في ساحة الاقتصاد السعودي، حيث تلتقي الروحانية بالمليارات، برز اسم "جبل عمر للتطوير" كلاعب فريد. حين طرحت أسهمها للاكتتاب العام في 2008، لم تكن مجرد شركة تطوير عقار؛ بل وعدٌ بمشروع ينمو في قلب مكة المكرمة، تحت أنظار ملايين من المسلمين، وفي محيط الحرم الذي تهفو إليه القلوب قبل المحافظ.
بُني المشروع على أراضٍ ذات عمق ديني نادر. بعضها يعود وقفًا لصحابة النبي محمد ، وعلى رأسهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، مما منح السهم بُعداً يتجاوز التحليل المالي؛ إنه سهم رمزي، تلتقي فيه قداسة التاريخ مع رهانات المستقبل.
لكن كما هو حال كل وعد كبير... تأتي لحظة الحساب.
2015... البداية الهادئة لتغير كبير
بين عامي 2009 و2015، كانت الشركة تضع أساساتها وتشيد البنية التحتية، دون تحقيق إيرادات تشغيلية تُذكر. كانت الأسواق تصفق لـ"جبل عمر". قفزت القيمة السوقية من 6.7 مليار ريال إلى أكثر من 100 مليار. فندقٌ بعد فندق، برجٌ بعد برج، تمدد المشروع على وقع تفاؤل المستثمرين وفوائد منخفضة تُغري بالاقتراض.
ثم جاء عام 2015. أسعار الفائدة بدأت تتسلل صعوداً. لم يكن أحد يشعر بالخطر بعد، لكن "جبل عمر" كانت تغوص تدريجياً في دوامة تمويلية. قروضٌ تتراكم، نفقات تشغيلية تتصاعد، ومشاريع تُقام فوق تضاريس مكة الشاقة، حيث كل متر يكلف أضعاف ما يُتوقع.
بدأت أسعار الفائدة تأخذ مساراً صاعداً. في البداية، كان التغيير طفيفاً، لكن تأثيره بدأ يظهر تدريجياً، خصوصاً على الشركات ذات الالتزامات التمويلية الكبيرة مثل "جبل عمر". ويشير مدير الاستثمار بمجموعة السقاف للتجارة الدولية، ماجد السقاف، إلى أن هذه التحديات التمويلية، خاصة في ظل الاعتماد الكبير على القروض، وضعت الشركة في موقف حساس يتطلب إعادة نظر في هيكلها المالي.
وفي هذا السياق، يوضح عبدربه زيدان، مدير الأبحاث والبيانات المالية في بوابة أرقام، أن "جبل عمر" لجأت إلى الاقتراض بشكل متزايد مع ارتفاع تكاليف التطوير، خاصة في منطقة مكة التي تتميز بتضاريس جبلية معقدة، وتكاليف نزع ملكيات مرتفعة، إضافة إلى الازدحام الموسمي الشديد في محيط الحرم، ما ضاعف من الأعباء التشغيلية. ولفت إلى أن هذه التكاليف العالية لم تكن في الحسبان، الأمر الذي جعل القروض تعادل رأس المال في 2015، قبل أن تتجاوزه فعلياً في 2016.
وبينما كانت الدولة تُجري إصلاحات اقتصادية كبرى كانت هوامش الربح تتآكل. النفقات ترتفع، والإيرادات تُؤجل. فقد بدأت الحكومة السعودية تطبيق إصلاحات اقتصادية شاملة. فقد ألغت معظم أشكال الدعم عن الوقود والكهرباء، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف التشغيل. ثم فرضت رسوم العمالة الوافدة، وهو قرار أثّر على الشركات التي تعتمد على العمالة الأجنبية، ومنها "جبل عمر"، التي اضطرت إلى التعامل مع ارتفاع تكاليف الإقامة والتأمين، وتطبيق نسب توطين أعلى. كما دخلت ضريبة القيمة المضافة حيّز التنفيذ في 2018 بنسبة 5%، ثم ارتفعت إلى 15% خلال جائحة كورونا، وهو ما أضاف عبئاً جديداً على شركات تعمل في قطاعات استهلاكية وخدمية.
ثم جاء ما لم يكن في الحسبان...
عندما توقف الزمن في مكة
في 2020، سكن الحرم. لا حج، لا عمرة، لا زوّار. فنادق "جبل عمر"، تلك التي كانت درّة محفظتها، ومراكزها التجارية أُغلقت، وأصبحت الأعباء لا تُحتمل. إدارات تغيّرت، خطط أُعيدت صياغتها، لكن القوائم المالية كانت تنزف.
ويصف السقاف إدارة الأزمة آنذاك بالصعبة، خاصة في ظل التزامات قائمة وتكاليف تشغيل مرتفعة، بينما توقفت الإيرادات بشكل شبه كلي.
سجّلت الشركة خسائر كبيرة التهمت 30% من رأس المال وتجاوزت 2.6 مليار ريال خلال عامين فقط.
ولم يتوقف الأثر عند ذلك، بل امتد إلى ما بعد الجائحة، حيث ارتفعت أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية، مما زاد من عبء التمويل على الشركة، التي كانت مدينةً حينها بـ10 مليارات ريال؛ أي ما يتجاوز رأس مالها. والرد كان قاسياً لكن ضرورياً. اضطرت الشركة إلى تنفيذ سلسلة من الخطوات لإعادة هيكلة التزاماتها المالية؛ بدأت ببيع عدد من الأراضي التي تملكها، تلاها إعادة هيكلة قروض وزارة المالية، ثم تحويل الديون المستحقة لـ"صندوق الإنماء" إلى أسهم في "جبل عمر"، في محاولة لتخفيف الأعباء وتحسين وضعها المالي.
انتعاش حذر... وضغوط مستمرة
مع استئناف الحج والعمرة في عام 2022، بدأت فنادق "جبل عمر" تنبض بالحياة من جديد، غير أن التحديات المالية ظلت ماثلة. فقد أدى بلوغ أسعار الفائدة مستويات غير مسبوقة منذ عقود إلى زيادة كبيرة في تكاليف التمويل، بينما ظلت الأراضي غير المطورة، رغم موقعها الذهبي، عبئاً لا يدر عوائد مباشرة.
طبيعة الإيرادات الموسمية جعلت الأرباح أشبه بـ"نبضات" متقطعة؛ إذ يقابل ارتفاع معدلات الإشغال خلال مواسم الذروة فترات من الركود في مواسم أخرى. كما أن افتتاح فنادق.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg