ثمة حقيقة اقتصادية قلّما يتحدث عنها معارضو الوقود الأحفوري تتمثل في أن قطاع النفط الأميركي ساهم أكثر من أي قطاع آخر في تقليص العجز التجاري للولايات المتحدة.
بفضل الحظ الجيولوجي، والبراعة الهندسية، والرأسمالية الذكية، حوّلت ثورة النفط الصخري ما كان قبل عقدين عجزاً في تجارة النفط يُقدّر بنحو 400 مليار دولار سنوياً إلى فائض بلغ 45 مليار دولار في عام 2024. والآن، يبدو أن الرئيس دونالد ترمب، الذي يُفترض أنه المدافع الأول عن شعار "احفروا، احفروا، احفروا"، يخاطر بمحو هذه المكاسب.
تدفع الإدارة الأميركية حالياً أسعار النفط نحو مستوى 50 دولاراً للبرميل، وربما أقل إذا ما صُدّقت تصريحات القيصر التجاري الأميركي بيتر نافارو، رغم صعوبة ذلك. ومع هبوط أسعار النفط بنسبة 17% خلال أسبوع، كان وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت يظهر على شاشات التلفزيون مشجعاً لانهيار الأسعار. جزء من هذا التراجع يُعدّ ضرراً جانبياً ناجماً عن دراما الرسوم الجمركية في الأيام الأخيرة، لكن الجزء الآخر يحمل بصمات واضحة لإدارة ترمب، والمتمثلة في ممارسة ضغوط دبلوماسية على تحالف "أوبك+" لزيادة الإنتاج.
محاولات تخفيف التضخم الناجم عن الحرب التجارية
تبدو إدارة ترمب مدفوعة بمحاولة يائسة للتخفيف من الأثر التضخمي الناجم عن الحرب التجارية عبر خفض أسعار النفط. ومع ذلك، فإن سعر 50 دولاراً للبرميل ستكون له نتيجة كلية أخرى: توسيع العجز التجاري الذي يسعى ترمب لتقليصه. شعار "احفروا، احفروا، احفروا" غير مُجدٍ عند سعر 50 دولاراً للبرميل، وإذا لم تحفر الولايات المتحدة، فستضطر للاستيراد.
يوم الأربعاء، لامس خام "غرب تكساس الوسيط" أدنى مستوى له في أربع سنوات عند 55.12 دولار للبرميل، قبل أن يتعافى إلى نحو 60 دولاراً بعد أن غيّر ترمب موقفه في الحرب التجارية. ومع ذلك، فإن كثيراً من الضرر قد وقع بالفعل.
لفهم مدى خطورة الموقف، يُفضل الاستشهاد بما حدث في عام 2008، خلال الولاية الثانية للرئيس جورج بوش الابن. آنذاك، كان العجز التجاري الأميركي يقارب 800 مليار دولار سنوياً. ما يقرب من نصف هذا الرقم، وتحديداً 386 مليار دولار، كان نتيجة العجز في تجارة النفط. يتضح حجم هذا العجز إذا ما اعتُبر دولة بحد ذاته، إذ كان يُقارب في حجمه العجز التجاري الأميركي مع الصين في أقصى مستوياته.
مع تراجع الإنتاج المحلي، بلغ صافي الاستيراد اليومي للولايات المتحدة تستورد أكثر من 11 مليون برميل من النفط الخام والمشتقات المكررة. وكما قال بوش عبارته الشهيرة: كانت أميركا "مدمنة" على النفط الأجنبي.
ثم جاءت ثورة النفط الصخري.
قضى المنتجون الأميركيون المستقلون سنوات في تجريب طرق لاستخراج النفط من مصدر جديد وهو التكوينات الصخرية الزيتية. بالنسبة إلى الشخص العادي، تبدو تلك الصخور مثل حلوى "تيراميسو"، بطبقات رقيقة من الصخور المنتجة لكن صعبة الاستخراج، ومحصورة بين طبقات غير منتجة. بحلول منتصف العقد الأول من الألفية، اكتشف المهندسون طريقة للاستفادة من هذه الثروات: حفر آبار عمودية على عمق عدة أميال داخل التيراميسو، ثم تغيير زاوية الحفر 90 درجة للاستمرار أفقياً، واليوم، يمكن أن يمتد الحفر الأفقي لمسافة 20 ألف قدم، أي نحو 6 آلاف متر. تصل تلك الآبار على شكل حرف "L" إلى الطبقات المنتجة. ثم تبدأ عملية التكسير.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg