عندما يدخل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب البيت الأبيض للمرة الثانية في 20 يناير كانون الثاني، فإن المشهد من المكتب البيضاوي سوف يبدو مختلفاً تماماً عن المشهد الذي واجهه عام 2017. فقد تسببت جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا والحرب التجارية مع الصين في حدوث تموجات في الاقتصاد العالمي لا تزال محسوسة حتى منتصف العقد. وستراقب بكين الأمر من كثب، فقد وعد ترامب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 60 في المئة على الواردات الصينية، وذلك جزئياً رداً على تدفق الفنتانيل من الصين إلى الولايات المتحدة، وفقاً لصحيفة ذا غارديان البريطانية. ولم يتم الإعلان بعد عن تفاصيل سياسات ترامب تجاه الصين، وكان لدى بكين الوقت للاستعداد لزيادة التعريفات الجمركية، من خلال بناء علاقات تجارية مع الاقتصادات الصغيرة ونقل سلاسل التوريد إلى دول ثالثة، وخاصة روسيا. وبلغت التجارة الثنائية بين الصين وروسيا مستوى قياسياً بلغ 237 مليار دولار عام 2024.
ولكن كل هذا لن يكون كافياً لتعويض انخفاض الطلب من الولايات المتحدة، ففي ظل ضعف الطلب المحلي وإعادة التوازن البنيوي في الصناعات الكبرى، أصبح الاقتصاد الصيني يعتمد على الصادرات بدرجة أكبر كثيراً مما كان عليه عام 2017. نمو الاقتصاد الصيني ينمو الاقتصاد الصيني بوتيرة أبطأ مما كان عليه عندما تولى ترامب منصبه لأول مرة.. في عام 2016 بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي 6.7 في المئة، وهو ما يعتبر في حد ذاته تباطؤاً قياسياً، وفي عام 2024، قالت الحكومة إن الاقتصاد نما بنسبة 5 في المئة، بما يتماشى مع الهدف الرسمي. لقد ولت منذ زمن طويل أيام النمو المزدوج للاقتصاد الصيني، وهو أمر متوقع مع انتقال البلاد إلى اقتصاد أكثر تطوراً. لطالما زعم خبراء الاقتصاد أن أرقام النمو الفعلية في الصين أقل كثيراً مما تشير إليه الإحصاءات الرسمية، ويقدر المحللون في شركة روديوم للأبحاث أن النمو الفعلي في العام الماضي بلغ 2.4 في المئة، أما خبراء الاقتصاد الذين استطلعت رويترز آراءهم فقد وضعوا تقديراتهم أقرب إلى الرقم الرسمي، أي 4.9 في المئة. الميزان التجاري بين أميركا والصين لقد ظل نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني صامداً على الأقل جزئياً بفضل الطفرة الهائلة في الصادرات.. ففي العام الماضي، بلغ الفائض التجاري للصين نحو تريليون دولار أميركي، وهو رقم قياسي مرتفع، وقد تعزّز هذا بفضل زيادة الصادرات في ديسمبر كانون الأول، وهو ما يقول بعض الخبراء إنه يشير إلى اندفاع المصدرين الصينيين إلى محاولة شحن بضائعهم قبل تولي ترامب منصبه. وعلى الرغم من الحرب التجارية، فقد زاد الفائض التجاري للصين في السنوات الأخيرة.. ففي عام 2018، كان نحو ثلث ما هو عليه اليوم. وتظل الولايات المتحدة سوقاً مهمة. وفي عام 2018، كانت الوجهة الأولى للمصدرين الصينيين، وعام 2024، ستصبح الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بعد جنوب شرق آسيا كسوق، ما يعكس العلاقات المتزايدة بين الصين وجيرانها الإقليميين وحقيقة أن العديد من الشركات نقلت سلاسل التوريد الخاصة بها خارج الصين من أجل مواصلة التجارة مع الولايات المتحدة.
وتوضح هذه الحقيقة حدود العقوبات الثنائية. يقول براد سيتسر، وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية «الكثير مما يسمى التجارة مع الجنوب العالمي هو في الأساس تجارة مع الولايات المتحدة منظمة بطريقة للالتفاف على التعريفات الجمركية.. والتجارة عبر جنوب شرق آسيا ليست سوى مثال على أنه من الصعب للغاية فصل دولة عن الاقتصاد العالمي المتكامل». السوق العقارية جزء من السبب في اعتماد الاقتصاد الصيني على الصادرات هو حملة الحكومة على العقارات، وهو القطاع الذي كان يمثل تاريخياً ما بين ربع وثلث الناتج المحلي الإجمالي. في أغسطس آب 2020، أطلقت بكين سياسة «الخطوط الحمراء الثلاثة»، بهدف تهدئة سوق الإسكان المحمومة.. وكان شي جين بينغ، رئيس الصين، قد قال منذ فترة طويلة إن المنازل مخصصة للسكن، وليس للمضاربة. وقد حدت اللوائح من حجم الديون والالتزامات التي يمكن لمطوري العقارات تحملها، ولكن في غياب سهولة الوصول إلى التمويل، وإلى جانب عمليات الإغلاق المرتبطة بكوفيد والتي حدت من أنشطة البناء، توقف مطورو العقارات عن بناء نحو 20 مليون شقة تم بيعها مسبقاً. واحتج مشترو المنازل بالآلاف ونظّموا مقاطعة الرهن العقاري، ما خلق تأثيرات متتالية في جميع أنحاء الاقتصاد. ومنذ ذلك الحين، خففت الحكومة بعض القيود في محاولة لوقف التدهور المستمر للقطاع. لكن صناع السياسات أوضحوا أنهم ينوون إعادة تركيز اقتصاد الصين على «قوى إنتاجية جديدة عالية الجودة» - أي القطاعات المبتكرة عالية التقنية - وليس على الطوب والأسمنت. يظل الاستثمار في العقارات منخفضاً بنسبة 25 في المئة عن ذروته في يونيو 2021. تأثير جائحة كوفيد في عام 2023، مع خروج الصين من نظامها القاسي الخالي من كوفيد-19، توقع العديد من المراقبين انتعاشاً اقتصادياً قوياً، ولكن التعافي المتوقع لم يتحقق قط. ويخشى الخبراء من أزمة ثقة المستهلك، إذ يمثل إنفاق الأسر في الصين أقل من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل بكثير من المتوسطات العالمية. ويبدو أن الجائحة قد زادت من شعور الناس بعدم اليقين بشأن المستقبل. فقد وجد استطلاع أجراه بنك الشعب الصيني عام 2024 أن 62 في المئة من الناس يريدون زيادة مدخراتهم بدلاً من الاستهلاك أو الاستثمار، ارتفاعاً من 44 في المئة في الفترة ذاتها في عام 2018. ووجد الاستطلاع نفسه أنه بحلول عام 2024، سيكون 10 في المئة من الناس يشعرون بالإيجابية بشأن وضع التوظيف في الصين، بانخفاض عن 16 في المئة في عام 2018. الاقتصاد الأخضر كان النمو السريع للتكنولوجيات الخضراء بمثابة نقطة مضيئة في الاقتصاد الصيني على مدى العقد الماضي.. وبفضل وفرة الموارد الطبيعية والدعم الحكومي القوي، ازدهرت صناعات الطاقة النظيفة مثل المركبات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والطاقة الشمسية في السنوات الأخيرة. في عام 2017، أنتجت الصين نحو 800 ألف سيارة كهربائية، وفقاً لرابطة مصنعي السيارات الصينية. وفي الأشهر الـ11 الأولى من العام الماضي، بلغ عدد السيارات الكهربائية المنتجة 11.4 مليون سيارة.
وخلص تحليل أجراه مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف إلى أن الاستثمار في الصناعات «الثلاث الجديدة» المتمثلة في الطاقة الشمسية والبطاريات والمركبات الكهربائية شكل 40 في المئة من توسع الناتج المحلي الإجمالي عام 2023، ومن المتوقع أن تكون الحصة مماثلة عام 2024.
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية