ترسيم حدود سوريا وتركيا.. حجر قد يحرك مياها ويفتح أنابيب نفط وغاز

أن يخرج مسؤول تركي ويصرّح بشأن قضية ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط هو حالة مألوفة منذ سنوات وطالما ترددت على كل لسان في أنقرة. لكن هناك ما هو جديد ولافت الآن.

يتعلق هذا الجديد بسوريا، التي قد يعيد التغيير التاريخي فيها رسم خارطة الطاقة الإقليمية، بحسب خبراء ومحللين تحدثوا لموقع "الحرة".

ما إن لبثت البلاد من نفض الغبار الذي تركه عليها نظام الأسد قبل سقوطه حتى خرجت تصريحات رسمية من أنقرة. وجاءت هذه التصريحات من طرف وكأنه رمى حجرا في بركة مياه راكدة.

الطرف هو تركيا وأعلنت بعد سقوط الأسد على لسان وزير النقل فيها، عبد القادر أورال أوغلو أنها تعتزم بدء مفاوضات مع الإدارة الجديدة في سوريا من أجل ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط.

وذكر الوزير أن مثل هذه الصفقة ستسمح للبلدين بـ"تحديد مساحات نفوذهما" للتنقيب عن النفط والغاز"، وهو الأمر الذي يثير عدة تساؤلات جوهرية على صعيد قضية غاز شرق المتوسط.

هذه القضية (الترسيم وغاز شرق المتوسط) هي الأساس كما وضعها المسؤولون الأتراك وسلطت وسائل الإعلام المقربة من الحكومة الضوء عليها كثيرا أيضا، خلال الأيام الماضية.

ومع ذلك، يضاف إليها قضايا أخرى، وترتبط على وجه الخصوص بخطوط أنابيب الطاقة والتغيرات التي قد تطرأ على مساراتها، ومن هم الخاسرون والرابحون؟

ولم يصدر أي تعليق حتى الآن من الجانب السوري على صعيد القضية التي أثارتها أنقرة، وقالت إنها تعتزم بدء مفاوضات بشأنها.

ورغم أن استشراف مآلاتها ومستقبلها في المرحلة المقبلة قد يكون بعيدا بالنظر إلى طبيعة الحكم المؤقت الآن في سوريا، لا تنطبق هذه الحالة عند الوقوف على الأهداف التي تقف خلف العجلة التركية بشأن عملية الترسيم.

قضية ترسيم الحدود البحرية الذي دائما ما تطرحها أنقرة هو ملف معقد وشائك، وتدور منذ سنوات طويلة في حالة من الأخذ والرد.

علاوة على ذلك، تعد قضية غاز شرق المتوسط واحدة من أبرز القضايا الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة، حيث تتداخل فيها مصالح العديد من الدول المتنافسة على الموارد الطبيعية في هذه المنطقة الاستراتيجية.

وتتنازع عدة دول على حقوق الاستفادة من هذه الموارد، وهي تركيا، اليونان، قبرص، إسرائيل، لبنان ومصر، حيث تقوم كل دولة بالمطالبة بحقوق بحرية تمتد على مسافات شاسعة في المتوسط.

ويعود ما سبق جزئيا إلى عدم وضوح الحدود البحرية في بعض المناطق، والتي لم يتم الاتفاق عليها بين الدول المعنية، مما يعقد عملية استخراج الغاز، ويجعلها عرضة للتهديدات السياسية والاقتصادية.

"خطة اللاعب الرئيسي"

ومن الواضح أن تركيا ترغب في التفاوض بسرعة على اتفاق لترسيم الحدود مع الحكومة السورية الانتقالية، من أجل "تعزيز خطتها لتصبح اللاعب الرئيسي في غاز شرق المتوسط"، كما يعتقد خبير الطاقة والجغرافيا السياسية، توماس أدونيل.

ولديها هدف آخر بأن "تكون المحور الذي يخدم أوروبا، مما يحل محل روسيا".

كما أن تركيا بحاجة إلى الغاز للاستخدام المحلي، وفق أدونيل.

ولذلك يعمل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بحسب قوله "على الحصول على أكبر قدر ممكن من الغاز من شرق المتوسط وقطر، لتقليل اعتماد بلاده المفرط والخطر على الغاز الروسي".

الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، يوضح من جانبه أن تركيا كشفت عن نواياها الاستراتيجية في ما يتعلق بالعلاقة مع سوريا الجديدة.

ويقول لموقع "الحرة" إنها "تطمح أن تعيد العلاقة تشكيل موازين القوى على مستوى الصراع الجيوسياسي في شرق المتوسط".

لكن علوش يعتقد أن مثل هذه الاتجاهات الاستراتيجية بين تركيا وسوريا "لا يمكن أن نلحظها في المستقبل المنظور".

ويضيف من جانب آخر "نحن أمام وضع جديد في سوريا.. وهذا الوضع يشكل مناسبة لتشكيل علاقة تحالف استراتيجي بين تركيا وسوريا".

وسيكون لهذه العلاقة آثار كبيرة على إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية.

كما قد تعيد تشكيل توازن القوى في قضايا حيوية للبلدين ولتركيا على وجه الخصوص، لاسيما قضية الصراع الجيوسياسي في شرق المتوسط.

ورغم أن العديد من الدول الإقليمية والدولية تتعامل مع الإدارة السورية الجديدة، من الناحية القانونية، فإن هذه الإدارة لا تمتلك السلطة القانونية لتوقيع أي اتفاق يعيد ترسيم الحدود البرية أو البحرية.

ومع ذلك ترى الباحثة اليونانية في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتيس، أن "أنقرة تريد من إثارة قضية ترسيم الحدود البحرية الضغط على نيقوسيا وأثينا".

وهذا الضغط لا يمكن فصله عن الشعبية المحلية الكبيرة لما يُعرف بـ "الوطن الأزرق" في المجتمع التركي.

من ناحية أخرى، تعتقد كولوريوتيس في حديثها لموقع "الحرة" أن أنقرة قد تسعى في مرحلة لاحقة لفتح ملف ترسيم الحدود البحرية مع سوريا لتقليص الخلافات ووضع أساس للدولة السورية الجديدة.

كما قد تسعى إلى التوصل إلى اتفاق على مذكرة تفاهم مع الإدارة السورية الحالية أو مع الحكومة الانتقالية التي قد تتشكل لاحقا، في خطوة مشابهة لمذكرة التفاهم التي تم توقيعها في ديسمبر 2019 بين أنقرة والمجلس الرئاسي في طرابلس الليبية.

هل الترسيم سهل؟

عملية ترسيم الحدود البحرية، التي أعاقتها سابقا الخلافات حول وضع هاتاي (لواء إسكندرون) توقفت في عام 2011 بسبب تدهور العلاقات بين تركيا وسوريا.

وحتى الحدود الجانبية التي تفصل المياه الإقليمية التي يبلغ عرضها 12 ميلا لكلا البلدين لم يتم تحديدها لهذه الأسباب، وفقا للباحث التركي، يوجيل آجار.

ولا شك أن مثل هذه الاتفاقية من شأنها أن توفر مكاسب لتركيا، حيث تعترف سوريا رسميا بأن منطقة هاتاي تحت السيادة التركية.

في أوائل الثمانينيات، عقدت الدولتان مفاوضات لتحديد الحدود الجانبية للمياه الإقليمية، لكن المحادثات فشلت بسبب الخلافات حول هاتاي.

ويشير الباحث آجار إلى مكاسب أخرى تركز على الطاقة، في حال تمت اتفاقية ترسيم الحدود.

ويشرح فكرته بالقول "مع تحديد الحدود البحرية، ستوفر المعرفة والخبرة والبنية التحتية والتكنولوجيا التركية لسوريا ميزة، من حيث أنشطة استكشاف الطاقة".

ومن ناحية أخرى، يمكن القول إن الدور الإقليمي القوي لتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط يمكن أن يساعد سوريا أيضا في تعزيز علاقاتها مع الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى.

لكن ما سبق لن يكون بالأمر السهل وفق خبراء آخرين. لماذا؟

لأننا أمام ملف معقد ومتشابك يرتبط بعدد من الدول في البحر الأبيض المتوسط، كما تقول الباحثة كولوريوتيس.

بالإضافة إلى ذلك، هناك نزاع بين تركيا واليونان حول المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين وقضية قبرص، ونزاعات أخرى بين تركيا ومصر وبين اليونان ومصر.

أما بالنسبة لليبيا، ومع وجود حكومتين، واحدة ذات مرجعية برلمانية في الشرق والأخرى في طرابلس، فلكل حكومة تفسيرها الخاص للحدود البحرية، بحسب ذات الباحثة.

تبرز تعقيدات أخرى، على الصعيد القانوني بالتحديد.

وتوضح كولوريوتيس أن أي خطوة قانونية في هذا الاتجاه (ترسيم بين تركيا وسوريا) ستتطلب موافقة قبرص، سواء الجزء التركي أو اليوناني.

وتعتبر القضية المذكورة شائكة للغاية بالنظر إلى الخلافات حول مستقبل الجزيرة بين الجانب التركي الذي يطالب بالانفصال ونيقوسيا التي ترفض أي خطوة انفصالية وتدعم وحدة الجزيرة مقابل نوع من الفيدرالية للجزء الشمالي.

وفي المقابل يجب على تركيا وسوريا أيضا الانخراط في حوار مع لبنان، حيث يتطلب ترسيم الحدود السورية اللبنانية أيضا التنسيق.

وكان الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليديس أجرى زيارة عاجلة إلى بيروت في اليوم الثاني من تولي العماد جوزاف عون رئاسة لبنان، كخطوة استباقية.

وتضيف كولوريوتيس أن "الزيارة تسلط الضوء على وجود عدة ملفات تربط بين البلدين، بما في ذلك ملف ترسيم الحدود البحرية".

لم تنس كولوريوتيس أيضا الخلافات الكامنة بين تركيا ومصر بشأن الحدود البحرية أيضا.

وتؤكد "ملف ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا في ضوء التغيرات السياسية الجارية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، لن يتم حله في أي وقت قريب".

لماذا الآن؟

بعد عامين من اندلاع الثورة السورية كتبت ربا الحصري وهي خبيرة ومحللة في قضايا الطاقة في الشرق الأوسط مقالا تحليلا استهدف تلك الفترة ويكاد يواكبها الآن.

جاء في المقال على مركز أبحاث "كارنيغي" أن "سوريا قد لا تكون منتجا رئيسيا للنفط أو الغاز في الشرق الأوسط، ولكن نتائج الانتفاضة فيها قد تحدد شكل خريطة الطاقة الإقليمية في المستقبل".

المقال أوضح أن "الموقع الجغرافي للبلاد يوفر إمكانية الوصول إلى المتوسط للكيانات غير الساحلية التي تبحث عن أسواق لمنتجاتها الهيدروكربونية".

وأضاف أن الموقع يعطي أيضا فسحة أخرى للبلدان التي تسعى إلى الوصول إلى أوروبا دون الحاجة إلى المرور عبر تركيا.

نظام الأسد سقط بالفعل فجأة وقد لا تنحصر التبعات على الداخل بل على مستوى الإقليم. هذا ما أشار إليه أيضا "تشاتم هاوس"، في السابع عشر من ديسمبر 2024.

وأشار المركز إلى أن "ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا يعطي الأولى فرصة حاسمة".

فقد تكون الحكومة السورية الجديدة أكثر استعدادا للاعتراف بمطالبات تركيا بالمنطقة الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط، وهو ما من شأنه أن يعزز موقف أنقرة في النزاعات الجارية مع اليونان وقبرص.

وقد يشمل ذلك المطالبات.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من قناة الحرة

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من قناة الحرة

منذ 4 ساعات
منذ ساعتين
منذ 7 ساعات
منذ ساعتين
منذ 3 ساعات
منذ 6 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 16 ساعة
سكاي نيوز عربية منذ 14 ساعة
قناة العربية منذ 5 ساعات
قناة العربية منذ 13 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 10 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 11 ساعة
قناة العربية منذ 7 ساعات
قناة العربية منذ 7 ساعات