شهدت إفريقيا في السنوات الأخيرة تحولاً جذرياً نحو المدفوعات الرقمية، في خطوة أساسية نحو التحول الاقتصادي الرقمي، إذ توفر هذه المدفوعات حلولاً مبتكرة تسهم في تعزيز الشمول المالي وزيادة الكفاءة الاقتصادية.

وتظهر أحدث التوقعات بشأن نمو استخدام الدفع الرقمي أن بلدان القارة ستشهد مزيداً من التوسع في هذا المجال خلال السنوات الخمس المقبلة، رغم وجود صعوبات وتحديات قد تعوق بعض الدول لتحقيق أهدافها.

نمو مطرد

وفقاً لتقرير أعدته شركة ماستركارد الأميركية بتكليف من شركة جينيسيس أناليتيكس، فإن القطاع سيشهد نمواً مطرداً، ومن المتوقع أن يبلغ اقتصاد المدفوعات الرقمية 1.5 تريليون دولار بحلول العام 2030.

ووفق التقرير ستعزّز ماستركارد استثماراتها في 3 مجالات رئيسة، بهدف تسريع وتيرة تبنّي التكنولوجيا والشمول المالي، وهي تمكين الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في إفريقيا وتمكين التكنولوجيا المالية وتوسيع نطاق التحويلات والمدفوعات عبر الحدود.

وقال ديميتريوس دوسيس، رئيس ماستركارد في منطقة أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وإفريقيا، في بيان إن «إفريقيا مليئة بالإمكانات الهائلة ولدى شعوبها القدرة على رسم معالم الاقتصاد العالمي في العقود المقبلة»، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

وأوضح دوسيس أن من خلال «زيادة الاستثمارات وتوسيع نطاق الابتكار وتعزيز الشمول المالي، فإننا نساعد على بناء مستقبل مترابط رقمي تتاح فيه الاتصالات على نطاق واسع».

ووفقاً للبنك الدولي، تلقت إفريقيا ما يقارب 100 مليار دولار من التحويلات المالية في عام 2023، ما يمثل نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة.

وفي مصر بلغت قيمة خدمات الدفع والتحصيل الإلكتروني 2.5 تريليون خلال عام 2024، مقارنة بـ2.1 تريليون جنيه خلال ذات الفترة من العام المالي 2023.

وفي الجزائر وبحسب تقرير صادر قبل أيام عن «تجمع النقد الآلي»، ارتفعت تحويلات الأموال بين الأفراد عبر الهاتف الجوال، لتصل إلى 503 مليارات دينار جزائري (3.78 مليار دولار) خلال العام الماضي، مقارنة بـ241 مليار دينار في 2023، بزيادة 109%.

الخبير في الشؤون الأفريقية رامي زهدي أشار إلى إحصائية في عام 2021 أظهرت أن 46% من البالغين الأفارقة الذين لديهم حسابات معاملات أجروا على الأقل معاملة دفع رقمية واحدة، مقارنة بـ33% في عام 2017.

وأضاف في حديث خاص لـ«إرم بزنس» أن سوق المدفوعات غير التلامسية في إفريقيا قُيِّم بـ781.72 مليون دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى 1,536.57 مليون دولار بحلول عام 2031 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 8.8%.

أسباب النمو

ويرتكز التحول الرقمي في إفريقيا على التقدم السريع في انتشار الإنترنت والشمول المالي، ما ساعد على نمو المدفوعات الرقمية في جميع أنحاء القارة.

ورجح تقرير ماستركارد أن يشهد انتشار الإنترنت في إفريقيا نمواً بمعدل سنوي مركب يبلغ 20%، في حين من المتوقع أن يتوسع نطاق الشمول المالي بنسبة 6% سنوياً.

الخبير في الشؤون الإفريقية رأى أن جائحة كورونا وانتشار الهواتف الذكية أسهما في تعزيز المدفوعات الرقمية في إفريقيا، حيث تشير التقارير إلى أن عدد مستخدمي الهواتف الذكية في القارة يتزايد بشكل ملحوظ، ما يتيح الوصول إلى المحافظ الإلكترونية والتطبيقات المصرفية.

وأضاف زهدي في حديث لـ«إرم بزنس» أن النمو في المدفوعات الرقمية جاء مدفوعاً بدعم الحكومات للتحول الرقمي، وتبني سياسات مالية رقمية لتقليل الاقتصاد غير الرسمي وتعزيز الشمول المالي، من خلال دعم البنية التحتية الرقمية وإطلاق مبادرات حكومية لتحفيز الاستخدام الرقمي.

ويعد نمو الشركات الناشئة في التكنولوجيا المالية (Fintech) أحد أهم ركائز النمو، إذ تشهد إفريقيا طفرة في تأسيس الشركات الناشئة المتخصصة في التكنولوجيا المالية، ما أدى إلى تطوير حلول دفع مبتكرة تتماشى مع احتياجات السكان المحليين، وفق زهدي.

وتأسست نحو نصف شركات التكنولوجيا المالية في القارة خلال السنوات الست الماضية، وجمعت هذه الشركات مجتمعة 6 مليارات دولار على شكل تمويل أسهم منذ العام 2000، وفق موقع «سيندي غيت» (SyndiGate).

زهدي تابع أن التكتلات الاقتصادية الأفريقية تسعى لتسهيل المدفوعات العابرة للحدود، مثل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، التي تتيح للدول الأعضاء استخدام أنظمة دفع رقمية موحدة.

نحو اقتصاد أكثر مرونة

بالتزامن مع إمكانية وجود 9 من أسرع 20 اقتصاداً نمواً في العالم في إفريقيا، تعتزم شركة ماستركارد الاستفادة من خبراتها وتقنياتها لدعم التحول الرقمي المستمر في القارة. إذ ستساعد استثمارات الشركة اليوم في بناء اقتصاد أكثر مرونة للمستقبل.

وستدعم الشركة تمكين الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في إفريقيا إدراكاً منها بأنها تمثل أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي في إفريقيا.

وتهدف المبادرة إلى توسيع نطاق الوصول الرقمي إلى الخدمات الحيوية لنحو 100 مليون فرد وشركة على مدى السنوات العشر المقبلة.

وفي إطار هدفها واسع النطاق لضم المستخدمين إلى برنامج كوميونيتي باس، تهدف ماستركارد إلى تسجيل 15 مليون مستخدم في إفريقيا في غضون 5 سنوات.

ولتعزيز إمكانات الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، سيُسَرَّع الوصول إلى حلول ماستركارد الخاصة مثل «ادفع بواسطة البطاقة عبر الهاتف» و«الشركة الصغيرة أو المتوسطة في علبة».

كما ستمكِّن الوصول إلى التمويل من خلال برنامج «تراك مايكرو كريديت»، الذي استفاد منه بالفعل الآلاف من التجار الصغار مع تمكين قطاع التكنولوجيا المالية في إفريقيا، إذ تُعد هذه المنظومة محركاً رئيساً للتحول الرقمي والتقدم الاقتصاد، وفق موقع «سيندي غيت».

تحديات النمو

ورغم ما سبق هناك التحديات التي تواجه نمو المدفوعات الرقمية، منها، ضعف البنية التحتية التكنولوجية، فما زالت بعض الدول تعاني سوء التغطية وضعف شبكات الإنترنت.

ووفق زهدي، فإن الأمية الرقمية تعوق نمو المدفوعات الرقمية في القارة، فجزء كبير من السكان لا يمتلك المعرفة الكافية لاستخدام الأدوات المالية الرقمية، بالإضافة لضعف شبكات الإنترنت في مناطق عديدة من إفريقيا.

وأضاف أن مخاطر الأمن السيبراني مع تزايد استخدام المدفوعات الرقمية تظهر تهديدات متعلقة بالاحتيال والهجمات الإلكترونية، ما يستدعي تعزيز أنظمة الحماية.

ولفت إلى أن التحديات التنظيمية تعوق النمو، إذ تحتاج الحكومات إلى وضع أطر قانونية تنظم المدفوعات الرقمية، وتحمي حقوق المستخدمين، ما يتطلب تعاوناً بين الدول الأفريقية لتنسيق السياسات.

ويعزز الاستثمار في التكنولوجيا وتطوير السياسات الداعمة من قدرة إفريقيا على الاستفادة الكاملة من إمكانيات الاقتصاد الرقمي، ما يسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس