يشهد مجال الرعاية الصحية تحولًا نوعيًا، حيث يغدو الطب أكثر قدرة على التنبؤ، وأكثر تخصيصًا ودقة، بقيادة "الطب الدقيق".
ويعتمد "الطب الدقيق" على فك شفرة الجينات للتنبؤ بالاحتياجات الصحية لكل فرد، والوقاية من الأمراض، وتطوير علاجات مصممة خصيصًا بما يتناسب مع كل حالة.
وبدلًا من الاكتفاء بإدارة الأعراض، يركز الطب الدقيق على معالجة الأسباب الجذرية للأمراض، من خلال توفير علاجات ولقاحات مخصصة، فضلًا عن تعزيز فرص الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية والنادرة.
ومع تزايد الاهتمام بهذا المجال، بلغ حجم الإنفاق العالمي على علاجات الطب الدقيق في عام 2024 نحو 46.4 مليار دولار، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 123.9 مليار دولار بحلول عام 2027، وفقًا لبيانات Statista.
وفي الوقت نفسه، يُقدَّر أن ينمو سوق الطب الشخصي الأشمل، الذي يضم العلاجات الطبية، والتشخيص، والتغذية، والرفاهية الصحية، من 593 مليار دولار في عام 2024 إلى 767 مليار دولار في عام 2027.
ويُعزز هذا النمو التقدم المستمر في تقنيات الجينوم، وزيادة الاستثمارات في العلاجات المبتكرة، إلى جانب التوسع في اعتماد المستشفيات والعيادات لاستراتيجيات الطب الدقيق بهدف تحسين نتائج المرضى.
تبرز أهمية الطب الدقيق بشكل خاص في علاج الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والسكري والسرطان وهي أمراض يُتوقع أن تُكبّد الاقتصاد العالمي نحو 47 تريليون دولار بحلول عام 2030، بحسب دراسة نُشرت في National Library of Medicine.
وفي مجال الأورام، يؤدي الطب الدقيق دورًا محوريًا، من خلال تطوير علاجات مصممة خصيصًا استنادًا إلى التركيب الجيني لكل مريض، وأسلوب حياته، والعوامل البيئية المحيطة به. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يُصاب شخص واحد من كل خمسة بالسرطان خلال حياته، فيما يودي المرض بحياة رجل واحد من كل تسعة رجال، وامرأة واحدة من كل 12 امرأة.
من نموذج موحد إلى رعاية متخصصة
على مدى عقود، اعتمدت الرعاية الصحية على نموذج "حل واحد يناسب الجميع"، حيث كان يتم علاج المرضى استنادًا إلى متوسط الاستجابات دون مراعاة الفروق الفردية. أما اليوم، وبفضل التقدم المحرز في علم الجينوم والتكنولوجيا الطبية، أصبح بالإمكان توفير رعاية صحية مخصصة، تُراعي التركيب الجيني لكل فرد، إلى جانب بيئته وأسلوب حياته، مما يُسهم في تحسين النتائج الصحية وتمكين الأفراد من اتخاذ تدابير وقائية بشكل استباقي.
في حديثه مع فوربس الشرق الأوسط، صرّح المؤسس المشارك والمدير الطبي لمجموعة DNA Health Wellness، نصر الجعفري: قائلًا: "لقد غيّر الطب الدقيق الطريقة التي نقدم بها الرعاية الصحية الشخصية، بهدف الحفاظ على صحة مرضانا ورفاههم". وأضاف: "أتاح لنا علم الجينوم فهمًا غير مسبوق للتركيبة البيولوجية لكل فرد، وزودنا بالقدرة على تصميم بروتوكولات علاجية تبدأ بتعديل أنماط الحياة، مرورًا باختيار المكملات الغذائية، ووصولًا إلى تحديد الأدوية الأنسب، مما ساهم في تعزيز النتائج الإيجابية وتقليل احتمال حدوث الآثار الجانبية".
تجدر الإشارة إلى أن علم الجينوم قد ساعد في تحديد العلاجات الأمثل لفئات محددة من أنواع السرطان، مما أدى إلى تحسن ملحوظ في متوسط معدلات البقاء على قيد الحياة.
دور الذكاء الصناعي
أصبحت الرعاية الصحية الشخصية اليوم واقعًا ملموسًا، بفضل الدمج بين المعلومات الجينية لكل فرد وبيانات نمط حياته وتاريخه العائلي. ويُعد تسلسل الجينوم بمثابة مخطط تفصيلي لجسم الإنسان، يمكّن الأطباء من فهم أعمق للعمليات البيولوجية بشكل أعمق، واتخاذ قرارات علاجية أكثر دقة وفعالية. كما يُسهم هذا التسلسل في الكشف عن كيفية استجابة كل مريض لأنواع محددة من الأدوية، مما يتيح تطوير علاجات موجهة وأكثر فاعلية، بحسب Melbourne Genomics Health Alliance.
(الصورة: Gorodenkoff / Shutterstock)
ويؤدي علم الجينوم دورًا جوهريًا في تقييم مخاطر الإصابة بالأمراض، مما يمكّن من التدخل المبكر للوقاية أو العلاج. فعلى الرغم من تفرّد الحمض النووي (DNA) لكل شخص، فإن بعض الاختلافات الجينية قد تزيد من احتمال التعرض لأمراض معينة. ومع استمرار التقدم في فهم الجينوم البشري، تتجه الرعاية الصحية نحو مزيد من التخصيص والدقة أكثر من أي وقت مضى.
ومع ذلك، فإن تسلسل الجينوم وحده لا يكفي لاستثمار الإمكانات الكاملة لهذه البيانات. وهنا يأتي دور الذكاء الصناعي الذي يُسرّع من عمليات تحليل الجينوم، مما يسهم في تقليل الوقت والتكاليف، ورفع مستوى الدقة، إضافة إلى تحديد التغيرات الجينية المرتبطة بالأمراض بشكل أسرع، وفقًا لـ National Library of Medicine.
إلى جانب تعزيز الرعاية الصحية على مستوى الأفراد، يتيح للذكاء الصناعي تحليل كميات هائلة من البيانات الجينية المستخلصة من الدراسات السكانية، مما يوفر رؤى صحية أوسع وأكثر عمقًا. ومن خلال دمج البيانات الجينومية مع المعلومات السريرية والبيئية وبيانات أنماط الحياة، يقدم.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من فوربس الشرق الأوسط