«منّي عليكم يا هل العوجا سلام». يتكرر هذا المقطع من قصيدة سعودية واسعة الانتشار أشارت بعض المصادر التاريخية إلى أنها قيلت بعد معركة البكيرية التي خاضها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن قبل أكثر من قرن.
في عام 1436ه، وفي الشهر ذاته من تلك المعركة، تولى الملك سلمان مقاليد الحكم في السعودية، وما زال لتلك الأبيات وقعها وما زال السعوديون، يتداولون باستمرار تلك الصور والفيديوهات التي تظهر تأثر مليكهم بمعانيها وتاريخها، وجادل الكثير من المؤرّخين بأن الملك سلمان أحد المراجع التاريخية الأكثر رصانة في سرد تاريخ البلاد منذ تأسيسها قبل 3 قرون وحتى مرور 10 سنوات من حكمه لها.
ضمان المستقبل باختيار ولي عهد شاب بعد أيام من احتفاء السعوديين باليوم الوطني الـ94 لبلادهم، تحلّ اليوم ذكرى وطنية خاصة تتمثل بالذكرى العاشرة لتولّي الملك سلمان مقاليد الحكم في البلاد، في فترةٍ مفصلية بتاريخها، قاد خلالها مؤسسة الحكم السعودية للانتقال من جيل أبناء المؤسس إلى جيل أحفاده.
بدأت البلاد بذلك دورة حياة جديدة انطلقت معها نهضة اقتصادية واجتماعية ورافقها ثقل سياسي، وإعادة إحياء للمكتسبات ومكامن القوة التاريخية، وأصبح عنوان المرحلة «الابتكار والتمكين والنهضة الاقتصادية والاجتماعية» بعد أكثر من 55 عاماً قضاها الملك سلمان حاكماً للعاصمة الرياض، في مدة من أطول فترات الخدمة لحاكم محلي قبل أن يتولى ولاية العهد ووزارة الدفاع في 2012 ثم الحكم في العام 2015.
دبلوماسية فعّالة بـ160 زيارة و29 قمة نظراً للدورين الإقليمي والدولي اللذين أثبتت الرياض قدرتها على قيادتهما خلال حكم الملك سلمان، حيث ركّزت السعودية على التعاون متعدد الأطراف فأسّست مع عدد من الدول عدداً من التحالفات لأول مرة، مثل التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، ويضم في عضويته 42 دولة، بالإضافة إلى تحالف دعم الشرعية في اليمن، كما أصبحت السعودية وجهة لكثير من زعماء العالم للتنسيق والتشاور وتعزيز التعاون نظير الدور المتصاعد للبلاد على المسرحين الإقليمي والدولي.
وإلى جانب الزعماء وقادة الدول الذين استقبلهم الملك سلمان خلال القمم والمناسبات الكبرى التي استضافتها البلاد، أو على هامش الفعاليات الدولية الكبرى، فقد استقبل الملك سلمان منذ توليه الحكم ما يزيد على 160 زيارة من قادة الدول والحكومات، في رقم قياسي أظهر أهميّة السعودية وثقلها خلال المرحلة التي تولى فيها الحكم والسياسات التي تنتهجها البلاد تجاه المنطقة، كما احتضنت السعودية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، أكثر من 29 قمة تعدّدت ظروفها ما بين قمم اعتيادية ولقاءات تشاورية، وطارئة، توزّعت في أربع مدن ومحافظات (الرياض، جدة، مكة المكرمة، الظهران، العُلا).
كما أجرى الملك سلمان أكثر من جولة خارجية في زيارات رسمية أو تمثيل بلاده في مناسبات دولية أو إجازات خاصة، وشملت في البداية الولايات المتحدة ثم دول مجلس التعاون الخليجي، كما زار عدداً من الدول الآسيوية في جولة شملت ماليزيا، وإندونيسيا، وبروناي، واليابان، والصين، والمالديف، بالإضافة إلى الأردن، ومصر، وتركيا، وروسيا، والصين والمغرب.
وشهدت السياسة الخارجية السعودية حراكاً دبلوماسياً متصاعداً خلال السنوات الماضية من عهد الملك سلمان؛ إذ أخذت السعودية على عاتقها حماية أمنها القومي الذي كان يواجه تهديداً بالغ التعقيد آنذاك في ضوء التحركات الإيرانية التي أكّد عليها آنذاك رئيس الوزراء الإسرائيلي بالقول إن إيران تسيطر على أربع عواصم عربية، وبرّر مسؤول إيراني ذلك بأنه دليل تنامي نفوذ بلاده في المنطقة.
وأعلنت السعودية تأسيس تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية لمواجهة انقلاب الحوثيين على الحكومة اليمنية في مطلع عهد الملك سلمان، ونجحت في حماية حدود البلاد الجنوبية ودعم الشرعية اليمنية في مسعاها لمنع الحوثيين من السيطرة على كامل الأراضي اليمنية.
وفي يوليو (تموز) 2017، أعلن الديوان الملكي السعودي أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أجرى خلال الأيام الماضية الاتصالات اللازمة بالكثير من زعماء العالم، بمن فيهم الرئيس الأميركي (آنذاك) دونالد ترمب، لبذل مساعيهم لعدم إغلاق المسجد الأقصى في وجه المسلمين، وعدم منعهم من أداء فرائضهم وصلواتهم فيه، وتكلّلت هذه الجهود بالنجاح وأعلنت الشرطة الإسرائيلية حينها إزالة كل الإجراءات الأمنية التي استحدثتها في الحرم القدسي، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» باسم الآغا، سفير فلسطين في الرياض، أن «تواصل وتحركات الملك سلمان بن عبد العزيز وتضحيات أبناء الشعب الفلسطيني ودعم مخلصي الأمة، أفشل المخطط الصهيوني، وهو ما سيقود لانتصارات قادمة»، على حد تعبيره.
وفي سبتمبر (أيلول) 2018، رعى الملك سلمان اتفاق إنهاء الصراع بين إثيوبيا وإريتريا وتوقيع مصالحة بينهما في قمة ثلاثية بمحافظة جدة، غرب السعودية، بعد نزاع دموي استمر لأكثر من عقدين.
وخليجيّاً، أجرى الملك سلمان جولة خليجية شملت الإمارات، وقطر، والبحرين والكويت، في ديسمبر (كانون الأول) 2016، لقيت الترحيب والإشادة وانعكست على العلاقات الخليجية الخليجية وفقاً لمراقبين فيما بعد، أحرزت رؤية خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، لتعزيز وتفعيل العمل الخليجي المشترك، التي أقرّها المجلس الأعلى في دورته الـ36 عام 2015، تقدّماً في تنفيذها وفقاً لبيان القمة الخليجية الماضية.
وأعاد «بيان العُلا» الخليجي في مطلع عام 2021، العمل الخليجي المشترك إلى مساره الطبيعي، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، مؤكداً على وحدة الصف والتماسك بين دول المجلس والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، لتعود بذلك العلاقات الكاملة بين السعودية ومصر والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى بعد قطعها في يونيو (حزيران) 2017.
«لا مكان للتطرف والانحلال» ومع الصعود الذي بدأت تشهده البلاد على أكثر من صعيد بعد أشهر من تولي الملك سلمان الحكم، وضع الملك النقاط على الحروف وأكّد في كلمة تاريخية أمام مجلس الشورى عام 2017 أنه «لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحلٍّ يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال»، ووضعت هذه الكلمة التاريخية الأنظمة والتشريعات في السعودية على أبواب التطوير لتتوافق مع ما ينتظر البلاد من مستقبل اقتصادي تعيشه اليوم، وانفتاح على العالم ومختلف الثقافات.
تعزيز الهويّة الوطنية وسعت السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى تعزيز الهوية الوطنية بزخم غير مسبوق، في ضوء برامج تعزيز الثقافة والتراث وتمكين «وزارة الثقافة»، فضلاً عن البرامج والمشروعات الاقتصادية ذات البعد الذي يعزّز الهوية التاريخية، على غرار منطقتي العُلا شمال البلاد، والدرعية العاصمة الأولى للدولة السعودية، وأصبحت الهوية السعودية في أفضل أحوالها اليوم وفقاً لمراقبين محلّيين ودوليّين للشأن السعودي.
ويظهر ذلك المسعى في معرض إجابة ولي العهد عن سؤال حول مشروع «الصحوة» الذي كان سائداً: «استطعنا خلال سنة واحدة أن نقضي على مشروع آيديولوجي صُنع على مدى 40 عاماً، وسنعود بالسعودية إلى الإسلام المعتدل». وأضاف في تصريحٍ آخر، أن «الهويّة السعودية قويّة وتزداد قوة وتطوراً بالانفتاح، وإن أصحاب الهوية الضعيفة هم من يقلقهم الانفتاح على العالم».
تقوية مركز الدولة وصدر عدد من التشريعات في سبيل تعزيز مركز الدولة الذي بات وفقاً لمتابعين في حالةٍ أقوى بوضوح معالم رؤية البلاد عند إطلاق «رؤية 2030» آنذاك، لتتكامل فيها جهود هياكل الدولة، واستدل على ذلك ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال مقابلة تلفزيونية في أواخر أبريل (نيسان) من عام 2021، قائلاً: «بسبب ضعف مركز الدولة، وعدم وجود سياسة عامة، لم تتمكّن وزارة الإسكان من أن تحول مبلغ 250 مليار ريال رُصدت لها في 2011 و2015 إلى مشروعات على الأرض». واستطرد: «لا يستطيع وزير الإسكان النجاح دون أن تكون هناك سياسة عامة للدولة بالتنسيق مع البلديات، والبنك المركزي، والمالية، وسن التشريعات والقطاع الخاص إلى آخره، فمثلاً الـ250 ملياراً أُعيدت للخزينة وصرفت ميزانية سنوية؛ لكن كانت نتائج ذلك ارتفاع نسبة الإسكان من 47 في المائة إلى 60 في المائة في 4 أعوام فقط، وهذا يشير إلى أين نحن متجهون».
كما توجهت السعودية خلال السنوات العشر الماضية من حكم الملك سلمان إلى إطلاق عشرات البرامج والاستراتيجيات الوطنية، لإعادة هيكلة وتنظيم القطاعات الحيوية في البلاد، والقطاعات الجديدة والمستحدثة، بما ينعكس على أداء تلك المنظومات، على غرار «الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجيستية، واستراتيجية قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، والاستراتيجية الوطنية للاستثمار، والاستراتيجية الوطنية للسياحة»، فضلاً عن استراتيجيات المناطق وتأسيس هيئات التطوير التي من شأنها استحداث الفرص الاستثمارية والتنموية، وتعزيز الجهود لدعم اقتصاد المدن، بالإضافة إلى إنشاء وزارات جديدة تُعنى بتعزيز إمكانات البلاد في قطاعات غير معزّزة في السابق مثل «وزارة الصناعة» علاوةً على تنظيم وترتيب مهام الكثير من الوزارات الأخرى.
تحقيق 87 % من أهداف «رؤية 2030» وبجانب التغيّرات التي طرأت على كل ما يرتبط بالبلاد داخليّاً وخارجيّاً، اتّسم الاقتصاد السعودي مع تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، بمستهدفات جريئة مثل (تنويع مصادر الدخل، وترشيد الاعتماد على النفط، وتحسين جودة الحياة) بما ينعكس على كل الجوانب الإنسانية، في ضوء المشروع التنموي للإصلاح الاقتصادي والانفتاح الاجتماعي «رؤية السعودية 2030» التي وافق عليها مجلس الوزراء برئاسة الملك سلمان في أبريل (نيسان) عام 2016، وأوشكت على أن تكمل 87 في المائة من أهدافها بعد 8 سنوات من إطلاقها، وفقاً لوزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، رغماً عن الطوارئ الاقتصادية والسياسية التي عصفت بالعالم في أكثر من مكان، وأهمها جائحة «كوفيد - 19».
عقد من الزمن يُضاعف حجم الناتج المحلي وفي برهان على نجاح الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة السعودية خلال السنوات الـ10 الماضية من حكم الملك سلمان، قفز الناتج المحلي الإجمالي وفقاً للهيئة العامة للإحصاء من 2.4 تريليون ريال (654 مليار دولار) في العام الأول لحكم الملك سلمان إلى نحو 4 تريليونات ريال سعودي (أكثر من تريليون دولار) في العام الماضي 2023، بينما زاد حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى أكثر من 17.6 مليار دولار في 2022، وهو الأعلى منذ عقد؛ ما يكشف ثقة المستثمرين العالميين في الاقتصاد السعودي.
ولتدعيم التوجّه نحو تنويع مصادر الدخل الوطني، عمل «صندوق الاستثمارات العامة»، على تنفيذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين، بتأسيس منظومات وقطاعات جديدة باسم «المشروعات الكبرى»،.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الشرق الأوسط - رياضة