قبل سنوات، كان الحديث عن الاقتصاد الأخضر لا يتجاوز أروقة المؤتمرات البيئية، مجرد نقّاش جانبي في ظل هيمنة النفط، اليوم تغّير المشهد، وباتت الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف رقماً صعباً في معادلة النفوذ الاقتصادي، بل الورقة الأقوى في سباق القوة بين الدول.
التحول إلى الطاقة النظيفة لم يعد ترفاً بيئياً، بل بات واقعاً اقتصادياً تدعمه الأرقام، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، ضخّت الأسواق العالمية ثلاثة تريليونات دولار في قطاع الطاقة خلال 2024، ذهب ثلثاها نحو الطاقة النظيفة، ما يعكس مساراً لا رجعة فيه نحو مستقبل منخفض الانبعاثات.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
الوقود الأحفوري لا يزال في المشهد، لكنه يواجه تراجعاً أمام المد الأخضر، في 2023 سجلت استثمارات الوقود الأحفوري نحو تريليون دولار، ذهب 15% منها للفحم، بينما توزعت الحصة المتبقية بين النفط والغاز، المثير واللافت هنا -كما أشار التقرير سابق الذكر- أن كل دولار يُضخ في الوقود الأحفوري يقابله 1.7 دولار في الطاقة النظيفة، بعد أن كانت المعادلة قبل خمس سنوات متعادلة 1:1، ما يكشف حجم التحول السريع في أسواق الطاقة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); }); لم تكتفِ الولايات المتحدة الأمريكية بتأييد التحول الأخضر، بل ضمّنته في تشريعاتها، فخلال الأربع سنوات الماضية أقرّت قانون «خفض التضخم» الذي خُصص له 370 مليار دولار لدعم مشاريع الطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية، في خطوة تعكس توجهاً استراتيجياً لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
الصين لم تكتفِ بالمنافسة، بل فرضت هيمنتها على سباق الطاقة النظيفة، في 2024 استثمرت نحو 6.8 تريليون يوان (940 مليار دولار) في مشاريع الطاقة المتجددة، مدفوعة بازدهار صناعات الطاقة الشمسية، وبطاريات الليثيوم، والسيارات الكهربائية، هذا الرقم الضخم يضعها في صدارة اللاعبين العالميين، متفوقة على العديد من الاقتصادات الكبرى، حيث تكاد توازي استثماراتها في هذا المجال إجمالي الاستثمارات العالمية في الوقود الأحفوري التي بلغت 1.12 تريليون دولار.
في أوروبا، الاستدامة لم تعد شعاراً بل سياسة اقتصادية صارمة، الضرائب الكربونية والتشريعات البيئية الجديدة أجبرت الشركات على إعادة رسم خارطة استثماراتها، حيث لم يعد التحول نحو الطاقة النظيفة خياراً، بل بات إلزامياً وفق معايير بيئية لا هواة فيها.
الهند، تتحرك بسرعة نحو الطاقة المتجددة، مستهدفة إنتاج 500 غيغاواط بحلول 2030، ما يشكل 65% من إنتاجها الكهربائي، في خطوة تؤكد التزامها بتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2070.
السعودية لا تواكب التحول فحسب، بل تصنعه، تسير بخطى ثابتة نحو توليد 50% من احتياجاتها الكهربائية من مصادر متجددة بحلول 2030، عبر مشاريع ضخمة، أبرزها «نيوم للهيدروجين الأخضر» الذي يضع المملكة في موقع ريادي عالمي كمُصدر رئيس للهيدروجين النظيف، في تأكيد على أن الاستدامة ليست خياراً، بل المستقبل ذاته.
التحول نحو الطاقة المتجددة في السعودية لم يعد مجرد أهداف على ورق، بل واقعاً ملموساً تشهده مشاريع نوعية على الأرض، كمحطة سكاكا للطاقة الشمسية التي انطلقت في منطقة الجوف عام 2021 بطاقةٍ تصل إلى 300 ميغاواط، ينتجها أكثر من مليون ومئتي ألف لوح شمسي على مساحة إجمالية تبلغ 6 كيلومترات مربعة، ثم تبعها مشروع دومة الجندل لطاقة الرياح عام 2022، بنحو 99 توربيناً توفر 400 ميغاواط أخرى تكفي احتياجات نحو 70 ألف منزل، ما يعكس التزام السعودية بتحقيق تحول ملموس نحو مستقبل أكثر استدامة.
وخلاصة القول؛ النفط سيظل جزءاً من المعادلة الاقتصادية لعقود، لكنه لم يعد الورقة الرابحة الوحيدة، في ظل التحولات العالمية، تتشكل موازين جديدة، وقواعد مختلفة، حيث يضع روّاد الاستدامة مستقبل الاقتصاد العالمي، أما من يراهن على التباطؤ فقد لا يجد لنفسه مكاناً في المشهد الجديد، في عالم لم يعد ينتظر المترددين!
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية