استغرقت الحرب التجارية التي خاضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعواماً من التحضير، لكن تفاصيلها النهائية لم تتبلور إلا في اللحظات الأخيرة.
ففي الساعات القليلة التي سبقت إعلان ترمب عن خطته الجديدة للرسوم الجمركية، كان فريقه لا يزال يعمل بوتيرة محمومة على صقل الجوانب الأساسية للخطة، بما في ذلك حجم الرسوم ونطاقها، والطريقة المثلى لتقديمها للرأي العام الأميركي، إلى جانب توضيح أهدافها الجوهرية.
لم تُحسم القرارات المصيرية المتعلقة بهيكلة الرسوم إلا في اللحظات الأخيرة، حتى مع بدء استدعاء عمال قطاعي الصلب والسيارات إلى حديقة الزهور في البيت الأبيض لحضور مراسم الكشف عن الخطة.
بالنظر إلى أن هذه السياسة كانت من أبرز ما روج له ترمب لأشهر خلال حملته الانتخابية، وتعهد بتنفيذها على نحو عاجل كعنصر أساسي في أجندته الاقتصادية، فإن حالة الفوضى التي أحاطت بإطلاقها بدت أمراً حتمياً لا يمكن تجنبه.
في حفل أُقيم بعد ظهر الأربعاء، عرض ترمب معدلات الرسوم الجمركية المفروضة على الدول برفع لافتة في حديقة الزهور، غير أن وثائق رسمية نُشرت لاحقاً في تلك الليلة كشفت عن معدلات أعلى طالت أكثر من اثنتي عشرة دولة. وتمت إزالة العرض السابق الذي تضمن المستويات الأولى من غرفة الإحاطة الصحفية في البيت الأبيض. لكن مع حلول عصر الخميس، أصدرت الإدارة الأميركية توجيهات جديدة أعادت فيها اعتماد المعدلات المعلنة سابقاً في حديقة الزهور.
عندما سُئل وزير الخزانة سكوت بيسنت خلال مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" يوم الأربعاء عن سبب استبعاد دول مثل كندا والمكسيك من الجداول، أجاب بكل صراحة: "لست متأكداً".
الرسوم الجمركية تُربك العالم
هذا المشهد المحموم داخل البيت الأبيض، الذي رافق واحدة من أبرز اللحظات المفصلية في الولاية الثانية للرئيس ترمب، ساهم في تعميق حالة الارتباك والفوضى على الصعيد الدولي. فقد وجدت العواصم الأجنبية وكبار المديرين التنفيذيين أنفسهم أمام تحدٍ صعب يتمثل في كيفية الرد على أكبر زيادة في الرسوم الجمركية الأميركية منذ قرن، والتي شكلت ضربة قوية للعولمة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، والتي لطالما انتقدها ترمب واعتبرها غير منصفة للولايات المتحدة.
قد تعكس بعض الاضطرابات حقيقة أن السياسة الجديدة صيغت إلى حد كبير داخل حلقة ضيقة من المقربين الموثوقين، الذين شجعوا اندفاعات الرئيس الأميركي. وقد ضمت هذه الدائرة الصغيرة وزير التجارة هوارد لوتنيك، والمستشار البارز بيتر نافارو، الذي أثبت ولاءه لترمب من خلال قضائه حكماً بالسجن الفيدرالي لمدة أربعة أشهر على خلفية التحقيق في أحداث التمرد التي شهدها مبنى الكابيتول الأميركي في 6 يناير 2021.
في المقابل، غابت عن المشهد الأصوات المؤيدة للتجارة الحرة التي كانت تحظى بنفوذ في ولاية ترمب الأولى، والتي كانت مستعدة لمعارضة قراراته ومحاولة التأثير عليها. ورغم استعانة ترمب بخبراء مثل الممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير للمساعدة في تنفيذ أجندته السياسية، إلا أن الطريقة التي اعتمدتها الإدارة في احتساب معدلات الرسوم المتبادلة أثارت الكثير من الدهشة داخل أروقة وول ستريت.
انهيار سوق الأسهم
تكبدت أسواق الأسهم خسائر حادة يوم الخميس عقب إعلان الرئيس، حيث فقد مؤشر "إس آند بي 500" نحو 2.5 تريليون دولار من قيمته السوقية، في أسوأ أداء يومي له منذ عام 2020. وبينما دعا بعض القادة الأوروبيين إلى ردّ حازم، فضّل آخرون في آسيا التريث أملاً في التفاوض على خفض الرسوم الجمركية.
ومع تزايد حدة التداعيات الاقتصادية المباشرة، قدم ترمب وفريقه رسائل متباينة بشأن إمكانية تقديم تخفيف للرسوم الجمركية.
فقد استهان ترمب يوم الخميس برفض الأسواق لخطته، قائلاً إنه يرى أن الأمور "تسير بشكل جيد"، ووصف قراره بفرض الرسوم بأنه أشبه بإجراء عملية جراحية لمريض في وضع صحي حرج.
على متن الطائرة الرئاسية "إير فورس وان" وأثناء توجهه إلى فلوريدا، حيث كان يعتزم تناول العشاء مع أعضاء من دوري "ليف غولف" المدعوم من السعودية، أعرب ترمب عن انفتاحه على خفض الرسوم الجمركية إذا ما قدمت له الدول الأخرى شيئاً "استثنائياً".
جاء هذا التصريح بعد ساعات فقط من تمسّك كبار مستشاريه بموقف حازم يؤكد أن تقديم أي إعفاءات ليس وارداً على الإطلاق. ففي وقت مبكر من يوم الخميس، نفى لوتنيك احتمال أي تخفيف، مؤكداً في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" أن الرئيس "لن.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg