الاقتصاد التونسي.. الإصلاحات المؤجلة والتحديات العالمية تربك التعافي

بعد مرور نحو 7 سنوات على الندوة الوطنية للإصلاحات الكبرى في تونس التي شاركت فيها مختلف الأطراف، ما زالت الدعوة متجددة لإنقاذ الاقتصاد ووضعه على مسار النمو، كان أحدثها بيان مجلس إدارة البنك المركزي نهاية شهر مارس الماضي.

وقبل أيام، خفض المركزي التونسي سعر الفائدة 50 نقطة أساس إلى 7.5%، بهدف تحفيز الاستثمار ودفع النمو المتعثر، ويعد ذلك الخفض الأول منذ 5 سنوات، بهدف دعم الاستثمارات وتعزيز فرص نمو الاقتصاد التونسي الذي يواجه صعوبات حادة.

وتشمل هذه الصعوبات تباطؤ النمو إلى 0.4% في عام 2024، وتزايد معدلات البطالة إلى 16%، وارتفاع الديون إلى ما يعادل حوالي 80% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويأتي ذلك بعدما أنهت الحكومة التونسية مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، الذي كان قد اقترح قرضاً بقيمة ملياري دولار مقابل إصلاحات اقتصادية، تشمل خفض دعم الطاقة، مما يُفاقم التوترات في ظل قيادة الرئيس قيس سعيد.

مسار تصاعدي للتضخم

من جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، رضا الشكندالي، أن الحرب التجارية، على المستوى الدولي، ستدفع التضخم نحو مسار تصاعدي، مجدداً، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل كذلك، في أوروبا، وفي تونس، أيضاً، وستدفع البنوك المركزية إلى تبني سياسات أكثر حذراً.

وفي هذا السياق، جاء تحذير البنك المركزي من النسق البطيء للإصلاحات الإستراتيجية، والتي تتسبب في ديناميكية ضعيفة للقدرات الإنتاجية وهو ما من شأنه، إلى جانب عوامل أخرى، أن يتسبب في إعاقة تحقيق انخفاض أكبر لنسبة التضخم على المدى القصير.

مخاوف البنك المركزي التونسي

وفي حديثه مع «"إرم بزنس»، يشير الشكندالي إلى أن مخاوف البنك المركزي من عودة التضخم مرتبطة بسياسته النقدية، إذ إن التضخم مصدره السيولة الكبيرة في الاقتصاد الناتجة من الدولة، وليست نتيجة قروض الاستهلاك التي أصبحت مقيدة بما في ذلك القانون الجديد للشيكات.

وسجل التضخم ارتفاعاً طفيفاً بعد انخفاضات متتالية في مارس الماضي إلى 5.9% من 5.7% في نهاية فبراير 2025، نتيجة لزيادة الاستهلاك خلال شهر رمضان، حسبما أفاد المعهد الوطني للإحصاء.

وارتفع تضخم أسعار فئة «المواد الغذائية» إلى 7.8% في مارس 2025 من 7% في فبراير، بينما شهدت مجموعة «الملابس والأحذية» ارتفاعاً في التضخم إلى 11.7%، ارتفاعاً من 9.7%.

مشكلات هيكلية عميقة

وبحسب الشكندالي، ساهمت مشكلات هيكلية عميقة في هذا الاتجاه التصاعدي للتضخم بما يعكس عيوباً هيكلية مستمرة، مثل سوء إدارة القطاعات الزراعية وخاصةً التخزين الإستراتيجي ونقص المعروض، مما يُعطّل الأسواق، ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

ومن المشكلات الهيكلية الأخرى اختلالات العرض والطلب في قطاعات مثل اللحوم الحمراء، فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار لحم الضأن بنسبة 21.9% بنهاية مارس 2025.

ويرى أستاذ الاقتصاد أن التصدي لهذه التحديات يتطلب اتخاذ سياسات قطاعية لحل اختناقات التوزيع، وتحديث أنظمة السوق، وتعزيز الرقابة الاقتصادية.

مخاطر قائمة للتضخم

بدوره، يرى وزير التجارة السابق محسن حسن في تصريحات متلفزة، أن تونس لا تزال عرضة للتضخم المستورد بسبب ضغوط سعر الصرف، معتبراً أن الحفاظ على سياسات نقدية حكيمة واستقرار سعر صرف الدينار يعد أمرًا بالغ الأهمية.

ووفق الوزير السابق، فإن مخاطر التضخم لا تزال قائمةً بسبب عوامل خارجية، بما في ذلك التحولات الجيوسياسية والسياسات الحمائية -مثل الرسوم الجمركية الأميركية الأخيرة- التي قد ترفع التضخم العالمي وتُسبب ركوداً في أسواق رئيسية مثل الاتحاد الأوروبي، الذي تعتمد عليه تونس في واردتها.

وعلى الصعيد المحلي، يتطلب الحد من التضخم استقرار آليات العرض والطلب من خلال تعزيز الإنتاج، ومعالجة أوجه القصور الهيكلية، وتعزيز مناخ أعمال أكثر جاذبية، عبر الإصلاحات العاجلة في شبكات التوزيع، والتنمية الزراعية، والضوابط الاقتصادية ضروريةً للتخفيف من هذه المخاطر، بما يعزز فرص النمو الاقتصادي المرتقب.

محدودية النمو الاقتصادي

ومن جانبه، يتوقع المحلل المالي معز حديدان أن يستمر معدل النمو الاقتصادي في الوضع الراهن بنفس المستوى بنسبة 1% ويمكن حدوث تحسن طفيف بنهاية العام الجاري.

وخلال حديثه مع «إرم بزنس» أرجع حديدان ذلك إلى أن البنية التحتية والميزانية المخصصة للاستثمار لا تسمح بتحقيق نمو اقتصاد كبير، بالإضافة إلى غياب المجازفة في الاستثمار، كما أن الأولوية المطلقة للقطاع البنكي هي تمويل الدولة.

ويضيف المحلل المالي، أن هناك توجهاً نحو الاعتماد على الذات وعدم التوجه للاقتراض الخارجي، والاتجاه نحو التقشف، معتبراً أن تحقيق النمو بنسبة 2% ممكناً في حال تحسن القطاع الفلاحي والقطاعات الأخرى، ومع ذلك تظل هذه النسبة غير كافية ويجب أن تحقق تونس نسبة 5% أو 6% على الأقل وهي نسب تحققها بعض البلدان الأفريقية.

تداعيات الجمارك الأميركية

ومع تحديات التضخم، يواجه الاقتصاد التونسي صعوبات أخرى جديدة، بعد فرض الرسوم الجمركية التي قررها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تونس بنسبة 28%.

وفي هذا السياق، يقول الوزير السابق إن تونس يمكنها تقسيم العلاقات التجارية إلى إطارين هناك علاقات تجارية ثنائية وأخرى متعددة الأطراف في إطار اتفاقيات التبادل الحر، وهذه الأخيرة تشمل فضاء الاتحاد الأوروبي واتفاقية شراكة والدول العربية في إطار اتفاقية الجامعة العربية واتفاقية أغادير والكوميسا.

ويعتبر محسن حسن أن حجم التبادل التونسي الأميركي ضئيلاً فهو لا يتجاوز 3.2% من جملة الصادرات التونسية، ولكن هناك منتجات ستتضرر خاصة التمور وزيت الزيتون والنسيج. فمن شأن الرسوم الجديدة أن تساهم في ارتفاع أسعارها في السوق الأميركية، وبالتالي الحد من الطلب عليها.

وفي بيانات للمعهد الوطني للإحصاء صدرت تونس للولايات المتحدة الأميركية في عام 2024 نحو 222 منتجاً، وتشير إحصاءات للمرصد الوطني للفلاحة إلى أن أميركا تعد رابع وجهة لصادرات تونس من المواد الفلاحية والغذائية بعد إسبانيا وإيطاليا وليبيا من حيث القيمة، ومن أهم المنتجات الفلاحية المصدرة زيت الزيتون 81% والتمور 16%.


هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من إرم بزنس

أظهر التقرير الشهري النهائي الذي نشرته جامعة «ميشيغان» الأميركية، اليوم الجمعة، انخفاض مؤشر ثقة المستهلك في الولايات المتحدة بشكل أكبر في أبريل الجاري، حيث سجل 52.2 نقطة، وانخفض المؤشر بنسبة 8.4% على أساس شهري و32.4% على أساس سنوي.. التفاصيل في
منذ 11 ساعة
عاجلكريستالينا غورغييفا: الاجتماع بشأن سوريا ركز على إعادة بناء المؤسسات وأكد على ضرورة وجود بيانات موثوقة. غورغييفا: الاجتماع ركز على إعادة بناء بنك مركزي سوري يؤدي مهامه. غورغييفا: سنحتاج الكثير من العمل لإعادة بناء سوريا
منذ 11 ساعة
أكبر مستوردي الوقود الأحفوري الروسي
منذ 9 ساعات
مع هبوط أسعار الذهب اليوم.. هل هذه نهاية الصعود؟
منذ 11 ساعة
أنهت البورصات الأوروبية تعاملات اليوم الجمعة على ارتفاع، مدعومة بتفاؤل المستثمرين بإمكانية حدوث تهدئة في التوترات التجارية العالمية، إلى جانب تفاعلهم مع نتائج أعمال الشركات للربع الأول من العام.. التفاصيل في
منذ 10 ساعات
تباينت مؤشرات الأسهم الأميركية خلال تعاملات مساء الجمعة، في وقت يقيّم فيه المستثمرون التحسن غير المتوقع في بيانات ثقة المستهلكين، مقابل تصاعد توقعات تسارع التضخم وتطورات المحادثات التجارية.. التفاصيل في
منذ 9 ساعات
وزير المالية الإيطالي يكشف ما تطلبه أميركا لتقييد التجارة مع الصين
قناة CNBC عربية منذ 10 ساعات
الملابس المستعملة أصبحت ملاذا اقتصاديا.. مع الارتفاع المتوقع لأسعار الملابس الجديدة في أميركا بنسبة تصل إلى 65% بسبب الرسوم الجمركية، يلجأ الكثيرون إلى إعادة البيع واستخدام تطبيقات الملابس المستعملة كبديل موفر #اقتصاد_الشرق
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ ساعة
الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب بدأت تحدث أثرها: تيمو و شي إن ترفعان الأسعار في الولايات المتحدة وتقلصان الإعلانات بشدة، كما أن انتهاء الإعفاء على الطرود الصغيرة يهدد نموذج التكلفة المنخفضة وفقا ل"نيكاي آسيا" - الضغط يتزايد على البائعين الصينيين وسط تراجع ثقة السوق، فهل انتهى زمن التسوق الرخيص؟
صحيفة الاقتصادية منذ 10 ساعات
جولة مفاوضات ثالثة اليوم.. هل تبرز نقطة خلاف رئيسية بين إيران أميركا؟
قناة CNBC عربية منذ 4 ساعات
"الحصان الأسود للاقتصاد السعودي"، بهذا الوصف علق الرئيس التنفيذي لبرنامج تطوير الصناعة والخدمات اللوجستية ندلب سليمان المزروع على قطاع التعدين، وسعي السعودية للاستفادة القصوى منه ضمن خطط التنويع الاقتصادي، خلال مقابلته مع "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ"
صحيفة الاقتصادية منذ 13 ساعة
محمد الجدعان، وزير المالية السعودي ورئيس اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية في صندوق النقد الدولي: سوريا لا تحتاج إلى تبرعات بقدر ما تحتاج إلى دعم في القدرات والسياسات الاقتصادية والمالية والدعم من صناديق التنمية #اقتصاد_الشرق
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 6 ساعات
أرباح شركة "بي واي دي" (BYD) الصينية بالربع الأول بلغت 9.15 مليار يوان (1.3 مليار دولار)، متجاوزة تقديرات المحللين البالغة 8.1 مليار يوان - "بي واي دي" تفوقت على منافستها "تسلا" التي سجلت أرباحاً قدرها 409 ملايين دولار للربع الأول. #اقتصاد_الشرق
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 10 ساعات
فنلندا تحافظ على صدارة قائمة تقرير السعادة العالمي كأكثر الدول سعادة في العالم للعام الثامن على التوالي، فيما جاءت الدنمارك وآيسلندا والنرويج والسويد أيضاً ضمن المراكز العشرة الأولى
قناة CNBC عربية منذ 5 ساعات