تشهد تونس أزمة غير مسبوقة في قطاع الثروة الحيوانية؛ إذ أدى الجفاف المستمر وارتفاع أسعار الأعلاف إلى تراجع كبير بأعداد الماشية، وأسعار اللحوم.
ومع هذا الوضع أصبح مربو الماشية الذين كانوا لعقود طويلة الدعامة الأساسية لهذا القطاع، يواجهون اليوم تحديات قاسية تهدد استمرارهم في المهنة، وسط مخاوف من انعكاسات سلبية تطال الاقتصاد والمستهلكين على حد سواء.
ارتفاع أسعار الأعلاف
تراجع إنتاج الحبوب 60% في 2023، فيما انخفض عدد المواشي 30% خلال العامين الماضيين، وفقاً لاتحاد الفلاحة والصيد البحري وتربية الماشية.
ويعتمد الديوان الوطني للأعلاف في تونس على واردات الأعلاف من الخارج؛ إذ يناهز سعر الطن من علف الذرة 254.27 دولار للطن شاملاً تكلفة الشحن.
محمد بن سالم، أحد كبار مربي الماشية في ولاية القيروان، يصف الوضع، في حديثه مع «إرم بزنس»، قائلاً: «سابقاً، كنا نعتمد على المراعي الطبيعية التي كانت توفر جزءاً كبيراً من احتياجات المواشي، لكن مع الجفاف، لم يعد لدينا خيار سوى شراء الأعلاف التي تضاعف سعر الكيس الـ50 كيلوغراماً من 40 ديناراً « نحو 13 دولاراً) ليتجاوز 80 ديناراً «نحو 26 دولاراً»؛ ما يجعل تربية الماشية عبئاً اقتصادياً لا يُحتمل».
ويضيف أن الكثير من المربين اضطروا إلى بيع مواشيهم بأسعار منخفضة لتجنب الخسائر، وبعضهم توقف عن العمل تماماً، ومن ثم باتت هذه الأزمة تهدد بانهيار الثروة الحيوانية في البلاد.
تُقدر مساحات الزراعات العلفية والرعوية في تونس بحوالي 330 ألف هكتار، وتوفر نحو 30% من احتياجات مربي المواشي، فيما يبلغ عدد رؤوس الماشية نحو 5.4 مليون رأس، وفق وزارة الفلاحة.
دعوات لإلغاء الأضحية
نتيجة لهذه الأزمة، طالب رئيس غرفة القصابين التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة أحمد العميري، بإلغاء شعيرة الأضحية من عيد الأضحى هذا العام، لحماية الثروة الحيوانية التي تواجه خطر الاندثار.
وأوضح في تصريحات أوردها إعلام محلي، أن النقص الحاد في عدد القطيع تسبب بارتفاع غير مسبوق لأسعار اللحوم؛ إذ ارتفع سعر الخروف هذا العام بين 900 و1300 دينار، بينما سعر الأبقار من 3000 دينار إلى 7000 دينار حسب السلالة والحجم.
وأثر ارتفاع أسعار اللحوم بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين، بعد وصول سعر الكيلوغرام من اللحم الضأن إلى 40 ديناراً؛ ما أدى لتراجع معدل استهلاك الفرد للحوم الحمراء من 11 كيلوغراماً سنوياً قبل العام 2010، إلى أقل من 9 كيلوغرامات حالياً، وفق تقارير محلية.
تداعيات سلبية
مع تراجع أعداد المواشي، يُتوقع أن تتزايد الحاجة إلى استيراد اللحوم من الخارج؛ ما قد يزيد العجز التجاري، ويفرض ضغوطاً إضافية على احتياطي العملات الأجنبية في ظل الوضع الاقتصادي الحرج بالبلاد.
الخبير الاقتصادي أنيس الوهابي يحذر، في حديثه مع «إرم بزنس»، من التداعيات بعيدة المدى لهذه الأزمة، قائلاً: «ارتفاع أسعار اللحوم لا يؤثر فقط على القدرة الشرائية للمواطن، بل يؤدي أيضاً إلى ارتفاع معدل التضخم؛ ما يزيد الضغوط المعيشية».
مطالب بدعم مباشر
وسط هذه التحديات، يطالب مربو المواشي الحكومة بتقديم دعم مباشر للأعلاف، إضافة إلى توفير قروض ميسرة لمساعدتهم على تجاوز الأزمة، ووضع سياسات زراعية تضمن استدامة المراعي الطبيعية.
وفي حديثه مع «إرم بزنس»، يقول علي الجبالي رئيس إحدى الجمعيات الفلاحية: «من دون تدخل حكومي عاجل، فإن قطاع الثروة الحيوانية في تونس مهدد بالانهيار. نحتاج إلى استراتيجيات مستدامة، وليس فقط حلولاً مؤقتة، فكل عام تتكرر الأزمة، وكل عام يخرج المزيد من المربين من السوق».
حلول لاحتواء الأزمة
في محاولة لاحتواء الأزمة، أعلنت الحكومة مجموعة إجراءات، من بينها توفير دعم جزئي للأعلاف، والعمل على تعزيز مشاريع تحلية مياه البحر وتحديث شبكات الري لضمان توفير موارد مائية إضافية للمراعي.
في حين دعا الخبير في الإنتاج الحيواني، وليد الفرجاني، عبر «إرم بزنس»، إلى التوسع باستخدام المياه الجوفية، عبر حفر المزيد من الآبار، ثم تشجيع زراعة الأعلاف وإنتاجها محلياً.
الفرجاني شدد أيضاً على ضرورة تدوير مياه المخلفات لاستخدامها في الزراعة، ودعم المربين بتسهيلات مالية، وتحفيزهم على استخدام تقنيات حديثة تقلل من استهلاك المياه، وتعزز كفاءة الإنتاج.
وفي ظل استمرار الجفاف وارتفاع الأسعار، يواجه قطاع الثروة الحيوانية في تونس أصعب اختبار له منذ عقود، حيث باتت الأزمة تهدد الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي، فضلاً عن زيادة الضغوط الاجتماعية بسبب غلاء المعيشة.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس