في تمام الساعة 6:46 مساءً خلال يوم أحد صافٍ ونقي في شمال غربي لندن، رفع برونو غيمارايش كأساً معدنية صغيرة فوق رأسه، وفي تلك اللحظة توقفت عقارب الساعة بالنسبة لنيوكاسل يونايتد.
لم يعد نيوكاسل ذاك النادي الذي لم يفز بأي لقب محلي منذ 70 عاماً، ولم يعد نادي المركز الثاني، ولم يعد ذاك النادي صاحب الفشل الذريع، وبدلاً من ذلك أصبح أخيراً شيئاً آخر.
ووسط احتفالات صاخبة، رفع اللاعبون الكأس الغالية عالياً، تاركين وجع الألم والانتظار الطويل، والآن تغيرت هويتهم بالكامل. من هم الآن؟ هؤلاء هم المحاربون الذين اندفعوا إلى الأمام، وصمدوا أمام ليفربول، وقد سطروا فصلاً جديداً من فصول التاريخ.
كيف يكون الشعور عند الفوز بشيء؟ سؤالٌ لطالما حيّر الجميع، خاصة عندما بدا الجواب مستحيلاً. اتضح أن الإجابة هي هذا المشهد: دان بيرن يقفز فرحاً، وآلان شيرر يرقص مع ابنه ويل، وإيدي هاو يندفع من مقاعد البدلاء بقبضتين مشدودتين، وألكسندر إيساك يسجل الهدف الثاني، ثم ينفجر كل شيء في فرحة عارمة.
وفي مختلف أنحاء الملعب، تظهر قصص صغيرة من التوسل والتضرع: امرأة تمسك صورة لأبيها وتدلكها من أجل جلب الحظ السعيد، ورجل يقضي الشوط الثاني بأكمله يُشبك يديه كأنه في صلاة، ورسالة من صديق تقول: «معدل ضربات قلبي مرتفع جداً»، وأخرى تقول: «الجميع حولي يبكون... أنا أفقد الوعي». وفي الدقائق الأخيرة، بدا الأمر وكأنه عذاب، وهو شعور مشابه جداً للخسارة.
بعد لحظات، قال شيرر، الهدّاف التاريخي لنيوكاسل: «لقد ذرفت الليلة دموعاً أكثر من أي وقت مضى». بعد كل هذا الوقت، من كان يظن أن الفوز سيكون مؤلماً إلى هذا الحد؟
ومع ذلك، لم تكن هذه خسارة. لم تكن خسارة على الإطلاق، رغم صعوبة وصفها، ببساطة لأن كل شيء كان غير مألوف.
قال بيرن للصحافيين بعد المباراة: «أشعر بالخدر. أريد حقاً أن أشعر بشيء، لكن الأمر صعب. إنه شعور سريالي للغاية». يوم الجمعة، تم استدعاء اللاعب البالغ من العمر 32 عاماً إلى تشكيلة المنتخب الإنجليزي لأول مرة. وقال: «لقد مررت بأسابيع أسوأ من ذلك». وأضاف: «لا أريد النوم، لأنني أشعر وكأنني في حلم، وأخشى أن يكون كل هذا مجرد كذبة».
لأول مرة منذ نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي عام 1955، ظهر نيوكاسل في ويمبلي. هذه هي القاعدة التي يُبنى عليها كل شيء. لقد كان لديه لاعبون جيدون وفرق جيدة في الماضي، لكن سوء حظه كان دائماً في مواجهة فرق عظيمة، لكن ما لم يكن لديه من قبلُ هو هذا التناغم المثالي بين أرض الملعب والمدرجات، تلك القوة الطبيعية التي لطالما اهتز بها ملعب سانت جيمس بارك عندما يتحول التشجيع إلى ضجيج هائل.
في 16 مارس (آذار) 2025، هزّ نيوكاسل ملعب ويمبلي وأحدث ضجيجاً، واهتزت أركان الملعب.
بعد الانتهاء من الاحتفال، وبعد أن أصبح القسم الأحمر من الملعب مهجوراً، لم يستطع نيوكاسل المغادرة فوراً. التقط اللاعبون والطاقم صوراً تذكارية أمام جماهيرهم، وحرص كل فرد من العاملين، من مسؤولي المعدات إلى فريق الإعلام والمصورين، على التقاط صورة مع الكأس، في لمسة شمولية لطيفة. ثم تم سحب إيدي هاو مرة أخرى نحو الجماهير.
تم تسليمه الكأس، فتردد بين الإمساك بها ورفعها، رفعها مرتين، وضرب الهواء بيديه، ثم دفعه غيمارايش مجدداً لرفعها مرة أخرى. لأول مرة، تساءل المرء كيف تمكن هذا الرجل الهادئ، الجاد، والمنعزل، رجل بورنموث والذي أصبح الآن رجل تاينسايد، من إيقاظ هذه الشراسة ثم توجيهها بهذه الدقة.
لا يظهر هاو مشاعره علناً. أو بالأحرى، خلال زخم المباريات، يعزل نفسه ويركز فقط على ما يمكنه التأثير عليه. علناً، هو مهذب، وحسن الخلق، ومحترم، ولكن هذا الجانب من شخصيته يخفي المصاعب التي واجهها لاعباً ومدرباً شاباً، بدءاً من إبلاغه أنه سيتم الاستغناء عنه وهو طفل، إلى الإصابات التي أجبرته على الاعتزال مبكراً، إلى عدم تلقيه راتبه، إلى خصم النقاط وحظر الانتقالات.
وتحدث عن «الارتياح» بعد النجاة من تلك الدقائق الطويلة من الوقت الإضافي، عندما سجل فيديريكو كييزا هدفاً، وأعادت الشكوك القديمة للظهور. قال بصوت مبحوح وعيون دامعة: «ثم تبدأ بشكل طبيعي في التفكير في اللاعبين والطاقم، ولكن أيضاً الأشخاص الذين لم يكونوا معنا، مثل والدتي». توفيت آن هاو في عام 2012.
في التحضيرات للمباراة، كان التركيز على تقليل أهمية المناسبة. في نهائي كأس كاراباو 2023 فاز نيوكاسل بالجماهير وملأ شوارع لندن، لكنه لم يكن لديه ما يكفي ليقدمه أمام مانشستر يونايتد، حيث استنزف اللاعبون طاقتهم العاطفية قبل المباراة، حيث انتهت المباراة بخسارتهم 2 - 0.
«لقد قلت ذلك من قبل؛ لقد كانت لحظة عاطفية للغاية في المرة الماضية»، هكذا قال بيرن، وأضاف: «لكن هذه المرة، شعرت بأنها مجرد مباراة عادية، وكأنها عمل معتاد». لكن لا تخطئ في الفهم، لم يكن هذا انسحاباً من العاطفة؛ فقد كان نيوكاسل مشتعلاً بنيران العاطفة، لكنه كان متجمداً أيضاً، إذ وُجهت مشاعره بالكامل نحو ليفربول. وهذه هي طبيعة الأمور في سانت جيمس.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الشرق الأوسط - رياضة