إقرار 3 قوانين جدلية يُشعل الشارع العراقي.. ما السبب؟

أعلن مجلس النوّاب العراقي، أمس التصويت على القوانين الجدلية الثلاثة، الأحوال الشخصية، والعفو العام، وإعادة العقارات إلى أصحابها، ليتم تمرير هذه القوانين بعد نحو 6 أشهر من الخلافات حولها، والسجلات بين الكتل السياسية بشأنها.وتصاعدت الخلافات بين النوّاب، على خلفية تمرير القوانين، حيث اعتبر بعضهم أن تمرير 3 قوانين في سلة برلمانية واحدة، وخلال جلسة واحد أمر مخالف للدستور، وأعلن بعضهم عبر وسائل الاعلام أنهم سيرفضون تمرير هذه القوانين، وسيتقدمون بشكوى ضد رئيس البرلمان العراقي محمد المشهداني.ولم ينته الأمر عند الاعتراض، فقد ذهب البعض إلى التصعيد، حيث أعلن النائب ياسر الحسيني أنه جمع 130 توقيعاً، لإقالة رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، بينما أعلنت النائبة نور نافع عبر منصة "إكس" أنها ترفض تمرير القوانين، خصوصا إقرار تعديل قانون الأحوال الشخصية بصيغته المطروحة.قانون الأحوال الشخصيةوسبق لمجلس النوّاب التصويت على مواد القوانين الثلاثة، خلال جلسته التي عقدها في 1 ديسمبر الماضي، لكنه أرجأ التصويت إلى حين حسم نقاط الخلاف، لكنه أمس صوّت على القوانين دون إضافة أي تعديلات جديدة، ترضي المعارضين، ما أثار حفيظة العديد من النوّاب.ومنذ إعلان اقتراح تعديل قانون الأحوال الشخصية، العام الماضي، تحاول الكتلة الشيعية وعلى رأسها قوى الإطار التنسيقي تمرير بعض التعديلات على القانون، التي وصفها نشطاء بأنها تظلم المرأة العراقية وتسلبها حقوقها، بينما أعلن العديد من النوّاب السنة رفضهم لهذه التعديلات.ولكن في الوقت ذاته، تطالب الكتلة السنية منذ أعوام، بتمرير قانون العفو العام، الذي من شأنه إعادة المحاكمات للكثير من السجناء وغالبيتهم من السنة، الذين صدرت بحقهم أحكام تعسفية بانتمائهم لتنظيم "داعش" خصوصاً خلال عمليات تحرير المدن العراقية من قبضة التنظيم في العام 2017.ويرى مراقبون، أن تمرير القوانين الثلاثة في سلة برلمانية واحدة وخلال جلسة واحدة، جاء نتيجة تفاهمات بين الكتل البرلمانية، حيث وافقت الكتلة السنيّة على تمرير تعديلات قانون الأحوال الشخصية، مقابل تمرير قانون العفو العام، وفي المقابل وافقت الكتلة الكردية على تمرير القوانين السابقة، مقابل تمرير قانون إعادة العقارات لإصحابها، ما سيعيد الكثير من الأراضي المسلوبة للمزارعين الكرد خصوصا في مدينة كركوك.متاجرة بحقوق المرأة والطفل

ويقول الأمين العام لحزب الوفاق الوطني الإعلامي إياد علاوي إنه في ظل الأزمات المتراكمة والتحديات الجسيمة التي تواجه الوطن، حيث تعصف البطالة بأمال الشباب، وتنتشر المخدرات لتفتك بنسيج المجتمع، نقف اليوم أمام قرارات تمرر بطريقة تثير الريبة، وتهدد مستقبل الأسرة العراقي ووحدة المجتمع العراقي.ويؤكد علاوي لمنصة "المشهد" أن تمرير قانون الأحوال الشخصية، في ظل غياب الشفافية والحوار المجتمعي الشامل والمصالحة الوطنية، يعد متجارة بحقوق الأسرة والمرأة والطفل، ويشكل تهديداً مباشراً لها.وعن طريقة طرح القوانين، يقول علاوي، إن طرح القوانين بطريقة السلة الواحدة، ليس فقط صفقة سياسية، بل هو خطوة نحو تفكيك ما تبقى من روابط مجتمعنا، ويعكس نهجاً سياسياً بائساً يقوم على المحاصصة والطائفية والتطرّف بدلاً من المدنيّة والحوار.وبشأن طريقة التصويت، يقول علاوي إن التصويت على هذه القوانين لم يتم بالأساليب المعتادة، مثل رفع الأيدي وحساب الأصوات أو التأكد من وجود أغلبية، وكأن الهدف كان تمرير القوانين بأي وسيلة، دون إتاحة المجال للنقاش أو الاعتراض، مما يثير الشكوك حول النوايا الحقيقية وراء هذه الخطوة، ويؤكد حجم التلاعب الذي تمارسه بعض الأطراف السياسية في مجلس النوّاب.أما قانون العفو العام، فيرى علاوي أنه على الرغم من وجود بعض الإيجابيات، مثل نصرة المظلومين وإنصافهم، إلا أن هناك أموراً جدلية تخص الفاسدين والسراق، حيث لا يمكن تبرير العفو عنهم في ظل ما ارتكبوه من جرائم بحق الوطن والشعب، إضافة إلى أن الكثير منهم طلقاء وينعمون بخيرات الشعب، فأين العدالة؟".الفقه الجعفري

ويقول مستشار ائتلاف دولة القانون عباس الموسوي لمنصة "المشهد" إن التعديلات المطروحة على قانون الأحوال الشخصية، موجودة في الكثير من دول العالم، أي يحق لكل طائفة من الطوائف الموجودة في البلاد سواء إسلام أو مسيحية، أن تتبنى الفقة الذي يناسبها لتنظيم أحوالها المدنية والشخصية.ويوضح الموسوي أن قانون الأحوال الشخصية القديم، يمثّل فقط الرأي السني، لذلك الإخوة السنّة لم يعترضوا عليه. أما تشريع القانون بصيغته الجديدة، لا يلغي القوانين السابقة، بل أصبحت القضية اختيارية، يحق لكل شخص أن يحدد الطريقة التي يتزوج بها ويورث أولاده.وضرب الموسوي مثالاً عن قانون الأحوال الشخصية في لبنان، يقول: نحن نعلم أن الكثير من القيادات اللبنانية ذهبت إلى المحكمة الجعفرية في لبنان للحفاظ على ميراث بناتهم، لذلك الموضوع ليس إجبارا على كل العراقيين، لا بل من حق أي طائة من الطوائف أن تختار المذهب الذي يناسبها، نرى أيضاً في كردستان العراق هنالك قانون خاص للأحوال المدنية.ويؤكد الموسوي أنه يمكن للإخوة السنّة أن يستمروا بالعمل على قانون الأحوال الشخصية القديم، أما القانون الجديد سيفيد الطائفة الشيعية، مضيفاً: القضية ليست فرضا على المجتمع العراقي، بل إتاحة الفرصة للطائفة الشيعية في العراق أن تمارس قانون الأحوال الشخصية الذي ينبع من الفقه الجعفري.صوت الشارع العراقي

وعلى الرغم من التطمينات السياسية، التي تؤكد أن القانون للجميع وليس فرضاً عليهم، إلا أن أصوات المجتمع المدني العراقي الرافضة لهذه التعديلات، التي نظّمت العديد من الوقفات الاحتجاجية في الساحات العامة، لمنع تمريره، لا تزال ترفض هذه التعديلات وتعتبرها تهديداً لدولة العراق المدنيّة.وعن ذلك تقول الباحثة والناشطة الانسانية رؤى الشمري، إنه في طيّات هذا القانون الكثير من الانتهكات الواضحة والصريحة، حيث يشرّع القانون الجديد زواج القاصرات، ويسمح بعقود الزواج خارج المحكمة، بالتالي هذه العقود لا يتم تثبيتها في أروقة المحاكم، ما سيؤدي لضياع حقوق النساء وأطفالهن.وتؤكد الشمري لمنصة "المشهد" أن القانون بصيغته الجديدة، يعزز الفجوة الموجودة بين النساء والرجال في العراق، ويسلب المرأة حقوقها، ويسمح بالانتهاك المقنن لحقوق المرأة العراقية وحتى البنات الصغيرات.وتضيف الشمري: "كما أن أسلوب مجلس النواب في تمرير القانون أثار حفيظتنا، حيث تم تجاهل أصوات الشارع، وتجاهل أصوات القوى المدنية في البلاد المعارضة للقانون، والاتجاه نحو تأسيس جمهورية إسلامية جديدة. ما حدث سيمهد الطريق لتمرير تشريعات أخرى تنتهك الحقوق، سواء أكانت حقوق النساء أم حقوق الإنسان بصورة عامة".فرحة المساجين

وبعد إقرار قانون العفو العام، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو من داخل السجون العراقية، تُظهر فرحة المساجين بإقرار قانون العفو العام، وذلك بعد أن أعلنت كتلة السيادة (أكبر تحالف سياسي سنّي في العراق برئاسة خميس الخنجر ويضم كتلة تقدم برئاسة محمد الحلبوسي)، إقرار القانون وبشّرت المساجين أن تمرير القانون تم في ظل تأييد غالبية القوى السياسية أن هنالك سجناء أبرياء، انتزعت منهم اعترافات بالإكراه وتحت التعذيب. ووعدت كتلة السيادة، أبناء العراق بشكل عام، أن تمرير القانون لن يكون نهاية المطاف، بل ستعمل كتلة السيادة على مراقبة تنفيذه في المؤسسات الحكومية المعنية، وستتشكل فرق نيابية لتتابع مع وزارتي العدل والداخلية حول آلية شمول المستحقين بموجب فقرات القانون.وفي السياق، كشف مصدر في اللجنة القانونية النيابية لمنصة "المشهد" أن الفئات المشمولة بقانون العفو العام، هي الجرائم المتعلقة بهدر المال وسرقته، أما الفئات غير المشمولة بالقانون هي الجرائم المتعلقة بالقتل والإرهاب وتجارة المخدرات وتجارة الأعضاء البشرية وسرقة الآثار والإتجار بها.فرحة كردية

وفور تشريع قانون إعادة الأراضي لأصحابها، أشاد الزعيم الكردي مسعود بارزاني بتمريره، وقال في بيان له: "بعد فترة طويلة من سقوط النظام السابق في العراق، قام مجلس النوّاب بخطوة مهمة، وهي التصويت على مشروع قانون إلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، المتعلق بإعادة الأراضي والممتلكات لأصحابها الأصليين". وتقدّم الزعيم الكردي بالشكر لرئاسة مجلس النوّاب العراقي، والكتل الكردستانية، وجميع الأطراف التي ساهمت في تمرير وإقرار هذا المشروع. وفي السياق ذاته، أكد النائب عن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني أردلان نور الدين لمنصة "المشهد" أن القانون سينصف المواطنين الكرد، وسيلغي قرار مجلس الثورة المنحل الذي صدر لغرض الاستيلاء على الأراضي الكردية في كركوك ومناطق أخرى، وسيعيد القانون الحقوق لأصحابها وسيكف الظلم عنهم.وشكّل مجلس الثورة الذي تم حله بعد سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2003، هيئة صنع القرار النهائي في تلك الفترة، وسيطر على السلطة التشريعية والتنفيذية في البلاد، لكن بعد سقوط النظام السابق، بدأ البرلمان العراقي على إلغاء العديد من القرارات والقوانين الصادرة عن مجلس الثورة المنحل، من بينها قانون إعادة الأراضي لأصحابها.زوبعة قانون العقارات

ولكن في الجانب الآخر، أدى تشريع القانون إلى زوبعة من التصريحات في مدينة كركوك (مناطق متنازع عليها)، حيث أعلن مسؤول هيئة الرأي العربية في كركوك ناظم الشمري، أن المكوّن العربي في كركوك تعرّض للخذلان من نوابه.وقال الشمري، في حديث لمنصة "المشهد" إن نوّاب المناطق المتنازع عليها خذلوا أهلهم من المكوّن العربي، كون قانون العقارات الذي صوّت عليه البرلمان سيهجّر 170 قرية، وهذه الأراضي تم التعاقد عليها منذ 70 عاما، وتعود ملكيتها للدولة.وأوضح الشمري، أن كان من الأفضل إعادة توزيع الأراضي على أهالي كركوك بغض النظر عن مكوناتهم، هذا الحل الأمثل والأعدل، لأن تطبيق القانون سيزيد الخلافات بين المكونات في كركوك، وسيؤدي لتهجير بعضهم، وسيفتح زوبعة من المشاكل في المنطقة.المكوّن التركماني

وفي المقابل، يقول الشيخ صاحب غولشة، رئيس عشيرة غولشة التركمانية لمنصة "المشهد" إن ما يقرب من 300 ألف دونم استملكها الرئيس السابق صدام حسين من أصحابها، من دون وجه حق، بل لأسباب عرقية وطائفية، وبعد 50 عاما لا بد أن تعود الحقوق لأصحابها الأصليين.ويؤكد غولشة، أن أصحاب الأرض الأصليين الذين سُلبت منهم أراضيهم، هم الكرد والتركمان وقسم من العرب، لأن صدام حسين في فترة الثمانينيات استملك جميع الأراضي الزراعية في كركوك وأعطاها للمستفيدين غالبيتهم من العرب.ويوضح غولشة، أن الأراضي التي ستعود لأصحابها الأصليين، الذين لم يتم تعوضيهم في زمن النظام السابق، أما الذين تم تعويضهم فلن تعود لهم الأراضي، مضيفاً أن المكونين الكردي والتركماني يشعران بالرضا عن القرار، لأن أكثر الأراضي المستملكة والمصادرة من قبل صدام كانت أراضي كردية وتركمانية تم إعطاؤها للعرب الوافدين من الأنبار إلى مدينة كركوك بهدف تعريب المدينة. وطرح غولشة مثالاً: "أحد أبناء المدينة كان يمتلك منزلاً، ثم جاء النظام السابق وسلبه منزله، بحجة أنه ضد النظام، ولم يعوّض له، الآن ستعود هذه الممتلكات لأصحابها، ستعود جميع الأراضي الزراعية لأصحابها".وختم حديثه بالقول: "ما سيحدث هو أن المتضررين من هذا القانون سيستفيدون أيضاً، أي أنه سيتم تعويض المزارعين المتضررين من القانون، الذين زرعوا الأرض لمدة 50 عاما، لن يتم تهجريهم بلا تعويض، حتى إن عاد هؤلاء إلى محافظاتهم ستقوم الدولة بتعويضهم بأراض أخرى في محافظاتهم الأصلية".(المشهد - العراق)۔


هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من قناة المشهد

منذ 5 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 12 دقيقة
منذ 5 ساعات
منذ 5 ساعات
بي بي سي عربي منذ 3 ساعات
قناة العربية منذ 9 ساعات
سكاي نيوز عربية منذ 15 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 10 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 4 ساعات
قناة العربية منذ 13 ساعة
قناة العربية منذ 5 ساعات
قناة العربية منذ 11 ساعة