اجتمع ريد هوفمان ومصطفى سليمان في خريف 2023 ليناقشا مستقبل شركتهما الناشئة "إنفلكشن إيه آي" (Inflection AI) في ظلال ما يكتنفه من عدم اليقين.
حين أسسا الشركة قبل 18 شهراً من عقدهما لذلك الاجتماع، كانت كلّ الدلائل تبشر بالنجاح. إذ يكاد هوفمان أن يكون صاحب أوسع شبكة علاقات في وادي السليكون، أمّا سليمان فهو نجم متألق بحد ذاته، حيث كان قد أسهم في إنشاء شركة "ديب مايند" (DeepMind) وباعها إلى "جوجل" مقابل 650 مليون دولار في 2014. حتى أن المؤسسة الشريكة الثالثة للشركة كارين سيمونيان واحدة من أهم الباحثين في القطاع.
:
جذب روبوت الدردشة "باي" (Pi) من "إنفلكشن" ملايين المستخدمين الشهريين بفضل قدرته على إظهار نوع من الذكاء العاطفي في التواصل. وقد رأى مؤسّسو الشركة أن نجاحها سيتأتى من توسيع قاعدة مستخدميها إلى مئات الملايين ثم المليارات. إذ راودهم ومعهم المستثمرون طموح كبير بأن تتجاوز قيمة الشركة تريليون دولار.
فكثيراً ما كانت الشركات الناشئة التي تنطلق من مرآب أو غرفة معيشة صديق وأصبحت عملاقةً من حجم "جوجل" أو "فيسبوك" واحدة من أكثر القصص إلهاماً في وادي السليكون. إلا أن الذكاء الاصطناعي أثار تساؤلات حول قدرة شركة ناشئة مثل "إنفلكشن" على أن تكرر قصة كهذه، نظراً لحاجتها إلى كميات هائلة غير مسبوقة من الموارد.
الحاجة إلى استثمارات ضخمة
لم تجد "إنفلكشن" صعوبة في جذب المستثمرين، إذ جمعت أكثر من 1.5 مليار دولار من عمالقة مثل "مايكروسوفت" و"إنفيديا"، إلى جانب شخصيات بارزة مثل بيل غيتس ورئيس "جوجل" التنفيذي السابق إريك شميدت والممثل آشتون كوتشر، والموسيقي "ويل أي آم".
:
وصفت سارة غو، المستثمرة الرأسمالية والشريكة التجارية السابقة لهوفمان، قرارها بأن تدخل باستثمار شخصي "كبير" في "إنفلكشن" عام 2022 بأنه كان "بالغ السهولة".
مع ذلك، قدَّر هوفمان وسليمان أنهما سيحتاجان إلى ملياري دولار إضافيين لمجرد مواصلة تمويل طموحاتهما حتى نهاية 2024. ولكن ماذا بعد ذلك؟ أربعة مليارات أخرى أم ستة أم عشرة؟ رغم ضخامة الأرقام، هي لا تكفي لمواجهة التحديات المقبلة. قال سليمان الذي كان رئيسها التنفيذي: "جبت العالم، من الإمارات إلى اليابان وأوروبا لأجمع التمويل".
هذه التحديات ليست مشكلة "إنفلكشن" وحدها، بل تثير أيضاً شكوك كلّ من رأى في الذكاء الاصطناعي فرصة نادرة لكسر سيطرة الشركات التقنية العملاقة التي تقدر قيمتها بتريليونات الدولارات على قطاع التقنية في الولايات المتحدة.
فما فرص شركة ناشئة في الانضمام إلى هذا النادي الحصري، في وقت بات الحد الأدنى للمنافسة يتطلب استثمارات بمليارات، وربما عشرات المليارات من الدولارات؟ مع بداية 2024، تصاعدت المخاوف من أن عمالقة العقد الماضي، "جوجل" و"فيسبوك" و"مايكروسوفت" و"آبل" وغيرها، ستهيمن أيضاً في نهاية المطاف على الذكاء الاصطناعي، ما يقطع الطريق على جيل جديد من القوى التقنية العظمى. قال هوفمان: "غيّرت اقتصاديات الذكاء الاصطناعي معادلة الشركات الناشئة في وادي السيليكون".
وبمجرد أن أدرك مؤسّسو "إنفلكشن" هذه الحقيقة، كان مصير الشركة قد حُسم تقريباً.
منافسة من نماذج مفتوحة المصدر
حين تخلى مؤسسو الشركة عنها لاحقاً، طُرحت تساؤلات حول مواجهة "إنفلكشن" صعوبة في إيجاد ممولين مستعدين لقبول تقييم قد يبلغ 10 مليارات دولار. إلا أن هوفمان أكد أن الشركة سبق أن تمكنت من تأمين التزامات بمليار دولار، إذ تنافست شركتان استثماريتان على قيادة جولة التمويل، فيما أبدى مستثمرون أثرياء آخرون استعدادهم للمشاركة. إلا أن الشركة كانت قلقة حيال جولات التمويل الأكبر التي سيترتب عليها أن تخوضها لاحقاً.
قال هوفمان "إذا نظرت إلى ما كانت الشركات الكبرى مثل (جوجل) و(مايكروسوفت) وربما غيرها لتقوم به، لأدركت أنها ستطور نماذج من الجيل التالي كل 12 إلى 18 شهراً". كانت "ألفابت، مالكة "جوجل"، و"مايكروسوفت" تحوزان على نحو 100 مليار دولار نقداً في تصرفهما، كما تملك "ميتا" أكثر من 50 مليار دولار من الاحتياطيات، ولديها استراتيجية لصنع نموذج مُدرّب مسبقاً مفتوح المصدر، بدلاً من فرض رسوم لاستخدامه. كانت النماذج المتطورة متاحة مجاناً عبر "هوغينغ فيس" (Hugging Face) الذي كان يعمل كمستودع مركزي للإبداعات مفتوحة المصدر.
غَيَّر هذا التطور بشكل جذري طبيعة المنافسة. قال سليمان: "عندما بدأنا هذا المشروع، لم نتوقع أبداً أن يقدم البعض هذه التقنيات الحديثة بشكل مفتوح المصدر". ومع توفر مثل هذه البدائل، نشأ خطر أن تتحول النماذج التي كانت "إنفلكشن" تطورها إلى "سلعة بحد ذاتها".
عرض الانضمام إلى "مايكروسوفت"
يتذكر سليمان أن رئيس "مايكروسوفت" التنفيذي ساتيا ناديلا طرح فكرة أن ينضم إلى "مايكروسوفت" لأول مرة في ديسمبر، بعد شهر أو شهرين من حديثه الصريح مع هوفمان، ثم عاد لمناقشتها خلال لقاء غداء على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في منتصف يناير في دافوس، سويسرا. كانت "مايكروسوفت" قد تخلفت في مجالي تطوير البحث عبر الإنترنت والهواتف المحمولة، وأكد ناديلا لسليمان أنه لن يسمح بأن تتخلف الشركة عن سباق الذكاء الاصطناعي.
لا شك أن تداعيات الانقلاب الداخلي في مجلس إدارة "أوبن إيه آي" في نوفمبر 2023 لعبت دوراً في قراره هذا، إذ لم يكن ناديلا قد تجاوز بعد وقع تلك اللحظة، خاصة أن استراتيجية "مايكروسوفت" المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في حينها كانت تعتمد بالكامل على تلك الشركة الناشئة وحدها.
نقل سليمان عن ناديلا: "قال لي، انضم إلينا، وستحصل على كل الموارد التي تحتاجها للاستمرار في بناء عملك، ولكن داخل (مايكروسوفت)". خلال الأسابيع التالية، سافر سليمان عدة مرات إلى ريدموند، واشنطن، حيث مقر "مايكروسوفت"، حيث التقى ناديلا على العشاء.
ناقش سليمان وهوفمان فكرة تأجيل اتخاذ القرار وإغلاق جولة التمويل لجمع ملياري دولار، ثم إعادة التقييم لاحقاً. كان سليمان مصمّماً على أن الشركة تبني تطبيقاً موجهاً للمستهلكين، بينما كان بيع نسخ من "باي" للشركات مجرد خطة احتياطية.
من شأن تغيير جذري كهذا في الاستراتيجية أن يضعف قدرة الشركة الناشئة على جذب الاستثمارات، فقد كانت ما تزال بحاجة إلى مليارات الدولارات. قال هوفمان: "المشكلة في هذا السياق هي أنه صعب جداً جمع التمويل بعد تغيير الاستراتيجية، لأن عرضك سيبدو وكأنك تقول: خاب أملنا من المشروع الأصلي لكننا الآن بحاجة إلى تمويل ضخم لنبني شيئاً جديداً".
قرار الانضمام
وقد تطرق إلى شركة "أنثروبيك" (Anthropic)، وهي إحدى الشركات الناشئة الأخرى الباحثة عن التمويل. في ذلك الصيف، توقّع رئيسها التنفيذي داريو أمودي أن يكلّف تدريب نموذج واحد حوالي مئة مليار دولار بحلول 2027. قال هوفمان مستذكراً ما خطر له في ذلك الوقت: "تمارس (أنتروبيك) لعبة جمع مليارات الدولارات لتستمر في العمل، وقد توصّلتُ ومصطفى إلى قناعة مفادها أن ذلك النهج لن يكون مجدياً". واعتبر هوفمان أن مصير "أنثروبيك" في السنوات المقبلة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg