شكَّلت الدراما الرمضانيةُ ملهىً مُعتبرًا، قادرًا على جذب انتباهِ جُمهور عريض؛ يشاهد وينتقد، يُعين أفضلَ الأعمال وأسوأها، مَحاسنها وسقطاتها، أبطالها الذين نجحوا فى الاختبار والذين رَسبوا، وكذلك الذين أثبتوا وجودَهم وهم بعد حديثو العهد بالتمثيل. الكمُّ المهول الذى توجَّبت متابعتُه إن أراد المرءُ الإلمام بمحتويات الخريطة العامرة بصنوف شتَّى؛ لكفيل بتشتيت التركيز، وحَجب أى حدثٍ آخر عن الأعين مهمًا كان مُزلزِلًا قاصِمًا.
المَلهى اسمُ مكان مُشتقٌّ من الفعل لها؛ أى لعبَ وتسلى، الفاعلُ لاهٍ والمفعول مَلهىٌّ عنه وبه، والمَصدر هو اللَّهو، ويشير الفعلُ تلهَّى -بتشديد الهاء- إلى الانشغال بأمر ما، وبالمثل إذا ألهى الواحد نفسه؛ فقد وجه انتباهه إلى شىءٍ دون غيره.
بين الحين والآخر، تقوم بعضُ الأنظمةُ السياسية بإلهاءِ الشُّعوب، وصَرف اهتمامها عن حدَث لا يُحبَّذ تسليطُ الضوءِ عليه وذاك مَسلكٌ مُعتاد وقديم، تلخِصُه عبارةٌ قصيرةٌ ثاقبة: «بُصّ العصفُورة». يعرفُ مُعظم الناسِ المعنى الذى تشير إليه العبارة، مع هذا لا ينفكّ أغلبُهم يَسقط فى حبائلِها مرةً بعد أخرى.
قدم فيلم «كباريه» مُجتمع المَلهى الليلى فى عمل متميز بالغ التأثير، وقد قادَ المخرج سامح عبد العزيز المُشاهدين إلى حال غير متوقَّعة من التعاطُف مع جُموع البشر المُتحركة داخل المكان؛ رغم الصُّورة الذهنية الشائنة التى تلتصق به. لم تكن المَواقف التى سَلطَ سيناريو أحمد عبد الله الضوءَ عليها؛ سوى شبكة متينة وعميقة من العلاقات الإنسانية المُعقدة، ولم يكن المَلهى بذاته إلا نموذجًا مُصغَّرًا للواقع المُعاش خارج أبوابه.
مثلت ملاهى أدهم الواقعة فى حى هليوبوليس ملعبًا أثيرًا من ملاعب الطفولة. شهدت على افتتاننا صغارًا بالعربات المُتصادِمة والأحصنة المُتحركة، وعلى مُحاولاتنا المُستمِيتة اصطيادِ الأسماكِ الخشبيَّة؛ العائمة على سَطح المياه الضَّحلة. شهدت أيضًا على المَكاسب الصَّغيرة المُبهِجة، والمُنافسات العفوية التى قامت بيننا وعكست مشاعرنا الغضَّة المُتحمسة. أغلقت المَلاهى أبوابَها منذ أعوام خَلت، وجمُدت مِن ثمّ على حالها. طالعتُها وهى تشيخ ويبلى بهاؤها بمرور الأيام؛ لا تستَعيد نشاطها الأصلى، ولا تتحوَّل إلى نشاطٍ آخر مُقارِب، والظنُّ أن مُحتواها من الألعاب العتيقة التى عفا عليها الزَّمن؛ يؤهلها كى تصبحَ مزارًا جاذبًا، مُتفردًا، وحافلًا بالذكريات. ظهر لاحقًا عدد من الملاهى الأكثر حداثة وتقدمًا؛ لكن أيها لم يستثِر ذاك الحنينَ الغامرَ لمرتِع الشقاوة ومَوطِن الأحلام الساذجة.
بعضُ المرَّات يجد المرءُ نفسَه فى كربٍ عظيم لا يُرى منه مَخرجٌ، يحاول أن يلهّىَ نفسَه عن الشعور بالتوتُّر الشديد، وأن يصرفَ ذهنَه عن كللِ القَّدح والتفكير؛ فيلجأ لوسائل مُتعددة عسى إحداها أن تفلح. قد يبحث عن فيلمٍ رائق ويمضى معه إلى زَمن الأبيضِ والأسود، أو يَتواصل مع صديق عبر الهاتف فيثرثر قليلًا.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من جريدة الشروق