بعد سنوات من التحديات التي واجهت قطاع الطاقة في سوريا، بدأت الدوحة بتزويد سوريا بالغاز الطبيعي عبر الأردن باستخدام خط الغاز العربي، حيث يعاني القطاع الكهربائي السوري من نقص حاد نتيجة الأضرار التي تعرض لها خلال سنوات الحرب.
بفضل هذه المبادرة، سيتم تزويد سوريا بشحنات من الغاز القطري عبر الأراضي الأردنية باستخدام البنية التحتية المتطورة لخط الغاز العربي، وهو مشروع سيغير المشهد الطاقي في المنطقة، ويعيد جزءاً من الحياة للبنية التحتية المتضررة.
يمثّل المشروع نقلة نوعية في تأمين احتياجات الطاقة لسوريا، حيث سيؤدي في مرحلته الأولى إلى تشغيل محطة توليد كهرباء جنوبي سوريا بقدرة 400 ميغاواط. هذه المحطة ستسهم بشكل كبير في زيادة ساعات التغذية الكهربائية في العديد من المناطق السورية، حيث سيرتفع مستوى إمدادات الكهرباء من ساعتين إلى أربع وست ساعات يومياً في مناطق مثل دمشق وحلب واللاذقية وريف دمشق.
ومن المتوقع أن تكون هذه المرحلة خطوة أولى في تحسين ظروف الحياة اليومية للمواطنين، مع إمكانيات لتوسيع المشروع مستقبلاً لتلبية احتياجات أكبر.
الأردن: محور عبور استراتيجي للطاقة
يعد الأردن نقطة محورية في هذا المشروع، حيث يؤدي دوراً مهماً كمركز عبور للغاز الطبيعي القطري نحو سوريا. هذا الممر الحيوي سيعزز من مكانة الأردن كمركز إقليمي لتوزيع وتبادل الطاقة، ويزيد من دوره الاستراتيجي في المنظومة الطاقية في منطقة المشرق العربي. من خلال استخدام البنية التحتية المتطورة في الأردن، بما في ذلك سفينة التغويز العائمة في ميناء العقبة، سيتحصل الأردن على مكاسب اقتصادية هامة من خلال رسوم عبور الغاز، بالإضافة إلى التشغيل المتواصل للمرافق اللوجستية المتصلة بالمشروع.
محمد حامد، وزير الطاقة الأردني الأسبق، أكد في تصريح لـ«ارم بزنس» أن خط الغاز العربي يعد أداة استراتيجية مهمة في تعزيز أمن الطاقة في الأردن ودول المشرق العربي. ووفقاً للوزير، يعد الأردن من خلال هذا المشروع في موقع مثالي ليكون مركزاً إقليمياً لتدفق الغاز نحو دول مثل سوريا ولبنان ومصر، وقد يتوسع ليشمل مستقبلاً دول الخليج وتركيا، ما يعزز قدرة الأردن على تحسين أمن الطاقة وتوسيع أسواقه الإقليمية.
انعكاسات مباشرة على سوريا
بالنسبة لسوريا، يُعد مشروع تزويدها بالغاز القطري خطوة هامة نحو تحسين ظروف الطاقة المتدهورة في البلاد. يأتي هذا المشروع في وقت حساس، حيث يعاني المواطنون من نقص حاد في الكهرباء، وهو أمر ينعكس سلباً على الحياة اليومية والقطاعات الحيوية مثل المستشفيات والمدارس والبنية التحتية الأساسية. إن توفير الغاز القطري لتوليد الكهرباء في سوريا سيخفف بشكل كبير من معاناة المواطنين، ويمنحهم الأمل في استعادة جزء من الاستقرار في حياتهم اليومية.
وفي حديثه لـ«ارم بزنس»، أشار الباحث الأردني في شؤون الطاقة هاشم عقل إلى أن المرحلة الأولى للمشروع ستسهم في إضافة 400 ميغاواط إلى الشبكة الكهربائية السورية، مع إمكانية توسيع هذه القدرة مستقبلاً لتلبية الاحتياجات المتزايدة. كما أضاف أن المشروع سيكون له تأثير إيجابي مباشر على حياة المواطنين في مختلف المدن السورية، ما سيسهم في رفع مستوى الخدمات الأساسية في المناطق التي تعاني من انقطاع متكرر للكهرباء.
آفاق اقتصادية ومستقبلية
على المدى الاقتصادي الأوسع، من المتوقع أن يسهم المشروع في تحقيق فوائد متعددة للأردن وسوريا على حد سواء، إذ إن الأردن سيحقق مكاسب مالية من رسوم عبور الغاز القطري، في حين أن سوريا ستستفيد بشكل مباشر من الطاقة المولدة التي ستسهم في استقرار الوضع الكهربائي، وهو ما يعد عنصراً حيوياً لإعادة إعمار البلاد. ومن المتوقع أن تساهم هذه المبادرة في توفير فرص عمل جديدة في كلا البلدين، ما سيسهم في تقليص معدلات البطالة وتحسين الأوضاع الاقتصادية المحلية.
كما يشير العديد من الخبراء إلى أن نجاح المشروع يعتمد بشكل كبير على استمرارية الدعم المالي لضمان استدامة إمدادات الغاز في المستقبل. فمع تزايد الطلب على الكهرباء في سوريا، من المحتمل أن يحتاج المشروع إلى توسيع حجم الإمدادات لتلبية احتياجات الطاقة المتزايدة.
تحديات المشروع واستدامته
ورغم الفوائد المبدئية التي يحملها المشروع، لا يخلو من التحديات. أبرز هذه التحديات هو الاعتماد على الغاز الأميركي في المراحل الأولى من المشروع. كما يتطلب المشروع تمويلاً مستداماً لضمان استمرارية تدفق الغاز على المدى الطويل، حيث يتوقع الخبراء أن الحاجة إلى الطاقة في سوريا قد تتطلب زيادة حجم الإمدادات في السنوات المقبلة، وهو ما سيشكل تحدياً لجهود الاستدامة.
المشروع لا يقتصر على تعزيز تأمين الطاقة فقط، بل يشكل نموذجاً للتعاون بين الدول العربية في ملف الطاقة. وإذا ما نجح المشروع في تحقيق أهدافه على المدى الطويل، فقد يصبح حجر الزاوية لمشاريع طاقة أخرى في المنطقة، ويعيد رسم خريطة الطاقة في الشرق الأوسط، ويضع الأردن في قلب معادلة الربط الطاقي العربي.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس