فى ظل التحولات الجذرية التى شهدتها الساحة السورية، وما تبعها من صعود سلطة الأمر الواقع بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولانى)، تغيرت ديناميكيات التوازن الإقليمى والدولى فى سوريا بشكل كبير، هذه التحولات لم تكن مجرد تغييرات داخلية، بل كانت لها تداعيات واسعة النطاق، لا سيما مع دخول الولايات المتحدة على الخط بزيادة وجودها العسكرى ونقل الأصول العسكرية من العراق إلى سوريا.
يشير هذا التحرك الأمريكى إلى إستراتيجية جديدة، تستهدف تعزيز السيطرة على المناطق الغنية بالموارد الطبيعية، وتحجيم النفوذ الروسى والإيراني، والاستعداد لتحولات جيوسياسية أكبر فى الشرق الأوسط. كما يعكس تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، حيث تسعى واشنطن لضمان مصالحها عبر تموضع عسكرى أكثر فاعلية فى سوريا. هذه القراءة الشاملة تسلط الضوء على المحاور الأساسية لهذه التطورات، مع تحليل الأهداف والمخاطر الكامنة فى هذا السياق.
إنَّ شمال شرق سوريا، حيث تتركز معظم القوات الأمريكية، يضم أهم حقول النفط والغاز فى البلاد، مثل حقول العمر والتنك والجبسة. هذه المناطق لا تمثل فقط مصدرًا اقتصاديًا كبيرًا، بل تُعد أيضًا ورقة ضغط جيوسياسية فى أى مفاوضات مستقبلية. زيادة القوات الأمريكية، تعكس إدراك واشنطن لأهمية تأمين هذه الموارد، ليس فقط لمنع أى جهة معادية من الاستفادة منها، لكن أيضًا لضمان استمرار دعمها لحلفائها المحليين، مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الذين يعتمدون على هذه الموارد كمصدر تمويل أساسي.
إضافةً إلى ذلك، تعزز الولايات المتحدة وجودها فى هذه المناطق كجزء من إستراتيجية أكبر تهدف إلى منع روسيا وقوى أخرى من توسيع نفوذها الاقتصادى فى سوريا. فالموارد الطبيعية تُعد وسيلة لتمويل العمليات العسكرية والسياسية، وتعطيل وصولها إليها يُسهم فى تقليص قدراتها على تحقيق أهدافها فى المنطقة. كما أن السيطرة على موارد الطاقة تتيح لواشنطن فرصة التحكم فى جزء كبير من الاقتصاد السوري، مما يجعل أى جهود لإعادة الإعمار أو الاستقرار أكثر تعقيدًا بالنسبة للأطراف المناوئة.
مع سقوط النظام السورى فى الثامن من ديسمبر، وصعود سلطة الأمر الواقع بقيادة أحمد الشرع (المعروف بأبى محمد الجولانى)، شهد النفوذ الإيرانى فى سوريا انهيارًا شبه كامل. التحولات الأخيرة دفعت إيران إلى خسارة مواقعها الإستراتيجية فى دمشق ومحيطها، والجنوب السوري، وحتى البادية السورية، التى كانت تعتبرها جزءًا حيويًا من مشروع الممر البرى الرابط بين طهران وبيروت.
سيطرة قوات أحرار الشام بقيادة الشرع، أعادت تشكيل المشهد السوري، حيث تم استبعاد القوات الموالية لإيران بشكل منهجى. التحالفات الجديدة التى أسستها سلطة الأمر الواقع مع أطراف إقليمية ودولية.
تُعد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شريكًا أساسيًا لواشنطن فى شمال شرق سوريا، حيث ساهمت بشكل مباشر فى القضاء على تنظيم داعش ككيان جغرافى، لكنها لا تزال تواجه تحديات معقدة فى ظل المتغيرات الجديدة. الدعم الأمريكى لقسد يتجاوز الجوانب العسكرية ليشمل الجوانب السياسية والاقتصادية أيضًا.
بعد سقوط النظام السورى السابق، ازدادت أهمية قسد كحليف وحيد موثوق للولايات المتحدة فى سوريا، خصوصًا مع تراجع نفوذ القوى التقليدية. من خلال دعم قسد، تسعى واشنطن إلى تحقيق عدة أهداف:
محاربة داعش: استمرار العمليات الأمنية والاستخباراتية ضد خلايا التنظيم النائمة.
ضمان الاستقرار المحلى: تعزيز قدرة قسد على إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها من خلال دعمها اقتصاديًا ولوجستيًا.
العمل على كبح التهديدات التركية المستمرة تجاه المناطق الكردية، مع الحفاظ على علاقة متوازنة مع أنقرة.
التوازن مع سلطة الأمر الواقع الجديدة: واشنطن ترى أن وجود قسد كقوة محلية قوية، يمكن أن يكون ورقة ضغط فى التعامل مع أحمد الشرع وسلطته الناشئة.
كما أن التحديات التى تواجهها قسد، تتطلب مزيدًا من التعزيز والتنسيق مع القوات الأمريكية لضمان استمرار توازن القوى فى الشمال الشرقي، ومنع أى فراغ أمنى قد تستغله قوى أخرى.
بعد سقوط النظام السورى، الذى كان الحليف الإستراتيجى الأبرز لموسكو فى المنطقة، وجدت روسيا نفسها أمام واقع جديد يفرض تحديات على نفوذها فى سوريا والوجود العسكرى الأمريكى المتزايد فى سوريا فى هذه المرحلة يحمل عدة رسائل لموسكو:
إعادة تشكيل التوازن الإقليمى: تسعى واشنطن لتعزيز مواقعها شرق الفرات كوسيلة للضغط على موسكو، التى خسرت شريكها الأساسى فى دمشق، هذا الوجود الأمريكى المكثف يُظهر لموسكو أن واشنطن ليست مستعدة لترك الساحة السورية مفتوحة أمام النفوذ الروسى.
تحجيم النفوذ الروسى: فى ظل التحولات الأخيرة، ترغب الولايات المتحدة فى منع روسيا من إعادة بناء نفوذها فى سوريا عبر التحالف مع سلطة الأمر الواقع الجديدة بقيادة أحمد الشرع.
إظهار قوة الردع: فى سياق التوترات العالمية، خاصة الحرب الأوكرانية، تريد واشنطن أن تؤكد أنها ما زالت قادرة على لعب دور أساسى فى الساحات التى تعتبرها موسكو مناطق نفوذ.
التأثير على ترتيبات ما بعد النظام: واشنطن تسعى من خلال وجودها إلى التأثير فى أى ترتيبات سياسية مستقبلية فى سوريا، بما يضمن مصالحها، ويحد من قدرة موسكو على إعادة تشكيل النظام الجديد لصالحها.
هذا الوضع يضع روسيا أمام خيار صعب: إما التكيف مع النفوذ الأمريكى المتزايد فى سوريا، أو المخاطرة بتصعيد جديد يمكن أن يزيد من تعقيد المشهد السورى، ويؤثر على مصالح موسكو الإقليمية.
وفى إطار المنافسة الجيوسياسية مع الصين وروسيا، تسعى واشنطن لتعزيز حضورها فى المناطق الحيوية مثل الشرق الأوسط. التحركات الأخيرة تأتى لضمان عدم ترك فراغ يُمكن أن تستغله موسكو وبكين لتعزيز نفوذهما فى المنطقة، خاصة فى ظل تعاونهما المتزايد مع إيران.
ويعكس نقل الأصول العسكرية من العراق إلى سوريا إستراتيجية أمريكية شاملة، تهدف إلى إعادة تموضع القوات لمواجهة التحديات الجديدة فى المنطقة.
أما فى العراق، فتواجه القوات الأمريكية تصاعدًا فى الهجمات التى تشنها القوات العسكرية الموالية لإيران، مما دفع واشنطن إلى إعادة تقييم وجودها هناك.
تقليص الخسائر: نقل الأصول إلى سوريا يُعد محاولة لتقليل الخسائر البشرية والمادية الناتجة عن الهجمات المتكررة.
تأمين خطوط الإمداد: بوجودها فى سوريا، تضمن الولايات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بوابة الأهرام