إعداد: تالا أيوب / تصوير: محمد الحياني
توجهنا إلى الأغوار الجنوبية، بحثا عن قصة إنسانية، نعاينها ونتلمس حاجتها، لكننا فوجئنا عند دخولنا لباحة الجمعية الوطنية للتأهيل المجتمعي، من حجم ما شاهدنا من القصص، التي تخرج من رحم معاناة المرض، لتسير في طريق الأمل ورحلة الشفاء..
ما وجدناه تجاوز حدود الحكايات، فقد رأينا الأمل يتجسد في خطوات واثقة رغم الألم، وسمعنا صوت الإرادة يتحدث بصمت العيون قبل نطق الكلمات.
في مدخل الجمعية، مشهد لا يُنسى، آباء يحملون أطفالهم، أمهات يمسكن بأيدي صغارهن بحنان، رجال ونساء تحدوا العمر والمرض، وشباب وشابات يطاردون حلم العودة إلى حياتهم الطبيعية، كل منهم يحمل قصة تستحق أن تُروى.
استفسر الفريق عن سبب توافدهم إلى الجمعية، فجاء الرد واحدا: «نلجأ إلى وحدة العلاج الطبيعي، حيث تقدم لنا جلسات مجانية داخل المركز في أيام محددة من الأسبوع، وفي أيام أخرى تأتي فرق العلاج إلى بيوتنا».
استمعنا لهم وواكبنا سير عملية العلاج، سواء كانوا مرضى، معالجين، متطوعين، أو مسؤولين، جميعهم يعملون بجد؛ إما لينالوا العلاج أو ليقدموه بأقصى طاقة ممكنة للمجتمع المحلي.
رسالة أمل رغم التحديات
يقول رئيس الجمعية الوطنية للتأهيل المجتمعي في الأغوار الجنوبية، فتحي الهويمل: «تأسست الجمعية في عام 2005، وهي ملتزمة بتقديم الخدمات للأشخاص ذوي الإعاقة في اللواء والمجتمع المحلي بشكل عام».
ويضيف: «من أبرز خدماتنا العلاج الطبيعي، الذي نقدمه من خلال وحدة متخصصة، بالإضافة إلى الزيارات المنزلية، حيث يستفيد 86 شخصا من هذه الخدمة مرتين أسبوعيا، إلى جانب ثلاث زيارات منزلية أسبوعيا».
ويكمل: «نواجه تحديا كبيرا يتمثل في نقص المعالجين، إذ لدينا معالج واحد فقط يغطي جميع مناطق اللواء، الممتد من غور حديثة شمالا إلى الغويبة جنوبا، رغم أن عدد الحالات المحتاجة للعلاج الطبيعي كبير جدا».
ويكشف الهويمل أن مسحا شاملا أجرته الجمعية عام 2022، أظهر وجود 1450 حالة إعاقة في اللواء، 30% منها حركية، إلى جانب حالات الجلطات الدماغية والقلبية التي تسبب إعاقات حركية.
من جانبها، تبين مشرفة برنامج التأهيل المجتمعي وأمينة الصندوق في الجمعية، سهاد الخليفات: «نقدم خدماتنا بجهود فريق يضم 30 متطوعة، بالإضافة إلى طاقم مختص في العلاج الطبيعي والتربية الخاصة».
تحديات ونقص معدات
وتشير إلى أن الجمعية تستقبل شهريا ما بين 200 إلى 300 مراجع، إلا أن هناك العديد من التحديات، مثل صعوبة وصول المرضى إلى الجمعية لعدم توفر وسائل نقل مناسبة، ونقص بعض المعدات الطبية الضرورية للعلاج.
كما تؤكد على حاجة المتطوعات إلى دعم مالي ومعنوي، إذ يتحملن تكاليف المواصلات بأنفسهن، رغم ظروف المنطقة الصعبة، سواء في الصيف الحار أو الشتاء القارس.
حالة سالم الجعارات
وفي إحدى ليالي تشرين الثاني الباردة عام 2023، لم يكن يدري سالم الجعارات أن يوما عاديا من العمل سينتهي بجلطة دماغية ستقلب حياته رأسا على عقب.
كان سالم الذي اعتاد قيادة حافلته يوميا، عاجزا عن السير داخل منزله، وبعد 14 يوما في المستشفى، بدأ رحلة علاج طويلة استمرت أكثر من سنة وثلاثة أشهر، بدأ العلاج وهو مقعد على كرسي متحرك، لكن بإصراره، بدأ يستعيد قدرته على المشي تدريجيا.
كان يزور الجمعية مرتين أسبوعيا رغم صعوبة الوصول، إذ كان يدفع ستة دنانير أسبوعيا للمواصلات، مبلغ قد يبدو بسيطا للبعض لكنه كان عبئا على رجل فقد مصدر دخله.
يقول سالم: «لو توفرت وسيلة نقل خاصة للجمعية، لكانت رحلتي للعلاج أسهل، وكثير من المرضى سيمكنهم الحضور بانتظام دون القلق بشأن تكاليف المواصلات، فضلا عن نقص بعض الأجهزة العلاجية الضرورية مثل جهاز الدراجة الهوائية الرياضي».
الوضع المعيشي لسالم وعائلته ليس سهلاً، فهو أب لسبعة أطفال، يعتمد على دعم تكميلي لا يتجاوز 100 دينار، مبلغ بالكاد يكفي لتغطية احتياجات العائلة الأساسية.
مع مرور الأشهر، بدأ سالم يشعر بتحسن، لم يعد بحاجة لمن يحمله، لم يعد يعتمد على الآخرين في أبسط احتياجاته، يقول وعيناه تلمعان بالأمل: «كل يوم بشوف حالي أحسن من الأول، مشيتي تتحسن، في البداية ما كنت أستطيع الوقوف على قدمي، واليوم أمشي لوحدي».
يكمل سالم بابتسامة أمل: «أتمنى أن أتحسن وأرجع كما كنت، وأن أعمل وأمارس حياتي الطبيعية».
المعالج «أبو رامي»
صلاح الخليفات «أبو رامي»، هو المعالج الطبيعي الذي رافق سالم في رحلته العلاجية، يتذكر بدايته قائلا: «عندما جاء سالم لأول مرة، كانت حالته صعبة جدا، لكن مع الالتزام بالعلاج، تحسن بشكل ملحوظ».
ورغم الجهود التي يبذلها أبو رامي، إلا أنه يواجه تحديات، أبرزها نقص بعض الأجهزة الطبية، ما يجبره على ابتكار حلول بديلة باستخدام الوسائد والمساند، كما أن بعض المرضى لا يستطيعون تحمل تكاليف التنقل، ما يجعلهم يكتفون بجلسة علاج واحدة أسبوعيا، رغم حاجتهم لأكثر من ذلك، ما يؤثر سلبا على مسار علاجهم.
يروي أبو رامي قصة تركت أثرا عميقا في قلبه، قصة طفلة صغيرة تعاني من شلل دماغي، قال الأطباء إنها لن تمشي أبدا، لكن بعد جلسات مكثفة من العلاج الطبيعي، تمكنت من الوقوف ثم المشي، وسط دموع والدتها التي لم تصدق ما حدث.
لا يزال أبو رامي يعمل وحيدا، بمساعدة بعض المتطوعات، كما يأمل في أن تتوسع وحدة العلاج الطبيعي في الجمعية، وأن تُزود بالأجهزة الحديثة اللازمة لمساعدة المرضى على تحقيق تقدم أكبر.
مصابة أصبحت متطوعة
لم تكن ياسمين الغنيمات مجرد متطوعة، بل كانت يوما ما واحدة ممن احتاجوا إلى العلاج الطبيعي، إذ في عام 2012، تعرضت لحادث غيّر مجرى حياتها، وأدى إلى معاناتها من صعوبة في الحركة لمدة ثلاثة أشهر، ما منحها فهما عميقا للألم والمعاناة التي يمر بها الكثيرون.
بين جلسات العلاج الطبيعي، لم يكن التحدي فقط في استعادة ياسمين قوتها، بل في تقبل واقع جديد والتغلب عليه، لكنها لم تستسلم، مع كل تمرين، كانت.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الرأي الأردنية