هل يعني دمج الذكاء الاصطناعي في أعمال التجسس نهاية دور العنصر البشري في تحليل المعلومات الاستخباراتية؟ #نكمن_في_التفاصيل

عرفت الإنسانية عبر تاريخها الطويل أنواعاً مختلفة من التجسس البشري، كذلك استخدمت في كثير من الأحيان الطيور لا سيما الحمام الزاجل في نقل الرسائل، وتالياً في القرن الـ20، ومع بدايات زمن الاتصالات اللاسلكية، نشأت البرقيات المشفرة، التي كانت عملية فك شفراتها هي الهدف الرئيس لأجهزة الاستخبارات خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.

على أنه ومنذ نهاية القرن الماضي، ومع حلول منتصف العقد الثالث من القرن الـ21، تبدو البشرية على عتبات مرحلة أكثر إثارة من حروب الظل، أي أعمال الاستخبارات التي تستخدم فيها المعلومات عينها، لكن عبر وسائل نقل مختلفة كل الاختلاف عما جرت به المقادير سابقاً.

والشاهد أنه في عصر تتدفق فيه المعلومات بسرعات وأحجام غير مسبوقة، يقف مجتمع الاستخبارات عند مفترق طرق حاسم، فالذكاء الاصطناعي لا يعزز جمع المعلومات الاستخباراتية التقليدية فحسب، بل إنه يعيد هيكلة الطريقة التي تجري بها الدول عمليات التجسس ومعالجة المعلومات الاستخباراتية بصورة أساس، ويعكس هذا التحول القفزات التكنولوجية التاريخية في جمع المعلومات الاستخباراتية، ولكن مع آثار أوسع بكثير في الأمن العالمي والخصوصية.

هل يعني ذلك انتهاء أو انتفاء دور العنصر البشري من عمليات التجسس؟

المؤكد سيظل الإنسان هو الوحدة الرئيسة في أعمال التجسس والحروب، غير أن دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات الاستخباراتية يمثل التحول الأكثر أهمية في التجسس منذ ظهور الاستطلاع عبر الأقمار الاصطناعية.

هنا يمكن القطع بأن وكالات الاستخبارات الحديثة تستفيد من أنظمة الذكاء الاصطناعي لمعالجة كميات هائلة من البيانات من مصادر متعددة مثل صور الأقمار الاصطناعية واعتراض الاتصالات وموجزات وسائل التواصل الاجتماعي وتقارير الاستخبارات البشرية، ذلك كله بسرعات لم يكن من الممكن تصورها قبل عقد من الزمان فحسب، ويمكن لهذه الأنظمة تحديد الأنماط والإشارة إلى ما هو خارج عنها وإنشاء تحليلات أولية كان لها أن تستغرق من فرق المحللين أسابيع أو أشهراً لإنتاجها.

هل دخلت البشرية عصر التجسس الجماعي؟ وكيف يمكن إعادة تصور التجسس في عصر الذكاء الاصطناعي؟ ثم ما مستقبل مجمع الاستخبارات في ضوء ما بعد هذا الذكاء، أي عند الانتقال من عالم الـAI إلى آفاق الـSAI أي الذكاء الاصطناعي الفائق، وصولاً إلى المرحلة المتقدمة جداً المعروفة باسم AGI أي الذكاء الاصطناعي العام، الذي يلف كل شؤون وشجون الحياة البشرية؟

من التجسس البشري إلى الإلكتروني

ما الهدف المطلوب من عمليات التجسس في كل الأزمنة، وعبر كل بقاع وأصقاع المسكونة؟

المؤكد وببساطة شديدة معرفة ما يكفي من معلومات عن الخصم، فالمعلومات هي وقود العمليات الاستخباراتية، سواء كانت لها قيمة اقتصادية أو سياسية أو عسكرية.

وبحسب لجنة "أسبن براون" تلك التي أنشأها الكونغرس الأميركي في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1994، أي على مقربة من انهيار الاتحاد السوفياتي، وانفراد الولايات المتحدة الأميركية كقوة قطبية بمقدرات العالم، عرفت عمل الاستخبارات بأنه الحصول على معلومات عن الدول والأشياء الأجنبية، عن الأماكن والأشخاص والأحداث، وكذلك المخترعات أو المكتشفات، وجميعها تحتاج إليها الحكومة الأميركية لأداء وظيفتها.

أما فكرة الذكاء فتشير إلى المعلومات المتعلقة بـ"الأشياء الأجنبية" التي تُجمع بوسائل سرية، والمعلومات المتاحة من خلال الوسائل التقليدية ووفقاً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA فإن "العالم السيبراني" مصطلح يستخدم لوصف الأشياء الجديدة التي أصبحت ممكنة الآن نتيجة لانتشار أجهزة الكمبيوتر والأنظمة والأجهزة المترابطة. وهي تتعلق بمعالجة البيانات أو نقل البيانات أو المعلومات المخزنة في الأنظمة.

ويشمل التجسس الإلكتروني ما يلي:

** الوصول غير المصرح به إلى الأنظمة أو الأجهزة للحصول على المعلومات.

** الهندسة الاجتماعية للأشخاص الذين لديهم تصريح بالوصول إلى الأنظمة أو الأجهزة للحصول على المعلومات.

** شن الهجمات الإلكترونية للحصول على معلومات سياسية وتجارية وعسكرية.

ولا يقتصر التجسس عبر الذكاء الاصطناعي على المجالات العسكرية فحسب، بل يمتد كذلك إلى التجسس الاقتصادي والصناعي، مما يعد تهديداً كبيراً لازدهار أي دولة وأمنها وميزتها التنافسية.

ويعد التجسس الاقتصادي السيبراني أحدث الطرق لسرقة الأسرار التجارية، وللاستيلاء على الملكيات الفكرية، وعادة ما يكون هذا النوع من التجسس أكبر حجماً ونطاقاً، ويشكل استنزافاً كبيراً للميزة التنافسية وحصة السوق.

ويعد الفضاء الإلكتروني المجال التشغيلي المفضل لكثير من الجهات الفاعلة المهددة، بما في ذلك البلدان والجماعات التي ترعاها الدولة والجريمة المنظمة والأفراد، كذلك يقدم الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء نقاط ضعف جديدة.

وعادة ما تتم أنشطة التجسس الإلكترونية من قبل مهاجمين إلكترونيين ترعاهم الحكومات، بهدف توفير المعرفة للدول للحصول على مكاسب سياسية وتجارية وعسكرية.

والسؤال الآن: هل بات العالم على موعد مع عالم الحروب الهجينة؟ وإن كان ذلك كذلك فما أبعاد تلك الحروب؟

البشر والتكنولوجيا... جيل التجسس الهجين

يبدو مفهوم التجسس الهجين، مفهوماً جديداً، إذ لم يكن موجوداً في زمن الحرب العالمية الثانية، إذ تمزج الحرب الهجينة بين الحرب التقليدية والتكتيكات غير النظامية والعمليات السيبرانية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية.

هنا يستغل هذا النهج الطيف الكامل من الأدوات العسكرية وغير العسكرية المتاحة للدولة، مستغلاً العتبات القانونية والمعرفية التي تحدد الحرب. ومن خلال العمل عبر هذه المجالات تسعى الدول المشاركة في الحرب الهجينة إلى تحقيق أهدافها في كثير من الأحيان من دون تجاوز العتبة التي من شأنها أن تؤدي إلى استجابة عسكرية كاملة النطاق من الخصوم.

ويشكل دمج التجسس السيبراني في الحرب الهجينة تحديات كبيرة للدول المستهدفة والمجتمع الدولي، فعلى سبيل المثال الطبيعة السرية للعمليات الإلكترونية تعقد عملية نسب الهجمات إلى جهات فاعلة محددة، وهو تحد رئيس في الاستجابة للتهديدات الهجينة وردعها.

كذلك تستغل الحرب الهجينة الفجوات في القانون الدولي والمعايير الدولية، وبخاصة في الفضاء الإلكتروني، حيث تظل المعايير القانونية الدولية الواضحة وآليات التنفيذ غير متطورة.

كما تتطلب الاستجابة الفعالة للتهديدات الهجينة التنسيق عبر مجالات متعددة عسكرية وسيبرانية واقتصادية وإعلامية، وبين هيئات وطنية ودولية مختلفة، وهو ما قد يكون صعباً من الناحيتين البيروقراطية والفنية.

لكن ماذا عن أهم مكونات حروب التجسس الهجينة الجديدة؟

تشكل عمليات التجسس السيبرانية عنصراً أساساً في استراتيجيات الحرب الهجينة، وهي تشمل مجموعة من الأنشطة تراوح ما بين التجسس السيبراني والهجمات السيبرانية المباشرة ضد البنية الأساس الحيوية، والهدف غالباً هو تعطيل أو إضعاف أو الوصول إلى أنظمة المعلومات المهمة، وخلق مزايا استراتيجية من دون مواجهة مادية.

كذلك تتضمن هذه الحرب الاستخدام الاستراتيجي للمعلومات للتأثير في العدو أو إرباكه أو إضعافه، وغالباً ما تتضمن نشر حملات الدعاية والتضليل، وتستغل وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من منصات الاتصال الرقمية للتلاعب بالإدراك العام وزرع الانقسام داخل مجتمع الخصم.

ومن بين أعمال التجسس السيبراني المدعوم بالذكاء الاصطناعي تأتي عمليات التخريب والإرهاب السيبراني، ويشير هذا المفهوم إلى الأنشطة التي تهدف إلى تعطيل أو تدمير الأداء الموثوق والخالي من الأخطاء لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الفضاء الإلكتروني، واعتماداً على نوع التخريب والهدف المهاجم، قد يكون لهذا أيضاً آثار مادية.

ولا تهدف أعمال التجسس السيبراني عبر الذكاء الاصطناعي إلى التخريب فحسب، بل إلى الترهيب وإظهار القوة، بقصد زعزعة استقرار منظمة أو حتى مجتمع بأكمله.

هل استخدام الذكاء الاصطناعي جديد النشأة بالمرة، أم أنه كانت له بوادر وإرهاصات خلال الحرب الباردة، تلك التي استمرت زهاء أربعة عقود، بين حلف الناتو وحلف وارسو؟

اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الاستخبارات والذكاءات والحرب الباردة

في تقرير مطول صادر عن جامعة "بورتسموث" في بريطانيا بتاريخ مايو (أيار) 2023، يشير البروفيسور ديفيد تاونلي زميل التدريس في الأمن الدولي، إلى أن الدعاية الأخيرة حول برنامج الدردشة الآلي للذكاء الاصطناعي Chat GBT أثارت قدراً كبيراً من القلق العام في شأن نموه وإمكاناته، وقد حظرت بعض الدول الأوروبية أخيراً مثل إيطاليا الإصدار الأحدث، مشيرة إلى مخاوف في شأن الخصوصية بسبب قدرته على استخدام المعلومات من دون إذن.

غير أنه من الواضح أن هذا القلق، وبخاصة لدى الأوروبيين، مغالى فيه، ذلك لأن وكالات الاستخبارات الأميركية، بما في ذلك الـCIA، أي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، المسؤولة عن الاستخبارات الخارجية للولايات المتحدة، ومنظمتها الشقيقة، وكالة الأمن القومي، كانت تستخدم أشكالاً سابقة من الذكاء الاصطناعي منذ بداية الحرب الباردة.

والثابت تاريخياً أنه مع نهاية الحرب الباردة، أُنشئت أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإعادة إنتاج عملية اتخاذ القرار التي يقوم بها الخبراء البشريون لتحليل الصور للمساعدة في تحديد الأهداف المحتملة للإرهابيين، من خلال تحليل المعلومات بمرور الوقت واستخدامها للتوصل إلى توقعات.

تالياً ومع بدايات الألفية الجديدة بدأت كل المنظمات العاملة في مجال الأمن الدولي في جميع أنحاء العالم في استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدتها في العثور على "طرق مبتكرة لاستغلال وإثبات الصلة وضمان صدق المعلومات التي تتعامل معها"، والعهدة هنا على الراوي مدير الاستخبارات الوطنية الأميركي السابق، دان كوتس عام 2017.

ويضيف كوتس أن القيود على الموازنة والقيود البشرية ومستويات المعلومات المتزايدة تجعل من المستحيل على وكالات الاستخبارات إنتاج التحليلات بسرعة كافية لصناع القرار، ومن هنا تظهر الحاجة الماسة إلى الذكاءات الاصطناعية المتعددة.

عام 2019 أصدرت مديرية الاستخبارات الوطنية التي تشرف على عمليات الاستخبارات الأميركية مبادرة تعرف باسم AIM وهي استراتيجية مصممة لإضافة مزيد من الأنشطة الاستخباراتية باستخدام الآلات، مما يمكن وكالات الاستخبارات البشرية بالتعامل مع مهام أخرى.

لقد باتت الآلات تعمل بصورة أسرع من البشر، وربما يكون هذا أمراً جيداً لرجالات السياسة فوق قمة الهرم لأي حكومة حول العالم، وتحديداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

تتزايد الحاجة إلى أدوات الذكاء الاصطناعي اليوم لا سيما في ظل ما يتعرض له الساسة من ضغوط متزايدة لاتخاذ قرارات أسرع من أسلافهم، والسبب هو أن المعلومات باتت متاحة بصورة أسرع من أي وقت مضى.

هنا تشير عالمة الاستخبارات إيمي زيغارت إلى أن جون كينيدي كان لديه 13 يوماً لاتخاذ قرار في شأن مسار العمل في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، بينما كان لدى جورج دبليو بوش 13 ساعة لصياغة الرد على هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001، وقد يكون من الضروري لاحقاً اتخاذ قرار في غضون 13 دقيقة.

لقد باتت الذكاءات الاصطناعية بالفعل اليد اليمني لوكالات الاستخبارات في معالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات، من مجموعة واسعة من المصادر، وهي تفعل ذلك بصورة أسرع وأكثر كفاءة من البشر، لا سيما أنه يمكنها أن تحدد الأنماط في.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

شقيقة زعيم كوريا الشمالية: نزع سلاحنا النووي "حلم يقظة"
منذ ساعتين
مخاوف من تهجير قسري لسكان الفاشر تحت ستار الإخلاء والحماية
منذ ساعتين
لماذا أحرج الرئيس الأميركي نتنياهو بعد دعوة دافئة إلى البيت الأبيض؟
منذ ساعتين
نتنياهو في موقف محرج بالبيت الأبيض... لماذا فشل في تحقيق أي من مطالبه خلال لقائه مع ترمب؟ #نكمن_في_التفاصيل
منذ ساعة
فوضى في الأهرامات... احتجاجات الخيالة تعكر صفو أول يوم في مشروع التطوير السياحي #نكمن_في_التفاصيل
منذ ساعة
المصريون يرقبون غزة ب"عيون خائفة" عليها ومنها
منذ ساعتين
الحوثيون وضعوا واشنطن في مأزق استراتيجي
قناة روسيا اليوم منذ 4 ساعات
خطوات بسيطة للسيطرة على مستوى ضغط الدم
قناة روسيا اليوم منذ 8 ساعات
عواقب استخدام القطرات الأنفية المضيقة للأوعية الدموية لفترة طويلة
قناة روسيا اليوم منذ 5 ساعات
البيت الأبيض يعلن أن الولايات المتحدة رفعت الرسوم الجمركية على الواردات من الصين بنسبة 50%، لتبلغ 104%. #الصين
قناة روسيا اليوم منذ 15 ساعة
اكتشاف مجموعتين من المواد المضافة للأغذية تعمل على تطور داء السكري
قناة روسيا اليوم منذ 4 ساعات
سبب عبقري سيجعلك تعيد استخدام ماء سلق البيض
قناة العربية منذ 7 ساعات
للمرة الثانية.. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقدم الكرسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض #ترامب
قناة روسيا اليوم منذ 23 ساعة
"رفض الزواج منها".. مصرية تقتحم عيادة طبيب وتعتدي عليه #سوشال_سكاي
سكاي نيوز عربية منذ 9 ساعات