حلّ الربيع في باريس، فعادت الحياة إلى المقاهي وانتعشت الأجواء، وسط مؤشرات على تحسن اقتصادي. كما أسهمت التوسعة الجديدة لمترو الأنفاق في تسهيل التنقل داخل المدينة، حيث بات الوصول إلى أي نقطة لا يستغرق أكثر من 15 دقيقة.
ورغم هذه الأجواء الإيجابية، إلا أن هناك من يخطط لنقل ثرواته إلى الخارج؛ إذ أخبرني اثنان من السكان عن خططهما للمغادرة، أحدهما يتجه إلى دبي والآخر إلى سويسرا.
وعلى غرار نزوح غير المقيمين والعاملين في البنوك التي شهدتها لندن في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، تمر باريس الآن بمرحلة من الاستياء المالي، حيث شكّلت الضرائب المرتفعة العامل الحاسم الذي جعل الأوضاع المالية غير قابلة للاستمرار، خاصة في السنوات الأخيرة من ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون.
تشهد الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء ارتفاعاً، فيما تتصدر مارين لوبان المشهد كأوفر المرشحين حظاً في انتخابات 2027. في الوقت نفسه، يعاني البرلمان من حالة جمود سياسي، ولا تزال تداعيات معركة إصلاح نظام التقاعد التي هزّت البلاد في 2023 تلقي بظلالها على المشهد السياسي.
تراجع الاستثمار المصرفي
بعد فترة ازدهار غير مسبوقة شهدت خلالها باريس تحوّلها إلى الوجهة المصرفية المفضلة في منطقة اليورو، حيث تضاعف تقريباً عدد العاملين الفرنسيين في القطاع المالي والاستثماري الذين يتقاضون رواتب من سبعة أرقام (بملايين اليورو) خلال أربع سنوات، بدأت خطط التوظيف تتجمّد. ويشير هذا التباطؤ إلى ما يمكن وصفه بـ"ذروة باريس"، وهي مرحلة جديدة في سباق جذب المواهب العالمية، تضع أوروبا في موقع متراجع نسبياً.
وفي هذا السياق، قال كيريل كوربوان، رئيس "جيه بي مورغان تشيس" في فرنسا، خلال مؤتمر نظمته "بلومبرغ" الأسبوع الماضي، إن باريس كسبت معركة ما بعد "بريكست" في استقطاب المصرفيين المؤسسيين والمصرفيين الاستثماريين، مستفيدة من الحوافز الضريبية والإصلاحات التي تهدف إلى تسهيل وتشجيع أنشطة الأعمال. ولفت إلى أن شركته وسّعت حضورها في فرنسا، حيث ارتفع عدد موظفيها من 230 إلى 950 خلال عقد واحد.
دبي تتفوق كمركز استثماري عالمي
ومع ذلك، تخسر باريس ولندن المعركة في جذب صناديق الاستثمار الخاصة وصناديق التحوط لصالح مراكز مالية ناشئة خارج المسار التقليدي للتنقل بين العاصمتين، وعلى رأسها دبي، حيث لا تُفرض ضريبة على الدخل، وتتميّز اللوائح التنظيمية بمرونتها، فضلاً عن تنامي مجتمع صناديق الاستثمار التي تُقدَّر أصولها بمليارات الدولارات. وفي هذا السياق، قال بول مارشال، رئيس أحد صناديق التحوط، إن أبوظبي المجاورة "تتفوق بجدارة" من حيث السياسات الضريبية.
وفي حين تحقق مدينتا مدريد وميلانو أداءً جيداً في استقطاب الأثرياء المتنقلين بين الدول، إلا أنهما لا تستطيعان منافسة الإمارات، التي استقبلت أكثر من 6700 مليونير خلال العام الماضي، وفقاً لبيانات شركة الاستشارات "هينلي آند بارتنرز" (Henley Partners) التي تتخذ من لندن مقراً لها.
الإمارات بين التنويع الاقتصادي والمخاطر التنظيمية
لقد أشرت سابقاً إلى أن المنافسة القادمة من دولة الإمارات لا ينبغي الاستهانة بها. فالانتعاش الأخير الذي تشهده الدولة يبدو أكثر متانة مقارنة بفورة العقارات الممولة بالديون التي شهدتها عام 2008، ويستند إلى جهود ملموسة لإنشاء مركز مالي متقدم، وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg