عندما نشر كبير المحللين الاقتصاديين لدى "بلومبرغ إيكونوميكس"، توم أورليك، كتابه "الصين: الفقاعة التي لا تنفجر" (China: The Bubble That Never Pops) في 2020، كان الاقتصاد الصيني يواجه مخاطر على عدة جبهات. فبعد المعجزة الاقتصادية التي تحققت خلال العقود السابقة، بدا السقوط في دوامة الانكماش متوقعاً. وفي هذه المقالة من قسم "نكست تشابتر"، يُعيد أورليك تقييم نظريته ويشرح لماذا لم تنفجر الفقاعة الصينية بعد.
في 2001، نشر غوردون تشانغ كتاباً يستحق أن ينافس على لقب أكثر الكتب خطأً في التوقعات بشأن الصين، "انهيار الصين القادم" (The Coming Collapse of China). ففي الكتاب، أشار تشانغ -المحامي الأميركي- إلى أن المزيج الذي يجمع بين النظام السياسي الاستبدادي، وترهل الشركات الصناعية المملوكة للحكومة، واحتدام المنافسة العالمية، نتيجة انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية (WTO)، سيوجه ضربة قاصمة إلى الاقتصاد.
وتساءل تشانغ: "هل يمكن لبعض المحللين الاقتصاديين من جامعة بكين تفسير أسباب عجز الميزان التجاري وتوضيح مفهوم الميزة النسبية إلى الحشود الغاضبة في أثناء زحفها إلى مقر قادة الحزب الشيوعي في تشونغنانهاي؟".
تحديات أمام معجزة الصين الاقتصادية
بالطبع ما حدث كان عكس ذلك تماماً، فمنذ 2001، نما حجم اقتصاد الصين من 1.3 تريليون دولار إلى 18.3 تريليون دولار، ليتفوق في البداية على فرنسا، فالمملكة المتحدة، ثم ألمانيا، وأخيراً اليابان، ويصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم. شهدت الصادرات ارتفاعاً كبيراً، وتزايد النفوذ الجيوسياسي، وليست بكين من تواجه الحشود الغاضبة التي تطالب بتفسير أسباب خسارة الوظائف بسبب التجارة، بل واشنطن.
:
وإمعاناً في براعتي في ترك الأمور رهينة للقدر، اخترت لكتابي عنوان "الصين: الفقاعة التي لا تنفجر". ومنذ نشره في 2020، تباطأ نمو اقتصاد الصين، وانقلب حال سوق العقارات من الازدهار إلى الكساد، وأضرت الحملة على رواد الأعمال بثقة السوق، وأعاقت قيود التصدير التي فرضتها الولايات المتحدة القدرة على الوصول إلى التقنيات بالغة الأهمية، وخسر كل من راهن على تفوق أداء الصين الاقتصادي الكثير من المال.
كل هذه العوامل تطرح هذا السؤال: هل تفوقت على تشانغ واحتل هو المركز الثاني في المنافسة على الجائزة التي لا يرغب أحد فيها لأكثر الكتب خطأً في التوقعات بشأن الصين؟ ربما لا يكون هذا مفاجئاً، لكنني سأشير إلى أن الإجابة على هذا السؤال هي "لا"، وذلك لسببين.
السبب الأول، ومع المخاطرة بأن أبدو كمن يتباهى بعلمه، أن انفجار الفقاعة يكون صدمة مفاجئة شديدة لا يمكن التحكم فيها، تذكَّر أزمة القروض العقارية عالية المخاطر في الولايات المتحدة في 2008، أو الأزمة المالية الآسيوية في 1997، أو انفجار الفقاعة العقارية في اليابان في 1992. كانت تلك فترات -وإن كان بدرجات متفاوتة ونتيجة مجموعات مختلفة من العوامل- فقد فيها صناع السياسات السيطرة، وانهارت الأسواق المالية، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي، وارتفع فيها معدل البطالة.
تدخل حكومي لتقليص فقاعة العقارات
لنركز على العقارات، فبعد أن كانت أكبر قاطرة لنمو الاقتصاد الصيني، أصبحت حالياً العبء الأثقل على كاهله. صحيح بالطبع أن صناع السياسات في الصين سمحوا بتجاوز العرض للطلب بفارق كبير، وأن علاج هذا الاختلال عملية محفوفة بالصعوبات. أفلست كبرى شركات التطوير العقاري، وتكبد المستثمرون خسائر فادحة، وشهدت الأسر تدهور قيمة أهم أصل تملكه.
:
في الوقت نفسه، صحيح أيضاً أن التدهور البطيء لقطاع العقارات في الصين يمكن التعامل معه واحتواؤه، رغم الصعوبات التي ينطوي عليها ذلك. لفهم السبب، لننظر إلى الاختلاف عن أزمة القروض العقارية عالية المخاطر في الولايات المتحدة؛ تجاهل صناع السياسات الأميركيون الديون المفرطة في قطاع العقارات إلى أن فات الأوان، وعندما بدأ مالكو المنازل في التخلف عن سداد قروضهم، كانت النتيجة أزمة مالية لم تدفع الولايات المتحدة إلى حالة ركود وحدها، بل والعالم كله معها.
في الصين، تصرف صناع السياسات قبل اندلاع الأزمة، واستخدموا مجموعة من الأدوات للسيطرة على وتيرة التدهور. وتمكنت البنوك الممولة جيداً من تحمل عبء تزايد الديون السيئة، وبينما تأثر النمو بالطبع، لم يدخل الاقتصاد في حالة ركود، وكانت التداعيات على بقية دول العالم محدودة.
بصيغة أخرى، الفقاعة في الولايات المتحدة انفجرت، أما في الصين، فالفقاعة تتقلص بوتيرة أسرع مما توقعت، لكنه ما يزال تقلصاً مداراً.
تتمثل الأنباء الأكثر إيجابية في أن المعاناة في الأجل القصير تحمل في طياتها وعوداً بالمكاسب في المدى الطويل. فالاستمرار في اقتراض مبالغ هائلة لبناء عدد متزايد من الشقق الخالية لم يكن قط استراتيجية نمو يمكن أن تستمر لفترة طويلة. فعبر تقليل أرباح المضاربة على العقارات -أو جعلها غير مربحة بالفعل- يقود صناع السياسات في الصين العمال والمستثمرين إلى الابتعاد عن بناء المدن الخاوية، ويوجهونهم إلى العمل في مجالات أكثر إنتاجية.
حملة على شركات التكنولوجيا
أما السبب الثاني؛ فتوضحه آلية تحمل الضرر حالياً لتأمين النمو في المستقبل، إذ إن النمو الاقتصادي في الصين ما يزال على المسار المحدد. لننظر إلى مبادرتين رئيسيتين قامت بهما بكين منذ 2020: الإجراءات الصارمة في حق شركات التكنولوجيا العملاقة،.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg