تسطّر رائدات الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي نجاحاتٍ وقصصاً ملهمة كل عام، وسجّلت المملكة العربية السعودية ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 112% في عدد الشركات المملوكة لنساء خلال العام الماضي، أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد سجّلت أكثر من 25 ألف سيدة أعمال إماراتية يُدِرن استثمارات يتجاوز حجمها 60 مليار دولار أميركي.
ولا يزال الطريق مفتوحاً أمام المزيد من الجهود لدعم وتعزيز ريادة الأعمال النسائية في الخليج، ويشكّل يوم المرأة العالمي فرصة تتيح لنا الاحتفاء بهذه النجاحات الريادية، واستكشاف السبل التي يمكن من خلالها تسريع هذا الزخم وفتح آفاق جديدة أمام الإبداع والابتكار في مشهد الشركات الناشئة بالمنطقة.
الاحتفاء بنجاح تمكين المرأة في ريادة الأعمال
تشهد منطقة الخليج نمواً متسارعاً في ريادة الأعمال النسائية، مدعوماً بسياسات حكومية مدروسة وتغيرات اجتماعية واقتصادية وثقافية أسهمت في مضاعفة الفرص المتاحة أمام المرأة للمشاركة بفعالية في قطاع الأعمال، وتشكّل أجندات رؤية 2030 لدول الخليج محوراً رئيسياً لهذا التحول، إذ تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز دور القطاع الخاص، بهدف إعادة رسم ملامح أنماط العمل التقليدية وتعزيز جاذبية ريادة الأعمال كخيار مهني واعد للنساء، وتأتي هذه الجهود في إطار استراتيجية شاملة تسعى إلى تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل، ما يسهم في تسريع عجلة النمو الاقتصادي وتعزيز الابتكار.
ويلعب التعليم دوراً جوهرياً في هذا التحول؛ إذ تمثّل النساء شريحة كبيرة من خريجي الجامعات في منطقة الخليج، وأسهم هذا التفوق الأكاديمي، إلى جانب الدعم الأسري وانتشار المنصات الرقمية، في تمكين المرأة لتصبح قوة مؤثرة ورائدة تسهم في إعادة تشكيل منظومة الأعمال.
ويتجلى تأثير هذا التحول الثقافي بوضوح من خلال الزيادة الملحوظة في عدد الشركات الناشئة التي تديرها النساء، ففي عام 2023 شكّلت الشركات التي أسستها النساء نحو 41% من إجمالي الشركات الناشئة في دول مجلس التعاون الخليجي، وتتمتع هذه المشاريع بحضور واسع في قطاعات رائدة، أبرزها التجارة الإلكترونية والصحة الرقمية والتكنولوجيا الطبية، ما يعكس الروح الابتكارية النابضة التي تتمتع بها رائدات الأعمال في المنطقة.
ردم الفجوة بين الجنسين في تمويل المشاريع
على الرغم من الإنجازات الباهرة التي تم تحقيقها، لا تزال الفجوة بين الجنسين قائمة، خصوصاً في مجال الحصول على تمويل المشاريع، وتولت كل من أولينكا كاوبيرتشيك، الأستاذة في الاستراتيجيات وريادة الأعمال؛ ودانا كانزي، الأستاذة المساعدة في السلوك التنظيمي في كلية لندن لإدارة الأعمال، مهمة إجراء دراسات بهدف الكشف عن هذه الفوارق، وأظهرت دراسة الأستاذة كاوبيرتشيك أن احتمال حصول الشركات الناشئة لنساء على تمويل خارجي أقل بنسبة 63%، مقارنة بنظيراتها من الشركات التي يديرها رجال، وتُعزى نسبة تبلغ 35% من هذه الفجوة إلى التحيز المؤسسي بين الجنسين من جانب المستثمرين، وبدورها تسلط أبحاث الأستاذة كانزي الضوء على اتساع هذه الفجوة في الصناعات التي يهيمن عليها الرجال، ما يبرز تحيز المستثمرين، الذين غالباً ما يرون أن رائدات الأعمال أكثر تأهيلاً للعمل في القطاعات التي لطالما اقتصرت على النساء، وأكدت النتائج التي خرجت بها دارسات خبراء القطاع أن هذه الفوارق لا تزال تمثل تحدياً يعوق تقدم النساء في مجال ريادة الأعمال.
لا تقتصر معالجة هذه القضية على جانب تطبيق العدالة فحسب، بل تندرج في إطار تبنّي استراتيجية اقتصادية ذكية؛ إذ يشير تقرير ريادة الأعمال النسائية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى الدور الذي يؤديه تحقيق المساواة في تعزيز ناتجها المحلي الإجمالي بمقدار 812 مليار دولار أميركي خلال السنوات الثلاث القادمة.
ويبقى السؤال المطروح: كيف يمكننا ردم هذه الفجوة بفعالية؟
أولاً، يجب توفير فرص متساوية للتمويل، بما في ذلك التمويل متناهي الصغر، لضمان حصول رائدات الأعمال على الدعم المناسب، ويتوجّب على منظومة الأعمال، لا سيما في القطاع الخاص، إرساء بيئة عمل تدعم تمكين المرأة وتحفزها على الريادة، ويعتبر هذا النهج أساسياً؛ إذ يسهم بشكل مباشر في بناء اقتصاد أكثر تنوعاً وابتكاراً، ويزيل الحواجز التي لطالما عرقلت نجاح النساء في عالم الأعمال.
وتبذل الحكومات بالمنطقة جهوداً حثيثة لمعالجة هذه الفجوة بالفعل، فعلى سبيل المثال، تتصدر دولة الإمارات العربية المتحدة مشهد تعزيز المساواة بين الجنسين في سوق العمل؛ إذ أسهمت منذ عام 2017 بأكثر من 50 مليون دولار في صندوق مبادرة تمويل رائدات الأعمال، ما أسهم في تقليص الفجوة بين الجنسين في القوى العاملة الإماراتية بنسبة 64%، وحلت دولة الإمارات في المرتبة الأولى على مؤشر المرأة والسلام والأمن، وفقاً لتقرير صادر عن معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن، والمرتبة 22 عالمياً في الشمول المالي والعدالة للمرأة، ما يؤكد التزام الدولة الراسخ والجهود الحثيثة التي تبذلها في مجال تحقيق المساواة.
علاوة على ذلك، يلعب الإرشاد والتوجيه دوراً مهماً في دعم الجيل القادم من رائدات الأعمال، ففي دولة الإمارات تدير أغلب رائدات الأعمال (77.6%) شركاتهن وهن دون سن الأربعين، ويمكن لرائدات الأعمال الشابات أن يستفدن بشكل كبير من مشورة وتوجيهات رائدات الأعمال المخضرمات ممن خضن التحديات وحققن النجاح، وتعتبر مبادرات مثل مجلس سيدات أعمال أبوظبي ومؤسسة دبي للمرأة منصات رئيسية توفر التوجيه المطلوب، وتعتبر منظومة حاضنة تتيح لرائدات الأعمال فرص التواصل والتعلم والنمو.
الخلاصة
تسطّر رائدات الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي فصلاً مهماً في قصة التحول الاقتصادي وتحقيق المساواة بين الجنسين، ومع اقتراب موعد احتفالنا بيوم المرأة العالمي، الذي يأتي هذا العام تحت شعار "إلهام الإدماج"، نجدد التزامنا بخلق منظومة عمل أكثر عدالة وشمولية، لا تقتصر الشمولية على فتح الأبواب أمام الجميع فحسب، بل تتطلب إرساء بيئة جديدة بهدف الارتقاء بدور المرأة لتحقق أقصى إمكاناتها،. ويتطلب إلهام الإدماج والشمولية منظومات عمل تهدف إلى احتضان إمكانات النساء وتسليط الضوء على مساهماتهن وتوفير الدعم الكفيل لتحقيق الازدهار.
وتوازياً مع الاحتفاء بإنجازات رائدات الأعمال، فلنعمل معاً على جعل رحلة وصولهن إلى النجاح هي القاعدة لا الاستثناء، علينا مواصلة العمل على إزالة الحواجز والتحديات والاحتفاء بالنجاحات، والاستثمار في مستقبل تزدهر فيه كل رائدة أعمال، بهدف ارتقاء مشهد ريادة الأعمال وتعزيز تنوعه، أسوة بتنوع نسيج المجتمع الذي ينتمي إليه، ويثمر ذلك في إلهام الإدماج والشمولية وتجسيد قيمها وتمهيد الطريق أمام جيل من النساء ترسم ابتكاراتهن وقيادتهن ملامح المستقبل.
تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية