضي؛ حيث أتيتُ من صلالة لمقابلة خبير بيئي أجنبي قادم من مسقط لإعداد تقرير أوَّلي عن مقومات وادي مقشن، وإمكانية إعلانه محميةً طبيعةً. وصلتُ عصر ذلك اليوم وتجولتُ في الوادي، وفجأة بدا لي مركز للفرق الوطنية (قوة عسكرية شبه نظامية مكونة من المجتمعات المحلية)، توجهتُ إلى هناك، وعند دخولي وجدتُ شيخًا متكئًا على سارية العلم شبه نائم، بينما العلم يُرفرف بقوة الريح، وصوت الحبل يضرب في السارية؛ ليعزف سيمفونية الرسوخ الأبدي. سلمتُ بهدوء، وعندها اعتدل بن طفل ورحَّب، واقتربتُ منه للسلام باليد؛ فشدني إليه قليلًا، ونظر إليَّ بفراسةِ الزمن، فعرف إلى أي قبيلة أنتمي دون أن أُخبره. وعندها، بدأ حديث لم أكن أتوقعه مطلقًا، هنا حديث عن الشهامة والرجولة ومواقف لا تُنسى.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الرؤية العمانية