غسان عبد الخالق: المكان والزمان والإنسان هم من يصنعون الحياة معًا

حاورته: خلود الواكدهو الذي صعّب عليَّ أمر الحوار! فأن تحاور رجلاً مثقفاً واسع الاطلاع، كمن يذهب في سفر بعيد عبر بحر عظيم بقارب صغير. وأمام هذا المعلّم أجد نفسي تلميذة لا تبرح أول السطر، لتتعلم حروف الهجاء. هو الذي بدأ سيرته بعض ما نسيته قائلاً: «ما أسهل أن تروي حكايات الآخرين وما أصعب أن تروي حكايتك!»، وقد جدت نفسي اقرأ الحكاية بتأثر شديد، لأن ما حملته من ظروف ومراحل بدتْ لي صعبة، لكنّ صاحبها صنع من الصعب إنجازاً ما زلنا نقرأه بفخر، وقدم لنا سيرةً خاليةً من الهزائم والرثاء. كانتْ العقبات تمنحُ بطلها دافعاً للانتصار في معاركه، أما لغته الرصينة الرشيقة فقد كُتبتْ بروح مشرقة وبأسلوب مشوّق، يدفعك دائماً للتفكّر والتدبّر لأن المعنى العميق سهم لا يخطئ الهدف. إنه الأديب والناقد والمفكّر والأكاديمي الأردني الأستاذ الدكتور غسان عبد الخالق، الذي بدأ منهجه في النقد العربي واقعيًّا نقديًّا ثمَّ استقر ناقدًا ثقافيًّا، وتمثَّل منهجه الآخر في الفكر العربي بالعقلانية النقدية؛ فهو يصنَّف من مفكِّري التيار الحداثي في الوطن العربي، وقد صدر له كثير من المؤلّفات في حقول الفكر والسرد والنقد. الصامتون هم من يثيرون فينا ضجيج الأسئلة، وسؤالي الأول هو: الأماكن والأزمنة، وحرصك الدائم على الاحتفاظ بها في جعبة ذاكرتك وحديثك. من ترقوميا في فلسطين إلى حي الغُويرية في الزرقاء، إلى الحي الذي تقطنه الآن في إحدى مناطق عمان الغربية. هذه الأمكنة والأزمنة المرافقة لها، كيف أثّرتْ على الدكتور غسان عبدالخالق؟- المكان والزمان والإنسان هم من يصنعون الحياة معًا، وهم من يكتبون الذاكرة معًا. ولأن المكان –عندي- شخص حي ويتنفّس، ولأن الزمان –عندي- مارد جبّار، فإنني لم أكف عن التفاعل معهما منذ أن وعيت العالم. سنوات الطفولة المبكّرة جدًا في فلسطين وما شهدته من ألعاب ومغامرات، ما زالت تتسلل إلى أحلامي، إلى درجة أنني أتمنى مثلاً أن أعود إلى ترقوميا بحثًا عمّا خبّأته من ألعاب في مغارة جدي! ولكن طفولتي الواعية في الغويرية بالزرقاء، هي العشّ الحقيقي بتعبير غاستون باشلار، لأنها تُؤكل وتُشرب وتُشمّ، ولأنها حافلة بالأحداث الدراماتيكية، مثل إقدامي على مغادرة البيت واجتياز الزقاق الطويل وصولاً إلى الشارع العام؛ حتى أرى واسمع الناس الذين كان ضجيجهم البعيد يصل مسامعي. ومثل عودة والدي مغبّرًا من وحدته العسكرية وهو يرتدي ملابسه الكاكية ويمتشق بندقيته بعد معركة الكرامة. وبغض النظر عما أعقب ذلك من قفزات باتجاه إربد ثم باتجاه عمّان، فإنني ما زلت أراني شاباً في السابعة عشرة من عمري، وقد رتّبت رفوف مكتبي، وأنهيت واجباتي المدرسية، وسوّيت سريري، لأتمدّد فوقه بسعادة غامرة، قبل أن أستغرق في التفكير أو في قراءة كتاب مثير. لماذا بدأت الجزء الأول من سيرتك الذاتية بعض ما أذكره، بتخوفك من كتابة السيرة أو بتخوفك الشديد من مواجهة طفولتك والكتابة عنها؟- كل كتاب أشرع فيه يسبقه ويرافقه ويتلوه خوف شديد، ولكن الإقدام على كتابة السيرة بوجه عام، ما زال محفوفًا بكثير من المحذورات الموضوعية والذاتية في الوطن العربي؛ فالمجتمع العربي مجتمع جوّاني ولا يتفّهم البوح الشفّاف، وخاصة إذا تعلّق هذا البوح بالسياسة أو الدين أو الجنس. كما أن السيرة الذاتية ما زالت قرينة البطولات والإنجازات الخارقة في الثقافة العربية، وليست قرينة التجارب الإنسانية المؤثّرة. وهي عمومًا –عند العرب وغيرهم- أشبه بالتعرّي في الشارع العام. وإذا نظرتِ بعين الاعتبار إلى حقيقة أنني أستاذ جامعي مولع بتدريس السيرة الذاتية لطلابي من منظور موضوعي ونقدي صارم، صار بمقدورك أن تتخيلي تخوفي الشديد من الوقوع في الأخطاء التي طالما استفضت في إبرازها لطلاّبي، كلّما توقّفت معهم عند هذه السيرة أو تلك، وصار بمقدورك أيضًا أن تضيفي إلى كل المخاوف السابقة الخوف الأكبر؛ الخوف من مواجهة الطفولة، بقلقها وتوترها وآلامها وانكساراتها وبردها وجوعها وحزنها، وكل ما يجتهد ملايين الأطفال في الوطن العربي والعالم، لدفنه في أعمق أعماق عقلهم الباطن، حتى يتمكّنوا من مواصلة حيواتهم، وحتى يبتسموا ويرتدوا ملابسهم ويواصلوا مشوار الدراسة والعمل، وحتى يعشقوا ويتزوجوا وينجبوا أطفالاً أكثر سعادة، وحتى يتمكنوا من النوم بعمق، دون كوابيس وأحلام مفزعة. في كثير من اللقاءات والحوارات تحدثتَ عن واقعيتك المتوحشة! كيف يجب على المثقف في هذه الأيام أن يفهم هذه الواقعية ويرتكز عليها في قراءَته لما يدور حوله؟ وهل عليه أن.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الدستور الأردنية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الدستور الأردنية

منذ 7 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ ساعة
منذ 5 ساعات
خبرني منذ 8 ساعات
خبرني منذ 4 ساعات
خبرني منذ 8 ساعات
خبرني منذ 9 ساعات
خبرني منذ 22 ساعة
قناة المملكة منذ 8 ساعات
خبرني منذ 9 ساعات
خبرني منذ 6 ساعات