تستمر تجارة النفط غير المشروعة في ليبيا بزعزعة الاستقرار الاقتصادي، مستنزفة مليارات الدولارات من الاقتصاد الوطني، ومفاقمة أوجه القصور في قطاع الطاقة.
وأفاد تقرير حديث للأمم المتحدة بأن تهريب الوقود، الذي يسهّله نظام مقايضة مثير للجدل، أسهم بنشوء اقتصاد ظل تستفيد منه الجماعات المسلحة، ما يعرقل الإصلاحات الاقتصادية في البلاد، وفق ما نقلته صحيفة «فاينانشال تايمز».
التهريب وتأثيره الاقتصادي
حددت الأمم المتحدة 48 سفينة متورطة بتصدير الوقود غير المشروع من ليبيا، من بينها ناقلة المنتجات النفطية «ماردي»، التي تعد من الأكثر نشاطاً.
وأوضح التقرير أن «ماردي»، التي تبحر تحت علم الكاميرون، هرّبت أكثر من 13 ألف طن ديزل من ميناء بنغازي القديم بين مارس 2022 وأكتوبر 2024، في انتهاك للعقوبات الدولية.
وأشار إلى عدم امتلاك «المنظمة البحرية الدولية» (The International Maritime Organization) أي سجل لملكية السفينة، ما يعكس الطبيعة الغامضة لهذه العمليات.
ويعود تهريب الوقود في ليبيا بشكل رئيس إلى الأسعار المحلية المدعومة بشدة، التي تعد من بين الأدنى عالمياً.
وتعتمد البلاد على مقايضة النفط الخام بالوقود المكرر بدلاً من الدفع النقدي، ما ينشئ فرصاً لمعاملات احتيالية.
ووفقاً للأمم المتحدة، يحوَّل جزء كبير من الوقود المستورد إلى السوق السوداء، سواء داخل ليبيا، أو في الخارج، باستخدام وثائق مزورة، ما يشوّه الاقتصاد الرسمي، ويدرّ عائدات ضخمة على الجماعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء من البلاد.
مقايضة الوقود
أُطلِق نظام المقايضة عام 2021 للتغلب على عدم قدرة ليبيا على تكرير كميات كافية من الوقود أو توفير العملة الأجنبية اللازمة للاستيراد.
ووفقاً لهذا النظام، تصدّر «المؤسسة الوطنية للنفط» النفط الخام مقابل منتجات نفطية مكررة.
غير أن هذا النظام أدى إلى تضاعف واردات الوقود، من 5.5 مليون طن عام 2020 إلى 10.35 مليون طن عام 2024، وفقاً لبيانات شركة «كبلر» (Kpler) الاستشارية للسلع.
وأفاد البنك الدولي في أكتوبر 2024 بأن تهريب الوقود يكبد ليبيا خسائر تتجاوز 5 مليارات دولار سنوياً، مع تصاعد هذه الظاهرة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وما تبعها من اضطرابات في أسواق الطاقة العالمية.
ارتفاع التكاليف
بلغت قيمة واردات الوقود في إطار نظام المقايضة 8.5 مليار دولار في 2023، وفقاً لتقرير غير منشور لديوان المحاسبة الليبي.
وتمت تغطية هذه التكاليف من خلال صادرات نفط خام تجاوزت 8 مليارات دولار، لكن عمليات التداول أُسندت إلى كيانات حديثة الإنشاء ليس لها سجل بارز في صناعة النفط العالمية.
تصدير النفط الخام
يشير بروز شركات خاصة تصدّر النفط الخام خارج قنوات المؤسسة الوطنية للنفط إلى مرحلة جديدة في تجارة النفط الليبي.
وقالت كبيرة المحللين في «مجموعة الأزمات الدولية» (International Crisis Group) كلوديا غازيني: «بدأ الأمر بتهريب وقود صغير النطاق، ثم أصبح تهريباً واسع النطاق، ثم توسع نظام المقايضة، والآن ننتقل إلى تصدير النفط الخام مباشرة».
ويعكس هذا التحول استراتيجية متطورة من قبل القوى المؤثرة في ليبيا لاستغلال الثروة النفطية خارج الأطر التنظيمية التقليدية.
ضغوط للإصلاح
في ظل تصاعد الضغوط المحلية والدولية، أصدر النائب العام الليبي أمراً بوقف العمل بنظام المقايضة في أوائل 2025، مشيراً في خطاب إلى فشل النظام بتحقيق الشفافية، ومساهمته بتغذية تجارة النفط غير المشروعة.
لكن رغم هذه الجهود، يحذر الخبراء من أن إنهاء نظام المقايضة لا يعني بالضرورة القضاء على التهريب، إذ لا يزال قطاع الطاقة في ليبيا عرضة للاختراق؛ بسبب ضعف الرقابة المؤسسية وتضارب مصالح الجماعات المسلحة.
وحثّ البنك الدولي والمؤسسات المالية الأخرى ليبيا على تنفيذ إصلاحات شاملة، تشمل تسعير الوقود بشفافية وتشديد الرقابة على صادرات النفط.
ويؤكد الخبراء الاقتصاديون أن معالجة تهريب الوقود يجب أن تكون جزءاً من إصلاحات مالية أوسع، تشمل تنويع مصادر الدخل وإعادة هيكلة دعم الوقود لمنع المزيد من الاختلالات الاقتصادية.
وحتى يتم تنفيذ هذه التدابير، ستبقى الثروة النفطية الليبية مصدراً للاضطرابات الاقتصادية والانقسامات السياسية.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس