بينما تشتدّ هواجس التقسيم في المنطقة، ويشهد المدّ الإيراني تراجعه التاريخي، يستفيق ثنائي المحور الإقليمي في لبنان من جديد على «سلاح العدد»، ليشهره في وجه الحركة اللبنانية، علّه يغرقها في بحيرته وينتهي الأمر. ومع علمه الأكيد باستحالة تحقيق هذا الحلم، فهو يلوّح به فجأة كورقة ضغط ومساومة. على ماذا؟ فالدعوة إلى لبنان «دائرة انتخابية واحدة»، أو إلى إلغاء الطائفية، لكن في «السياسة» فقط دون سواها، يعنيان المطالبة بإلغاء الصيغة اللبنانية، هذه الفيدرالية المجتمعية التي قام عليها الكيان اللبناني منذ عام 1861، ليس لاستبدال نظام علماني، أو نظام لا مركزي حديث وخلّاق بها، بل ديكتاتورية مذهبية عانت المنطقة ما عانته من ويلاتها ولا تزال، وبجدلية الساحق والمسحوق، بما أراقته من دماء وما جرّته من تخلّف، كان للصيغة اللبنانية الفضل الكبير في تجنّب الوقوع فيها.
وهو حلمٌ مستحيل للأسباب الآتية:
- طبيعة الطرف الذي يطرحه. فلو أتت البادرة من مجموعة تغييرية علمانية ما، أو من جهة ماركسية ما زالت تعيش في زمن غابر، لكان الأمر مفهوماً ومنسجماً مع هوية صاحبه وفكره. أمّا أن تأتي من أحد الأطراف الأشدّ صفاءً مذهبياً في البلاد، والأشدّ عداءً لعلمنة المجتمع على الإطلاق، تشهد جميع مقولاته وانتماءاته وهتافات أتباعه في شوارع بيروت على هويته، فهو لأمر عديم المصداقية وبالغ التناقض، لا مجال لأخذه بالجدّية.
- يحمل هذا الطرف في طرحه وجهين متعارضين، يهدف أحدهما لإخفاء الآخر. الوجه التقسيمي من جهة، في سعيه منذ عشرات السنين إلى بناء دولته الخاصة على امتداد أراضي جماعته، عسكرياً وأمنياً وإدارياً وآيديولوجياً وسياسياً وإعلامياً وتربوياً واقتصادياً ومالياً وصحياً، واستراتيجياً في الانتماء الكامل لمحور إقليمي كبير. والوجه «التوحيدي» من جهة أخرى، الذي يغطّي به السعي الدؤوب إلى هيمنة دولته الخاصّة على دولة «لبنان الكبير»، والتوغّل في جميع مؤسساتها بكل الوسائل لإخضاعها، ولفرض خيارات ومغامرات حربية عليها. وقد أسهم ذلك كله في تخريب البلاد وإيصالها إلى اللجة التي وصلت إليها.
- يغيب عن بال الطرف المعني أنه منذ سقوط السلطنة العثمانية قبل قرن من الزمن، وإلى الآن، لم يستطع أي نظام سياسي في المشرق العربي، كما في المغرب، تفكيك الجماعات التي يحكمها وتحويلها أفراداً مواطنين. بل على العكس.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الشرق الأوسط