مِن مَزَايَا شِعْرِ أَبِي الطَّيِّبِ؛ إِرْسَالُ المَثَلِ فِي أَنْصَافِ الأَبْيَاتِ. وَفِي هَذِهِ الحَلْقَةِ نَسْتَعْرِضُ جُمْلَةً مِنْ أَعْجَازِ أَبْيَاتِ المُتَنَبِّي، الَّتِي ذَهَبَتْ أَمْثَالاً سَائِرَةً.
(116) إِذَا عَظُمَ المَطلُوبُ قَلَّ المُسَاعِدُ
كُلَّمَا كَانَ الأَمْرُ أَكْبَرَ، وَالمَقْصُودُ أَجَلَّ، تَسَاقَطَ أَمَامَ ضَخَامَتِهِ، المُؤَهَّلُونَ لِلمُسَاعَدَةِ، وَالمُسْتَعِدُّونَ لِلمُسَانَدَةِ.
كِبَارُ الأُمُورِ، يَتَضَاءَلُ أَمَامَهَا النَّاسُ، وَيَصْدُقُونَ فِي تَقْدِيرِ أَنْفُسِهِم، عَاجِزِينَ عَنِ المُنَاصَرَةِ فِي المَطْلُوبِ العَظِيمِ، وَكَأَنَّهُمْ يَتَمَثَّلُونَ بَيْتَ أَبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي، القَائِلِ:
وتَعْظُمُ فِي عَينِ الصَّغِيرِ صِغَارُهَا وتَصْغُرُ فِي عَينِ العَظِيمِ العَظَائِمُ
وَإِذَا كَانَتِ الصِّغَارُ تَعْظُمُ فِي عَينِ الصَّغِيرِ، فَمَا بَالُكَ بِالكِبَارِ؟!
وَإِذَا عَلِمَ العَاقِلُ أَنَّ المَطْلُوبَ العَظِيمَ يَقِلُّ فِيهِ المُسَاعِدُ، فَمِن كَمَالِ عَقْلِهِ أَلَّا يَبْحَثَ عَنْ مُسَاعَدَةِ أَحَدٍ غَيْرِ نَفْسِهِ، مُسْتَعِيناً عَلَى قَضَاءِ الأُمُورِ العَظِيمَةِ بِاللهِ وَحْدَهُ، مُتَذَكِّراً قَوْلَ أَبِي الطَّيِّبِ:
وإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبَاراً ** تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الأَجْسَامُ
(117) أنَا الغَريقُ فَما خَوفي مِنَ البَلَلِ
وَهَذَا الشَّطْرُ مِن بَيْتِ أَبِي الطَّيِّبِ، وَضَعَ فِيهِ مَعْنًى بَلِيغًا بَدِيعًا، بِتَعْبِيرٍ جَلِيلٍ جَمِيلٍ، بَلَغَ فِي الحُسْنِ الغَايَةَ.
وَهُوَ مِنَ الأَعْجَازِ الَّتِي سَارَتْ أَمْثَالًا، وَيُعْتَبَرُ مِنْ قَلَائِدِ أَعْجَازِ المُتَنَبِّي.
يَقُولُ: إِنَّ المَصَائِبَ يُخَفِّفُ بَعْضُهَا بَعْضًا...
وَالبَلَلُ يَخَافُهُ مَنْ يَكُونُ بَعِيدًا عَنِ المَاءِ، جَسَدُهُ وَمَلْبَسُهُ جَافَّانِ، أَمَّا إِذَا حَلَّتْ بِأَحَدٍ مِصِيبَةُ الغَرَقِ، فَلَا يَعْنِي البَلَلُ لَهُ عِنْدَ الغَرَقِ شَيْئًا.
فَقَدْ خَفَّفَتْ مِصِيبَةُ الغَرَقِ مِصِيبَةَ البَلَلِ، بَلْ أَلْغَتْهَا وَقَضَتْ عَلَيْهَا وَأَنْهَتْهَا.
المَصَائِبُ كَأَسْمَاكِ البَحْرِ، يَأْكُلُ الكَبِيرُ مِنْهَا الصَّغِيرَ، وعَقْلُ الإِنْسَانِ تَحْتَلُّهُ وَتُسَيْطِرُ عَلَى اهْتِمَامِهِ القَضَايَا الكُبْرَى، وَالذِّهْنُ يَنْشَغِلُ بِهَمٍّ صَغِيرٍ كَالبَلَلِ، حَتَّى إِذَا جَاءَهُ هَمٌّ أَكْبَرُ مِنْهُ وَأَضْخَمُ، كَالغَرَقِ، انْصَرَفَ الذِّهْنُ عَنِ الهَمِّ الصَّغِيرِ تَمَاماً، بِمَا حَلَّ فِيهِ مِنْ هَمٍّ أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ.
قَالَ الوَاحِدِيُّ: وَهَذَا مِنْ قَوْلِ بَشَّارٍ:
كمُزِيلٍ رِجْلَيْهِ عَنْ بَلَلِ القَطْـ ** ــرِ ومَا حَوْلَهُ مِنَ الأرْضِ بَحْرُ
قُلْتُ: وَقَولُ أَبِي الطَّيِّبِ.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاتحاد الإماراتية