قبل شهرين، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنفيذ رؤيته الاقتصادية بشأن فرض رسوم جمركية على بعض الدول، بدءاً بكندا والمكسيك والصين، قبل أن يعصف الطوفان بدول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى بلغت أكثر من 200 دولة وجزيرة وإقليم، فيما وصفه ترامب بـ "يوم التحرير".
وكشف ترامب في مؤتمر صحفي، الأربعاء، بعنوان "استعادة ثراء أمريكا" بالبيت الأبيض، عن رسوم جمركية على معظم دول العالم، جاء أقلها بنسبة 10 في المئة كالضريبة على الواردات من المملكة المتحدة ومعظم الدول العربية.
وتباينت الرسوم على بقية الدول التي لها تعاملات اقتصادية كبيرة مع الولايات المتحدة، من بينها كمبوديا التي كان لها النصيب الأكبر من التعريفات التي بلغت 49 في المئة، وكذلك فيتنام بنسبة 46 في المئة، بما يزيد على الصين التي بلغت الرسوم المفروضة على بضائعها 34 في المئة.
كما أعلن الرئيس الأمريكي فرض تعريفة جمركية على السيارات المصنعة خارج الولايات المتحدة بنسبة 25 في المئة، ابتداءً من منتصف الليل بالتوقيت المحلي.
تأتي القرارات الأمريكية الأخيرة في إطار مواجهة ما وصفه ترامب بالخلل التجاري غير العادل، في إشارة إلى حجم الاستيراد والتصدير في التجارة مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مبدأ المعاملة بالمثل في إشارة إلى أن الدول المفروضة عليها تفرض هي الأخرى ضرائب مماثلة على البضائع الأمريكية الواردة إليها.
قصص مقترحة نهاية
وأعرب ترامب عن تفاؤله بأن تؤدي التعريفات الجمركية الجديدة إلى "نهضة" صناعية أمريكية ووقف استغلال البلاد تجارياً، على حد قوله، ما يراه المحللون إيذاناً باشتعال حرب تجارية عالمية شاملة.
ووصف كين روغوف، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، تقييمه للرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس ترامب في برنامج "تقرير الأعمال العالمي" على قناة بي بي سي قائلاً إن ترامب "ألقى للتو قنبلة نووية على النظام التجاري العالمي".
وتوقع الخبير الاقتصادي أن احتمالات وقوع الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، في حالة ركود قد ارتفعت إلى 50 في المئة على خلفية هذا الإعلان.
ما هي الدول المستهدفة؟ في إعلان الأربعاء، شملت التعريفات الجمركية الجديدة 184 دولة وجزيرة وإقليماً، بخلاف دول الاتحاد الأوروبي الـ27، ما يعني أن معظم دول العالم شملتها الضرائب التي فُرضت بنسبة لا تقل عن 10 في المئة.
في البداية، ومنذ مطلع فبراير/شباط الماضي، أعلنت واشنطن عن جمارك حدودية داخل القارة الأمريكية الشمالية، حيث فُرضت رسوم جمركية على كندا في الشمال والمكسيك في الجنوب.
وشملت الرسوم جمهورية الصين، التي تعد المنافس الشرس للولايات المتحدة، والتي كان ترامب قد شملها في توعّده قبل تنصيبه رئيساً لولاية أمريكية ثانية، حيث قال آنذاك إن التعريفات الجمركية على كندا والمكسيك والصين ستكون أولويته منذ اليوم الأول له في المكتب البيضاوي.
ثم وضع ترامب الاتحاد الأوروبي في دائرة الضوء، حين قال إن الاتحاد الأوروبي يعامل واشنطن "بقسوة بالغة"، مشيراً إلى عجز تجاري أمريكي بقيمة 350 مليار دولار مع الاتحاد الأوروبي، وبناءً على ذلك فرضت عليهم تعريفات جمركية بنسبة 20 في المئة.
وتتمتع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأكبر علاقة تجارية في العالم، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 1.6 تريليون يورو (1.7 تريليون دولار) من السلع والخدمات في عام 2023، أي ما يقرب من 30 في المئة من حجم التجارة العالمية.
كما فرضت الولايات المتحدة ضرائب على العديد من الدول الآسيوية كاليابان وفيتنام وماليزيا وإندونيسيا والهند وباكستان وتايلاند وتايوان.
وكان نصيب إسرائيل وتركيا بنسبة 17 في المئة و10 في المئة على التوالي، بالإضافة إلى ضرائب أخرى متباينة على البرازيل وجنوب أفريقيا وبريطانيا وكوريا الجنوبية وسويسرا.
ولم تخلُ القائمة الطويلة من الدول العربية، التي كان نصيب معظمها 10 في المئة من الضرائب الجمركية، بما يشمل مصر والسودان ولبنان واليمن والسعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين والمغرب وموريتانيا وعُمان وجزر القمر.
أما سوريا فجاء نصيبها بنسبة 41 في المئة، والعراق 39 في المئة، والأردن بنسبة 20 في المئة، في حين فرضت 28 في المئة على تونس، و30 في المئة على الجزائر، و31 في المئة على ليبيا.
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية المحتوى غير متاح
X اطلع على المزيد في بي بي سي ليست مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية. لماذا الدول العربية؟ قبل إعلان ترامب، رجّحت مجلة "واشنطن إكزامينر" وجود احتمال بأن يوسّع الرئيس دونالد ترامب نطاق استراتيجيته التفاوضية بشأن الرسوم الجمركية لتشمل الدول العربية، إذا استمرت في رفض مطالبه بإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين قبل بدء "جهود تطهير غزة".
ونقلت المجلة عن مستشار ترامب للأمن القومي، مايك والتز، في فبراير/شباط، خطة الرسوم الجمركية المحتملة، بعد ساعات فقط من إعلان الرئيس الأمريكي إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن "الولايات المتحدة ستسيطر قريباً على قطاع غزة".
وقال والتز للمجلة الأمريكية: "أعتقد أن الرئيس ترامب يَعُد الرسوم الجمركية أداةً أساسيةً لسياستنا الخارجية".
ويميل إلى هذا التفسير، محمد أويس، الخبير الاقتصادي، الذي يرى أن التعريفات الجمركية الغرض منها هو "خلق حرب تجارية للضغط على دول بعينها لتحقيق أجندة أو أطماع سياسية بدأت من الإدارة الأمريكية الجديدة".
ومع ذلك، قال أويس لبي بي سي إنه يرى أن التأثير على الدول العربية سيكون بشكل "غير مباشر" في إطار الصدى العالمي للقرارات الأمريكية؛ حيث إن الدول العربية "غير معنية"، كما أن الصادرات العربية للولايات المتحدة، باستثناء النفط، ليست بالحجم الكبير مقارنة بالواردات الأمريكية.
وقد بلغ فائض تجارة السلع الأمريكية مع مصر 3.5 مليار دولار في عام 2024 في حين بلغ هذا الفائض مع السعودية 443.3 مليون دولار، بحسب مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة التابع للحكومة الفيدرالية، وبلغ الفائض الأمريكي مع الإمارات 19.5 مليار دولار في العام نفسه.
وهناك عجز تجاري أمريكي مع بعض الدول العربية كالعراق التي بلغت صادراتها 7.4 مليار دولار في عام 2024، مقابل استيرادها من الولايات المتحدة بما قيمته 1.7 مليار دولار، والأردن التي صدرت 3.4 مليار دولار، مقابل استيرادها ما قيمته ملياري دولار.
ومع ذلك، فإن العجز التجاري بين الصادرات والواردات الأمريكية مع هاتين الدولتين لا يُقارَن بأي حال من الأحوال بالفارق الكبير بين الولايات المتحدة وكندا على سبيل المثال، الذي يقدر بنحو 63 مليار دولار.
ويصر محمد أويس على أن التأثير المباشر سيكون "محدوداً" على الدول العربية، مقارنة بالتأثير "غير المباشر" نتيجة "موجات تضخمية عنيفة" لدى الدول المعنية بالقرارات في ضوء الحرب التجارية، ما سيؤدي بالتالي إلى ارتفاع أسعار العديد من المنتجات التي تستوردها الدول العربية.
فعلى سبيل المثال، لو احتاجت واشنطن إلى المادة الخام من بكين أو العكس لصناعة ما، وفي ظل الضرائب المتبادلة بين الدولتين، سيكون المنتج النهائي بسعر أعلى قبل تصديره للدول العربية بسعر باهظ.
وأكد أويس على أن القرارات الأمريكية الجديدة التي تشمل الدول العربية، لم ترتكز في أصلها على فارق الفائض بين الصادرات والواردات كالدول الأوروبية، بل على مبدأ "المعاملة بالمثل".
وضرب أويس مثالاً بمصر التي كانت تتمتع بإعفاءات جمركية طبقاً لاتفاقية "الكويز"، لا سيما فيما يتعلق بالملابس التي تصدرها مصر إلى الولايات المتحدة بما يقدر بـ 1.1 مليار دولار، ومع ذلك، كانت تفرض ضرائب بنسبة 10 في المئة على البضائع الأمريكية المستوردة، ما دفع واشنطن إلى مبدأ "المعاملة بالمثل".
أما بالنسبة للإمارات، فيشرح الخبير الاقتصادي أنها تضع ضريبة جمركية على البضائع العامة بنسبة 5 في المئة، بالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة بالنسبة ذاتها، إلى جانب ضريبة بنسبة 50 في المئة على الكحوليات و100 في المئة على التبغ.
تغيير الخريطة التجارية العالمية بحسب أويس، فإن الإمارات والسعودية والكويت ستكون الأشد تضرراً من القرارات الأمريكية، بحكم حجم تعاملاتها التجارية مع الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن الأمر يعتمد على ما إن كان القرار يشمل المنتجات النفطية أم لا، لا سيما وأن معظم تلك الدول تعتمد في صادراتها على البترول.
كما أن حجم الصادرات الأمريكية للدول العربية "صغير جداً إلى الدرجة التي لن تؤدي إلى "موجات تضخم عنيفة" داخل تلك الدول، وذلك بالمقارنة بالدول الأخرى، كالصين والاتحاد الأوروبي، التي تتمتع بتعاملات ضخمة مع الولايات المتحدة تشمل التكنولوجيا والسيارات.
ويتوقع الخبير الاقتصادي أن تؤدي القرارات الأمريكية إلى زيادة الشراكات التجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، رغم التوترات السياسية، لتكون بديلاً عن السوق الأمريكية، ما قد يفرض "اتفاقية تجارية جديدة على العالم أجمع"، ويتمخض عن "تغيير في شكل الخريطة التجارية والاقتصادية العالمية"، بما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى عزل الولايات المتحدة تجارياً.
ووصف أويس قرارات ترامب الأخيرة بأنها تشكل "لعبة في غاية الخطورة؛ فإما أن يفرض السيطرة الأمريكية بشكل كبير بما يُظهر قوة الولايات المتحدة أمام القوى العالمية، أو أن يفقد السيطرة الاقتصادية الأمريكية للأبد".
ولفت إلى ما يراه "تهديداً كبيراً" للدولار الأمريكي، لو قررت دول "البريكس" التداول بعملة غير الدولار، لا سيما وأن تلك الدول تشكل 25 في المئة من سكان العالم، وهي دول استهلاكية في معظمها. وإذا ما أضيف إلى ذلك تحالف بين "البريكس" ودول الاتحاد الأوروبي التي تتداول فيما بينها باليورو، فإن الأمر سيكون في غاية الخطورة على الاقتصاد الأمريكي.
هذا فضلاً عن تأثير القرارات الأمريكية على الداخل الأمريكي الذي يعتمد في الكثير من المواد الأولية على مصانع خارج البلاد، ما يحتم حدوث موجة تضخمية عنيفة داخل البلاد، وركود تضخمي عالمي عنيف، إلى جانب تأثير القرارات على البورصة الأمريكية التي انخفضت مؤشراتها فور القرارات الأخيرة.
ووصف محللون في شركة "ويدبوش" للأوراق المالية، وهي شركة استثمار ووساطة كبرى في وول ستريت، سلسلة الرسوم الجمركية بأنها "أسوأ من أسوأ سيناريو" كان يخشاه الكثيرون في عالم المال.
وقالوا إن الرسوم الجمركية البالغة 34 في المئة على السلع الصينية كانت "صادمة"، وإن الرسوم الجمركية البالغة 32 في المئة على تايوان و20 في المئة على الاتحاد الأوروبي كانت "ضخمة" أيضاً.
وانتقد الخبير الاقتصادي ما يُقال عن أن القرارات ستؤدي إلى 600 مليار دولار داخل الخزانة الأمريكية كعائدات جمارك، ما يستند إلى "افتراض غير دقيق" بأن حجم التجارة والطلب داخل السوق الأمريكية سيظل على حاله بعد تطبيق الرسوم الجمركية دونما تغيير، على الرغم من أن المنطق يشير إلى حدوث زيادة في البحث عن بدائل، مع عدم دخول البضائع بالكثافة ذاتها.
هناك.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي