التعلم مدى الحياة.. القوة الخارقة لعصر التكنولوجيا المتسارعة

في عالم تتغير فيه المعارف والمهارات بوتيرة غير مسبوقة، يظهر التعلم مدى الحياة كضرورة، وليس رفاهية، إنه المفتاح للنجاح والبقاء في المقدمة وسط زخم التحولات المتلاحقة التي تفرضها التكنولوجيا، مَن لا يحدث مهاراته بشكل دوري، يجد نفسه متراجعاً في سباق التقدم، وربما متأخراً بأشواط خلال أشهر قليلة.

لقد بدأت الرسالة الإسلامية العظيمة بكلمة واحدة: اقرأ، كلمة بسيطة في مظهرها، لكنها دعوة عميقة لرحلة لا تنتهي من اكتساب المعرفة وإعادة اكتشاف الذات، اليوم، ومع تسارع وتيرة الثورة الرقمية، لا تزال هذه الكلمة تحمل بين طياتها رسالة خالدة؛ التعلم المستمر هو السبيل لفهم العالم، التكيف مع تغيراته، والازدهار فيه.

التكنولوجيا لم تعد مجرد أدوات، بل أصبحت قوة هائلة تعيد تشكيل ملامح الاقتصاد والمجتمع، تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والبلوك تشين تقتحم جميع القطاعات، من الطب إلى التعليم، لتغير جذرياً طبيعة العمل، تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول مستقبل الوظائف يشير إلى أن نصف العاملين حول العالم سيحتاجون إلى إعادة تأهيل مهاراتهم بحلول عام 2026، بينما يتوقع اختفاء 85 مليون وظيفة، مقابل ظهور 97 مليون وظيفة جديدة تتطلب مهارات مختلفة تماماً.

لنأخذ مثالاً عملياً؛ منذ عقد من الزمن، لم تكن مهن مثل "مهندس الذكاء الاصطناعي" أو "محلل البيانات السلوكية" موجودة، اليوم أصبحت هذه الوظائف أساسية، ويتزايد الطلب عليها يوماً بعد يوم، المهارات التقليدية لم تعد كافية، فالعالم يتحرك نحو تخصصات دقيقة ومتطورة تحتاج إلى تعلم مستمر وإعادة تشكيل مستمرة للقدرات.

في هذا السياق، تصبح القدرة على التعلم بسرعة مهارة لا غنى عنه، فالتكيف مع المتغيرات لم يعد خياراً بل ضرورة، وكما قال الكاتب ألبين توفلر "الأميّون في القرن الحادي والعشرين لن يكونوا أولئك الذين لا يقرؤون أو يكتبون، بل أولئك الذين لا يستطيعون التعلم، نسيان ما تعلموه، وإعادة التعلم".

تخيل نفسك في عالم تتحول فيه المهارات إلى عملة، مَن يستطع اكتساب معارف جديدة بسرعة فسيحظى بالمكانة والفرص، بينما سيجد الآخرون أنفسهم عالقين في الماضي.

في عصرنا، لم يعد التعلم معقداً أو بعيد المنال، منصات مثل "كورسيرا" و"إدكس" توفر دورات متقدمة في كل شيء، من تحليل البيانات إلى الإدارة، ويمكنك البدء بها وأنت جالس في منزلك.

لكن التعليم في العصر الرقمي لم يعد تقليدياً، بل أصبح متنوعاً ومرناً، التعلم المصغر -على سبيل المثال- يقدم محتوى تعليمياً مكثفاً ومباشراً يناسب إيقاع الحياة السريع، تعلم أساسيات البرمجة مثلًا، يمكن أن يتم عبر وحدات قصيرة تستغرق دقائق قليلة يومياً.

التعلم الشخصي أيضاً أحدث ثورة، حيث تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي مسارات تعليمية مخصصة لكل فرد وفقاً لاحتياجاته وأهدافه، هذا لا يقتصر على الكبار فقط؛ حتى الأطفال أصبحوا يتعلمون بطرق مخصصة تنمي مهاراتهم الفردية.

التعلم مدى الحياة ليس مجرد وسيلة للبقاء، بل هو مفتاح للتفوق في عالم الغد، وفقاً لتقرير "LinkedIn"، المهارات الأكثر طلباً تشمل التفكير النقدي، الذكاء العاطفي، الإبداع، وحل المشكلات، هذه المهارات تعززها المعرفة التقنية مثل البرمجة وتحليل البيانات، لكنها تعتمد أيضاً على القدرة على التكيف والانفتاح على التعلم المستمر.

لبناء مستقبل مزدهر، نحتاج إلى غرس ثقافة التعلم المستمر في مدارسنا ومؤسساتنا، الحكومات والشركات تتحمل مسؤولية تقديم فرص تدريبية مرنة ومتطورة تواكب التحديات.

أما الأفراد، فيجب أن يغيروا طريقة تفكيرهم تجاه التعليم، التعلم ليس مهمة مؤقتة تنتهي بالحصول على شهادة، بل هو رحلة تستمر مدى الحيا، علينا أن ننظر إلى الفشل كجزء من عملية التعلم، وأن نحتفي بالإنجازات مهما كانت صغيرة، لأنها خطوات على طريق طويل.

المستقبل ملك لمَن يتعلمون بسرعة التفكير، يتكيفون مع التغيرات، ولا يتوقفون عن السعي نحو الأفضل، إنها القوة الخارقة التي يمكننا جميعاً امتلاكها إذا ما قررنا أن نكون جزءًا من هذا العصر المتسارع، بدلًا من أن نكون عالقين في الماضي.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ ساعتين
منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ 3 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 3 ساعات
صحيفة الاقتصادية منذ 5 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 12 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 19 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 9 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 34 دقيقة
قناة CNBC عربية منذ 4 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 18 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 16 ساعة