في ظل السياسات الحمائية التي تتّبعها الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب، عاد الحديث بقوة عن الكساد الكبير، الكارثة الاقتصادية الأمريكية في القرن الماضي التي غالباً ما تُستدعى عند كل أزمة عالمية كبرى.
وبينما يرى فريق من الأمريكيين أن سياسة فرض تعريفات جمركية واسعة ستعود بالنفع على اقتصاد بلادهم، فإن هناك من بالغ في التشاؤم واستحضر ما حدث قبل أكثر من تسعين عاماً، حين انهار كل شيء فجأة.
شرارة الانهيار في خريف عام 1929، اشتعلت الأزمة. شهدت بورصة وول ستريت، قلب النظام المالي الأميركي، انهياراً مفاجئاً يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر، في ما عُرف لاحقاً بـ"الخميس الأسود". خلال خمسة أيام فقط، خسرت السوق أكثر من 30% من قيمتها. ليفقد مئات الآلاف مدّخراتهم، ويتحوّل الرخاء المفترض إلى قلق جماعي..
لم يأتِ هذا الانهيار من فراغ، بل سبقته مرحلة عُرفت بـ"العشرينيات الهادرة" (Roaring Twenties)، والتي امتدت من نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918 حتى عام 1929. شهدت خلالها الولايات المتحدة طفرة اقتصادية هائلة، إذ تضاعف خلالها الإنتاج الصناعي، وانتشرت السيارات وأجهزة الراديو، وتوسّعت مشاريع البناء، بينما ازدهرت سوق الأسهم على نحو غير مسبوق.
في مقابلة مع بي بي سي عربي، يوضح الدكتور لويس حبيقة، الخبير الاقتصادي والمستشار السابق في البنك الدولي، أن القطاع الخاص هو من قاد تلك الطفرة؛ إذ ارتفع عدد الطلاب، وزاد الاستهلاك، وظهرت سلع جديدة في الأسواق.
لكنه يضيف أن هذه الاستثمارات لم تُوزع كما ينبغي، بل وُجِّهت بطريقة تُمهّد العالم لحرب أخرى، مما جعل النمو هشا ومعرضا للانهيار.
بعد الحرب، بقيت كميات كبيرة من الأموال مجمّدة في المصارف والمنازل، وبدأ الناس يبحثون عن وسائل لتحريكها. بدت البورصة المساحة المثالية لتحقيق أرباح سريعة، فتحوّل السوق المالي إلى وسيلة رئيسية لتحريك رأس المال، وارتفعت الحماسة تجاه الأسهم.
يشرح حبيقة أن الإقبال لم يكن محصورا بالأسهم، بل شمل السلع المنزلية وأنواعا مختلفة من الاستثمارات. حتى الاقتراض بغرض الاستثمار أصبح شائعا، مما عزّز فقاعة السوق. ومع حلول تشرين الأول/أكتوبر، بدأ كبار المستثمرين بالانسحاب، فانهارت الأسعار.
توسّع الانهيار مع دخول الثلاثينيات، تجاوزت الأزمة حدود البورصة. سحب الأميركيون أموالهم من البنوك. انهار أكثر من 8000 بنك بين عامي 1930 و1933. توقّفت آلاف المصانع، وبلغت البطالة ربع السكان. انهارت أسعار المحاصيل، وخسر المزارعون أراضيهم.
ظهرت "مدن الصفيح " (Hoovervilles) نسبة إلى الرئيس هربرت هوفر، الذي لم ينجح في اتخاذ إجراءات فعالة. الأزمة لم تبقَ داخل الولايات المتحدة. ألمانيا، التي كانت تعتمد على القروض الأميركية لتغطية تعويضات الحرب، واجهت انهيارا اقتصاديا. الديمقراطية الألمانية انهارت، وصعدت النازية عام 1933.
في بريطانيا، انخفضت قيمة الجنيه عام 1931، وأُغلقت المصانع، وتقلّصت التجارة. أما في المستعمرات، فانهار الطلب على السلع الزراعية، وتزايد التهميش.
ويؤكد الدكتور حبيقة أن الأزمة لم تكن مجرد انهيار مالي، بل أزمة بنيوية ناتجة عن تراكب الحروب، وسوء الإدارة الاقتصادية، والمنافسة، وهي الأسباب التي قادت في النهاية إلى اندلاع الحرب العالمية.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي





