ريتشارد نيفيو (إندبندنت عربية) 8/1/20258
على الولايات المتحدة الاستعداد للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني ما بين محاولة التفاوض مجددا أو التصعيد العسكري. ويتعين على أميركا أن تكون مستعدة لاستهداف المواقع النووية إذا فشلت الدبلوماسية، مع تقييم عواقب العمل العسكري على المنطقة والعالم.
* * *
على مدى عقدين من الزمن، دعا الصقور في واشنطن الولايات المتحدة إلى مهاجمة البرنامج النووي الإيراني. وعلى مدى عقدين من الزمن، قوبلت دعواتهم بالرفض، لأنه خلال معظم ذلك الوقت، كانت الحجة ضد العمل العسكري مقنعة وبسيطة. لقد كانت قدرات إيران النووية غير ناضجة. وكان المجتمع الدولي متحدا حول ضرورة أن تثبت طهران سلمية نواياها النووية بالكامل، بالتالي كان متحدا بصورة معقولة في فرض عقوبات على البلاد عندما اتضح أنها لم تكُن كذلك. وفرضت هذه العقوبات كلفا باهظة دفعت الجمهورية الإسلامية إلى الدخول في مفاوضات.
ما زالت هناك أسباب وجيهة عدة لعدم قصف إيران. فتوجيه ضربة لها سيبث مزيدا من الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وسيستنزف موارد أميركية كبيرة في وقت تريد واشنطن التركيز على مناطق أخرى. وقد يقوض مصداقية الولايات المتحدة إذا لم تنجح الهجمات. كما أن احتمالات الفشل كبيرة، فحتى الضربات الأكثر دقة قد لا تؤدي سوى إلى تأخير تحول إيران إلى قوة نووية. ويبقى الحل الأفضل والأكثر ديمومة للقضية هو التوصل إلى اتفاق دبلوماسي.
ولكن اليوم، الحجة ضد العمل العسكري ليست بهذه القناعة. فالبرنامج النووي الإيراني لم يعُد وليدا، بل في الواقع، أصبح لدى إيران كل ما تحتاج إليه لصنع سلاح نووي. وفي الوقت نفسه، فإن طهران أكثر ضعفا وأمس حاجة إلى رادع جديد مما كانت عليه قبل بضع سنوات: فشبكة شركائها في حال يرثى لها، وقد ضربت إسرائيل أهدافا داخل حدود إيران مرات عدة في العام 2024. كما أن المجتمع الدولي منقسم الآن في شأن الضغط على النظام الإيراني من عدمه. وما تزال هناك عقوبات قاسية على إيران، لكن الصين والهند وروسيا، من بين دول أخرى، تخرقها باستمرار. قد يكون استئناف التنفيذ الكامل للعقوبات ممكنا، لكن ذلك سيتطلب تعاون الصين خصوصا في وقت تواجه بكين عداء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن. وبالمثل، فإن علاقة روسيا مع إيران أقوى مما كانت عليه منذ عقود، تعززها العلاقات الدفاعية المتبادلة. وحوافز طهران لتغدو قوة نووية أكثر اليوم من أي وقت مضى، ومن المرجح أن تكون الكلف المتوقعة لهذا التحول قد تضاءلت.
وبالنظر إلى أخطار العمل العسكري، يجب على الولايات المتحدة أن تقوم بمحاولة أخيرة وبحسن نية للتفاوض على وقف برنامج طهران النووي في وقت مبكر من فترة إدارة ترامب. ولكن ما لم تكُن مستعدة للعيش في العالم أسهمت الأسلحة النووية الإيرانية في نشأته، فقد لا يكون أمامها خيار سوى مهاجمة إيران -وقريبا. وتقتضي الحكمة أن تخطط واشنطن لعمل عسكري الآن وأن تحرص على أن تفهم إيران أن هذا التهديد حقيقي، حتى وهي تحاول اتباع المسار الدبلوماسي مرة أخرى.
مساوئ الدخول في الصراع
هناك عدد من الأسباب الداعية إلى إعطاء الدبلوماسية فرصة أخيرة. أولا وقبل كل شيء، لا يعرف المسؤولون الأميركيون ما إذا كان الهجوم العسكري سينجح أو لا. وقد تمتلك الولايات المتحدة وشركاؤها الوسائل اللازمة لتدمير جميع المنشآت النووية الإيرانية الرئيسة. ولكن هذا لا يضمن القضاء على جميع المواد النووية في البلاد، أو في الواقع جميع معداتها النووية التي يمكن أن يكون بعضها مخبّأ في مخازن مدفونة في أعماق الأرض. وقد تقوم طهران، إما تحسباً أو كردّ سريع على الضربات الأميركية، بتحويل بعض من اليورانيوم عالي التخصيب إلى مواقع سرية، مما يحافظ على ما يكفي من المواد التي تمتلكها البلاد لإنتاج قنابل متعددة بسرعة.
وإذا ما تعرضت إيران لهجوم من جانب قوة نووية معلنة -وهو تصنيف ينطبق على الولايات المتحدة- فإن طهران ستكون محفزة من جديد لتطوير قوة ردع خاصة بها، وقد ترى أن لديها شرعية دولية أكبر للقيام بذلك. ومع وجود اليورانيوم المخصب في يدها، فإنها ستمتلك بالفعل المكون الرئيس. فالعناصر الأساسية لصنع القنبلة معروفة لدى إيران، وبالتالي ستكون في وضع يسمح لها بالتجميع السريع. ولهذا السبب ركز الاتفاق النووي للعام 2015، أو "خطة العمل الشاملة المشتركة"، على منع حيازة المواد النووية بدلا من التركيز على معدات أو صواريخ التسليح.
وفي الواقع، يعني تطوير إيران لخبراتها النووية على مدى عقود من الزمن أن بإمكانها إنتاج سلاح نووي حتى لو أدت الضربات العسكرية إلى جعل جميع معداتها وموادها الموجودة غير صالحة للاستخدام. سوف تستغرق استعادة برنامجها النووي بعض الوقت، لكن الهجوم الذي قد يدمر نطنز ومواقع أخرى لن يكون نهاية المشكلة أكثر من مقتل الفيزيائي الإيراني محسن فخري زاده في العام 2020، أو الهجوم على موقع إنتاج أجهزة الطرد المركزي الإيراني في العام 2021. ولم يؤد تفجير مفاعل تموز (أوزيراك) في العراق، في العام 1981، إلى إنهاء برنامجه النووي، بل إن برنامج الأسلحة النووية العراقي تكثف خلال السنوات التالية. ربما كان قصف مفاعل الكبر في سورية، في العام 2007، أكثر نجاحاً، لكن غرق البلاد في حرب أهلية يجعل من الصعب تقييم الآثار طويلة الأجل للضربة على عملية صنع القرار النووي.
ولسحق تطلعات إيران النووية بصورة نهائية، قد تضطر الولايات المتحدة إلى مهاجمة إيران على نحو دائم أو تنفيذ هجوم أكبر بكثير -هجوم يقضي على عناصر من قوات الأمن أو النظام في البلاد. وستكون كلتا المهمتين أطول بكثير وأكثر مشقة من حملة محدودة، ومن الحماقة افتراض أن واشنطن لديها الالتزام المطلوب لإتمام أي منهما. وهذا يعني أن توجيه ضربات إلى إيران سيثير مشكلات في المصداقية بالنسبة إلى القادة الأميركيين، لا سيما إذا تخلت واشنطن في نهاية المطاف عن هجماتها وأنتجت طهران سلاحاً.
وعلاوة على ذلك، بمجرد بدء الضربات، من الصعب تخيل أنه سيكون هناك تحول سريع إلى الدبلوماسية، ما لم يحدث تغيير في الحكومة الإيرانية. فتغيير النظام في حد ذاته ليس ضمانة لتحقيق نتيجة أفضل، سواء في ما يتعلق بالبرنامج النووي أو الأنشطة العدوانية الأخرى للنظام. وحتى لو انهارت الجمهورية الإسلامية، فقد يحل محلها نظام أكثر شراسة. وقد تنزلق إيران إلى الفوضى. وقليلون هم الذين قد يتحسرون على نهاية الحكومة الحالية في البلاد، بخاصة أولئك الذين تعرضوا للقمع على أيديها طوال 40 عاماً. إلا أن هناك سببا يجعل الإيرانيين قلقين أيضا من أخطار عدم استقرار النظام، وهم قلقون منذ أن شهدوا الربيع العربي.
بغض النظر عن النتيجة، فإن الهجمات على إيران من شأنها أن تستنزف موارد الولايات المتحدة. هناك تقارير مقلقة بالفعل عن نقص في الذخيرة واعتراضات الدفاع الصاروخي الأميركية.
وستأتي الكلف الإضافية في وقت غير مناسب لواشنطن، الوضع الدولي اليوم معقد، فروسيا تواصل شن حرب على أوكرانيا، وهناك خطر أن تغزو الصين تايوان، والشرق الأوسط بأكمله تقريباً غير مستقر، ومن شأن شن حملة عسكرية جديدة ضد إيران أن يُثقل كاهل الولايات المتحدة، بصورة خاصة إذا كانت أوروبا والجنوب العالمي وشركاء واشنطن العرب ضد العمل العسكري الأميركي، أو في أفضل الأحوال متشككين في هذا العمل العسكري -وهو ما قد يكون موقفهم جميعاً.
إبرام صفقة
إن الكلف الباهظة لمهاجمة إيران تعني أن على الولايات المتحدة أن تحاول مرة أخرى اللجوء إلى الدبلوماسية. وهناك أسباب تدعو إلى التفاؤل بأنه على الرغم من الوضع المتقلب، يمكن للبلدين التوصل إلى اتفاق. ففي نهاية المطاف، للدبلوماسية سجل حافل بالنجاح عندما يتعلق الأمر بإبطاء التطلعات النووية الإيرانية. وقد أدت المبادرات الأوروبية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى تعليق الأنشطة النووية الإيرانية على المدى القصير، وعندما فشلت هذه المبادرات على المدى الطويل، أُجبرت روسيا والصين على دعم عقوبات الأمم المتحدة. وفي العام 2013، أوقفت خطة العمل المشتركة التقدم النووي الإيراني للسماح بسنتين من المفاوضات التي أسفرت عن "خطة العمل الشاملة المشتركة". وقد جمدت هذه الصفقة الأخيرة أجزاء كبيرة من البرنامج النووي الإيراني مع إخضاعه لمراقبة دولية أكثر صرامة.
وقد فشلت كل واحدة من هذه المبادرات في نهاية المطاف. ولكن، على الرغم من أن إيران كانت مسؤولة عن إنهاء اتفاقات التعليق التي جرى التفاوض بشأنها مع الأوروبيين، فإن طهران التزمت بتطبيق بنود "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وهي حقيقة اعترفت بها حتى إدارة ترامب الأولى في تقاريرها الإلزامية إلى الكونغرس بشأن الاتفاق. وقد انهارت "خطة العمل الشاملة المشتركة" لأن الرئيس المنتخب دونالد ترامب انسحب منها في ولايته الأولى. لكن ترامب الآن في وضع جيد يسمح له بهندسة بديل لها تحديداً لأنه أنهى الاتفاق الأخير. وقد انهارت المحادثات الرامية إلى إعادة الولايات المتحدة وإيران للامتثال الكامل والمتبادل لـ"خطة العمل الشاملة المشتركة" للعامين 2021 و2022 لأن الإيرانيين لم يثقوا بالتزام الولايات المتحدة بالاتفاق بعد انتقال السلطة، ولأن الولايات المتحدة رفضت النظر في مقاربات دبلوماسية أخرى. ومع ذلك، إذا وافق ترامب نفسه على اتفاق جديد، فقد تعتقد إيران بأن الاتفاق سيصمد. كان معظم.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الغد الأردنية