تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 عند قياسه بالذهب إلى أدنى مستوى له منذ عام 2020، في إشارة إلى تنامي قلق المستثمرين بشأن آفاق الاقتصاد الأميركي، وزيادة التوجه نحو الأصول الآمنة في ظل تصاعد المخاطر الجيوسياسية والضغوط التضخمية.

وبحسب أكاش دوشي، رئيس استراتيجية الذهب العالمي في شركة «ستيت ستريت غلوبال أدفايزرز» لإدارة الأصول، فإن الانخفاض الحاد في نسبة ستاندرد آند بورز 500 إلى الذهب يعكس إعادة تقييم الأسواق لتوقعات النمو الاقتصادي الأميركي، إلى جانب زيادة الطلب على الذهب كملاذ استثماري في ظل حالة عدم اليقين التي تهيمن على المشهدين المالي والاقتصادي.

وأوضح دوشي، في تصريحات لموقع «ماركت ووتش»، أن هذا التراجع لا يعني بالضرورة أن الاقتصاد الأميركي مقبل على ركود، لكنه يشير إلى تغير في ثقة المستثمرين وتوجهاتهم الاستثمارية.

انخفاض ملحوظ

في مارس 2024، تراجعت نسبة الأسهم المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 مقابل الذهب إلى حوالي 1.9 مرة، مقارنة بـ2.3 مرة في ديسمبر 2024، في حين سجلت النسبة ذروتها الأخيرة عند 2.5 مرة في فبراير. ويعني ذلك أن المستثمرين يحتاجون الآن إلى 1.9 أوقية من الذهب لشراء وحدة من مؤشر ستاندرد آند بورز 500، وهو أدنى مستوى تشهده هذه النسبة منذ أربع سنوات، ما يعكس التراجع النسبي لقوة الأسهم مقارنة بالمعدن النفيس.

تزامن هذا الانخفاض مع أداء قوي للذهب، حيث سجلت عقود الذهب الآجلة لشهر أبريل ارتفاعاً ملحوظاً لتصل إلى 3,025.90 دولاراً للأوقية يوم الثلاثاء، بعدما لامست مستوى قياسياً عند 3,043.80 دولاراً للأوقية في 20 مارس، مدفوعة بتزايد الطلب الاستثماري وعمليات الشراء المكثفة من قبل البنوك المركزية.

في المقابل، لم يتمكن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 من الحفاظ على زخمه الصعودي، حيث سجل انخفاضاً طفيفاً بنسبة 0.1% ليستقر عند 5,765.94 نقطة، مواصلاً تراجعه منذ بداية العام، وهو ما يعكس جزئياً عمليات جني الأرباح، بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بتباطؤ الاقتصاد الأميركي واحتمال تراجع أرباح الشركات خلال الفصول المقبلة.

الذهب يتفوق على الأسهم الأميركية

بحسب دين كريستيانز، كبير محللي الأبحاث في شركة «سينتيمينت تريدر» المتخصصة في تحليل معنويات السوق وسلوك المستثمرين، فإن الفجوة بين عوائد الذهب والأسهم الأميركية قد توسعت إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من عامين، مما يشير إلى بحث المستثمرين عن أدوات تحوط أكثر أماناً وسط تزايد المخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي.

وأضاف كريستيانز أن المستثمرين يتجهون بشكل متزايد إلى الذهب كملاذ آمن في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية وارتفاع الضغوط التضخمية، وهي عوامل دفعت العديد من المؤسسات الاستثمارية إلى تعديل استراتيجياتها الاستثمارية نحو الأصول ذات المخاطر المنخفضة.

مخاطر تدعم الطلب على الذهب

أوضح أكاش دوشي أن هناك عدة عوامل أساسية تدفع الذهب إلى مواصلة أدائه القوي هذا العام، أبرزها تصاعد المخاطر السياسية، سواء داخل الولايات المتحدة أو على المستوى الدولي، إلى جانب التراجع الملحوظ في ثقة المستهلك الأميركي.

وفقاً لبيانات كونفرنس بورد، انخفض مؤشر ثقة المستهلك الأميركي إلى 92.9 نقطة في مارس، مقارنة بـ 100.1 نقطة في فبراير، وهو أدنى مستوى منذ أربع سنوات، مما يعكس قلق الأسر الأميركية من مستقبل الاقتصاد وارتفاع تكاليف المعيشة.

وأشار دوشي إلى أن استمرار الضغوط التضخمية وعدم اليقين بشأن مسار السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي عززا من إقبال المستثمرين على الذهب كأداة تحوط ضد تآكل القوة الشرائية للدولار.

إعادة تموضع أم مؤشر على ركود اقتصادي؟

في ظل هذه التطورات، تبرز تساؤلات حول ما إذا كان التراجع في نسبة ستاندرد آند بورز 500 إلى الذهب يمثل تحذيراً مبكراً من ركود اقتصادي قادم، أم أنه مجرد تصحيح مؤقت في الأسواق نتيجة إعادة تموضع استثماري.

يرى دوشي أن السوق قد يشهد بعض التذبذبات في هذه النسبة، خاصة مع استمرار تقييم المستثمرين لمراكزهم في الأسهم، لكنه يؤكد أن العوامل التي دفعت الذهب إلى الصعود مثل عمليات الشراء المكثفة من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة وزيادة التدفقات إلى صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب تعكس اتجاهاً طويل الأمد نحو تعزيز مكانة المعدن النفيس كأصل استثماري رئيسي.

العوامل الأساسية الداعمة لصعود الذهب

منذ بداية العام، ارتفعت أسعار الذهب بأكثر من 15%، مدفوعة بعدة عوامل رئيسية، من بينها:

ارتفاع الطلب على الذهب في الصين، حيث شهدت الأسواق الصينية موجة شراء قوية بعد تخفيف القيود الاقتصادية المرتبطة بجائحة كورونا.

زيادة مشتريات البنوك المركزية في الأسواق الناشئة، والتي تسعى إلى تقليل اعتمادها على الدولار وتنويع احتياطياتها من النقد الأجنبي.

عودة المستثمرين الغربيين إلى صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب، بعد ثلاث سنوات ونصف من تراجع الحيازات، وهو ما يعكس تزايد القناعة بضرورة التحوط ضد المخاطر الاقتصادية.

الذهب والأسهم.. أيهما يقود الأسواق مستقبلاً؟

مع استمرار الضبابية الاقتصادية، باتت العلاقة بين الذهب والأسهم محورية في تحديد توجهات الأسواق العالمية. وفي الوقت الذي يراهن فيه بعض المستثمرين على استمرار صعود الذهب مدفوعاً بالعوامل السياسية والاقتصادية الراهنة، يرى آخرون أن الأسهم قد تستعيد زخمها في حال تحسن البيانات الاقتصادية أو تبني الفيدرالي سياسات نقدية أكثر دعماً للنمو.

ومع بقاء العوامل المؤثرة على الأسواق في حالة تغير مستمر، سيظل الفرق بين أداء الذهب والأسهم مؤشراً رئيسياً لمعنويات المستثمرين، وترمومتراً لتوقعاتهم بشأن مستقبل الاقتصاد الأميركي والعالمي.

هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس