التقى رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني، الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، خلال منتدى أنطاليا الدبلوماسي الرابع، الذي انطلقت أعماله في العاشر من أبريل الحالي. وأعلنت رئاسة إقليم كردستان، في بيان لها أن بارزاني والشرع بحثا مستقبل العلاقات بين إقليم كردستان و سوريا، على أساس حسن الجوار والمصالح المشتركة، وضرورة محاربة خطر "داعش".

وأشاد بارزاني بآراء الرئيس السوري، معرباً عن أهمية السلام والاستقرار في البلاد والحل السياسي للمشاكل بما يضمن حقوق كافة المكونات خصوصا الشعب الكردي في سوريا، وفي المقابل أكد الشرع على رغبة بلاده بإقامة علاقات قوية مع إقليم كردستان بما يخدم مصلحة الجانبين ويسهم في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

الوساطة بين كرد سوريا والشرع ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، يلعب إقليم كردستان دور الوساطة بين كرد سوريا والإدارة السورية الجديدة التي يترأسها أحمد الشرع، حيث استقبل زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، منتصف يناير الماضي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في أربيل.

ودعا مسعود بارزاني، الكرد في سوريا إلى اتباع العملية السياسية السلمية، والجلوس على طاولة الحوار مع الحكومة السورية الجديدة، ونجحت وساطة كردستان في تقريب وجهات النظر السورية السورية، حيث أعلنت الرئاسة السورية في الأسبوع الأول من شهر مارس 2025، عن توقيع اتفاق بين عبدي والشرع يقضي باندماج قوات سوريا الديمقراطية مع مؤسسات الجمهورية العربية السورية.

ويرى مراقبوان، أن لقاء نيجرفان بارزاني بالشرع في أنطاليا، يحمل أبعاداً سياسية مهمة، خصوصا بعد نجاح الوساطة الكردية التي قادها مسعود بارزاني وترحيبه بكلمة الشرع التي أكد خلالها على أهمية كرد سوريا في النسيج الاجتماعي السوري وضرورة حصولهم على حقوقهم القومية المشروعة.

لقاء تاريخي بين الشرع وبارزاني ويرى المحلل السياسي، محمد زنكنة، أن لقاء الرئيس نيجرفان بارزاني مع نظريه السوري، مهم جداً كونه جمع قمة السلطة السياسية والعسكرية في إقليم كردستان مع قمة سلطة الأمر الواقع في سوريا، هنا نتحدث عن الشخصية المعنوية لمنصب أحمد الشرع، وضرورة إيجاد طرق للحوار والاتفاق حول العديد من المسائل المشتركة.

وعن الأسباب التي دفعت بارزاني للقاء الشرع، يشرح زنكنة:

يوجد أكثر من ربع مليون لاجئ كردي سوري في إقليم كردستان، ومناطق حدودية بين البلدين تشهد توترات أمنية متصاعدة، إضافة إلى القضية الكردية السورية، اليوم أحمد الشرع بيده مقاليد الحكم، لذلك حلحلة هذه المسائل وفتح صفحة جديدة من العلاقات بين الجانبين، جميعها تشكّل أهمية بالغة للقاء والحوار.

وحقق اللقاء، بحسب زنكنة، آثاراً معنوية إيجابية على نفسية الكرد في سوريا، يقول زنكنة:

مازال كرد سوريا يعانون من التهميش، حيث أن أكثر من عملية سياسية حصلت في سوريا منها الإعلان الدستوري و تشكيل الحكومة في إطار الدولة، لم يكن للجانب الكردي دوراً فيها.

لذلك نقول أن هذا اللقاء سيسهم في حل القضية الكردية السورية، خصوصاً أن بارزاني طالب الشرع أن تنظر الحكومة السورية لكرد سوريا بعين المواطنة والمساواة وألا تتكرر أخطاء الماضي.

احتجاجات ضد الإعلان الدستوري وكانت مناطق شمال وشرق سوريا، شهدت تظاهرات حاشدة منتصف مارس الماضي، احتجاجاً على الإعلان الدستوري الذي صادق عليه أحمد الشرع، والذي احتفظ باللغة العربية كلغة رسمية ووحيدة للبلاد وتجاهل اللغة الكردية، ولم يذكر صراحة حقوق الكرد و الأقليات الدرزية والعلوية والمسيحية في البلاد.

ورغم أن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، لم يلتق الشرع بعد، إلا أنه أجرى اتصالاً هاتفياً مباشراً معه بداية شهر أبريل، ما دفع مراقبون لتحليل لقاء بارزاني بالشرع في أنطاليا، على أنه جسراً لمروره إلى بغداد عبر أربيل، يعلّق زنكنة بالقول:

زيارة الشرع للعراق منوطة بالتنسيق الدبلوماسي بين بغداد ودمشق، وتطبيع العلاقات بينهما بعد سقوط النظام السوري السابق الذي كان حليفاً لبغداد، إذاً من غير الممكن أن يزور الشرع أربيل قبل مروره على بغداد.

لن تكون هناك علاقات إيجابية بين أربيل ودمشق على حساب الصلاحيات الدبلوماسية الحصرية للحكومة الاتحادية، لكن من الممكن أن يفتح هذا اللقاء طريقاً لزيارة مرتقبة لبغداد، خصوصاً أن القمة العربية لم توجه بعد أي دعوة رسمية للشرع للمشاركة، رغم وجود المقعد السوري.

وحول ثقة إقليم كردستان بالشرع، رغم ماضيه غير المتفق عليه في العراق، يؤكد زنكنة، أن الشرع رئيس بحكم الأمر الواقع، ليس رئيساً منتخباً أو مُستفتى عليه جماهيراً، ولم يكن رئيساً من خلال ثورة جماهيرية شعبية، بل رئيس بحكم الأمر الواقع بعد سقوط نظام بشار الأسد، إذا تعامل أربيل مع أحمد الشرع ليس مع شخصه أو مع أبو محمد الجولاني سابقاً، بل مع شخصية اعتبارية تمثّل الدولة السورية أياً كانت هذه الشخصية.

وحول علاقة الشرع بملف الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين في سنجار، يوضح زنكنة:

عندما تكون هناك محكمة دولية خاصة بملف سنجار محايدة ومستقلة تشارك فيها الدولة العراقية، إن تشكلت هذه المحكمة الخاصة وأدانت أحمد الشرع أو أبو محمد الجولاني، في ذلك الوقت سيكون لإقليم كردستان كلمة حاسمة وموقف مختلف.

بغداد تراقب وتراقب بغداد تحركات أربيل السياسية، رغم تأكيد الحكومة العراقية أنها تسعى لإقامة علاقات جديدة مع الحكومة السورية الانتقالية، إلا أن خطواتها ما زالت خجولة، ومخاوفها ما زالت واضحة، حيث تضاربت الأنباء حول توجيه بغداد دعوة رسمية للشرع لحضور القمة العربية المزمع عقدها في مايو المقبل. بينما لم تنف الحكومة العراقية ولم تؤكد ذلك.

ويقول الباحث السياسي عباس غدير لمنصة "المشهد"، إن الحكومة العراقية تتطلع لبناء علاقات مع الجانب السوري على أساس احترام المصالح المشتركة لكلا البلدين، هذا ما تسعى إليه أيضاً حكومة إقليم كردستان، لذلك نقول إن لقاء الرئيس نيجرفان بارزاني مع الشرع هو ضمن السياسة الواحدة لأربيل وبغداد باللجوء إلى الحوار وحل القضايا العالقة والمشتركة بين البلدين.

ويؤكد غدير، أن المخاوف العراقية التي وضعها الجانب العراقي متمثلاً برئيس جهاز المخابرات العراقية حميد الشطري على طاولة الرئيس السوري أحمد الشرع ما زالت موجودة، بالتالي عندما تتبدد هذه المخاوف نعتقد أنه لا يوجد مشكلة في بناء علاقات سورية عراقية. ومن الممكن حينها أن تكون زيارة الشرع للقمة العربية في بغداد ممكنة في الأيام القادمة.

تفريغ اللقاء من أهميته أما طهران المشغولة في المفاوضات مع واشنطن، بشأن برنامجها النووي المتسارع، والضغوط التي تتعرض لها لإيقاف تسليح الفصائل العراقية التابعة لها على الأرض العراقية، فتربطها بأربيل علاقات سياسية واقتصادية متينة، إذاً كيف ترى إيران لقاء بارزاني بالشرع؟

ويرى المتخصص في شؤون الأمن القومي والدراسات الإيرانية الدكتور فراس الياس، أن إيران بالتأكيد لن تكون راضية عن تقارب إقليم كردستان مع حكومة أحمد الشرع، وستظهر مخاوفها من أي تغيير في خط الإقليم السياسي، خصوصاً في ظل الضغوط التي تتعرض لها، وإخفاق مشروعها في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، إذا لن تسمح بخسارة إقليم كردستان.

ويوضح الياس لمنصة "المشهد"، أن إيران ستبذل جهدها لتفريغ لقاء نيجرفان بارزاني بالشرع من محتواه، وجعله فقط مجرد بروتوكل دبلوماسي، ولقاء عابر في منتدى أنطاليا، وذلك من خلال قوتها السياسية والاقتصادية في العراق، كما ستعمل على تثبت وجودها في أربيل اقتصاديا كما في بغداد عسكرياً من خلال الفصائل المسلحة.

ويختم الياس حديثه بالقول، إن إيران تخوض اليوم مفاوضات تارخية مع واشنطن بشان برنامجها النووي، في حال كانت نتائجها إيجابية ستؤدي إلى تخفيف التوترات في المنطقة، ما سينعكس إيجابياً على العراق بشكل عام وإقليم كردستان خصوصاً.

(المشهد)

هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد