منذ ما وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ب«يوم التحرير» في 2 أبريل، حين أعلن عن فرض رسوم جمركية «متبادلة» على شركاء التجارة، باتت السياسة التجارية الأميركية أقرب إلى ساحة معركة متقلبة لا يمكن التنبؤ بمآلاتها. فالرسوم التي تبدأ بنسبة 10% على الجميع، ثم ترتفع بنسب متفاوتة على دول محددة، لم تعد مجرد أدوات اقتصادية، بل تحوّلت إلى لعبة سياسية شائكة، تدفع العالم إلى إعادة التفكير في مدى استقرار النظام التجاري العالمي.. التفاصيل في

منذ ما وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ«يوم التحرير» في 2 أبريل، حين أعلن عن فرض رسوم جمركية «متبادلة» على شركاء التجارة، باتت السياسة التجارية الأميركية أقرب إلى ساحة معركة متقلبة لا يمكن التنبؤ بمآلاتها. فالرسوم التي تبدأ بنسبة 10% على الجميع، ثم ترتفع بنسب متفاوتة على دول محددة، لم تعد مجرد أدوات اقتصادية، بل تحوّلت إلى لعبة سياسية شائكة، تدفع العالم إلى إعادة التفكير في مدى استقرار النظام التجاري العالمي.

اتخذت الولايات المتحدة، بعد «إعلان التحرير»، عدّة خطوات مثيرة للجدل: فرضت رسوماً بنسبة 25% على واردات السيارات (مع تأجيل تنفيذها على قطع الغيار)، ثم أضافت 50% رسوماً إضافية على الواردات الصينية كردّ فعل على إجراءات بكين الانتقامية، وبعد ذلك أعلنت عن «تجميد جزئي» للرسوم التفاضلية لمدة 90 يوماً، مع الإبقاء على الرسوم الأساسية. وفي لحظة مفاجئة مساء الجمعة، أُعلن عن قائمة طويلة من الاستثناءات، شملت الحواسيب المحمولة والهواتف الذكية.

ولكن ترامب لم يلبث أن ناقض نفسه، مؤكداً أن تلك الاستثناءات «ليست استثناءات»، مذكّراً بأن الرسوم لا تزال سارية على جميع الواردات الصينية، ومحذّراً من رسوم شاملة قادمة على الإلكترونيات.

كل ذلك يجري في ظل ما يشبه «السادية الاقتصادية»، حيث يتعمد ترامب إرباك الجميع، نافضاً يده من أي استراتيجية واضحة. حتى تصريحات المسؤولين في إدارته صارت متضاربة، كحال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، الذي برّر «التهدئة الجزئية» بأنها جزء من خطة مدروسة، ليخرج ترامب لاحقاً، ويصرّح بأن قراره كان «غريزياً»، مدفوعاً بردة فعل الأسواق المالية!

وفي خضم هذه الفوضى، يصبح من الصعب تمييز ما إذا كانت الرسوم الجمركية تهدف إلى الحماية الاقتصادية، أو فرض الهيمنة على الشركاء التجاريين، أو ببساطة خلق حالة من التشويش والتشتت. الباحث الأميركي الشهير دوغ إروين حصر سابقًا أهداف الرسوم الأميركية في ثلاثة محاور: الحماية، والمعاملة بالمثل، وزيادة الإيرادات. أما في عهد ترامب، فيبدو أننا أمام أربعة «محاور جديدة»: الإكراه، وتقليص العجز التجاري، والترضية السياسية ونشر الفوضى المتعمّدة.

فعلى سبيل المثال، الرسوم على الحديد والسيارات والرقائق الدوائية تُقدَّم بذريعة الأمن القومي، لكنها في جوهرها لا تخدم سوى صناعات بعينها. أما الرسوم الأساسية بنسبة 10%، فهي لا توازي الإيرادات المطلوبة لتعويض خسائر الضرائب الفيدرالية. والرسوم التفاضلية ليست «متبادلة» كما يُروّج لها، بل تُستخدم كأداة ضغط لإجبار الدول على إلغاء ضرائب القيمة المضافة والخدمات الرقمية.

ولعل أكثر ما يثير السخرية هو استثناءات الأجهزة الإلكترونية، التي تخدم مصالح شركات التكنولوجيا الكبرى المتحالفة مع ترامب، بينما لا تخدم أي استراتيجية صناعية واضحة. فهل يعقل أن تكون الرسوم على ألعاب الأطفال أعلى من تلك على الحواسيب والهواتف القادمة من الصين؟

ووسط هذه الفوضى، يجد كبار المصدّرين إلى الولايات المتحدة أنفسهم في حالة ارتباك وذهول. هل من الحكمة التفاوض الآن؟ أم الانتظار حتى تتضح نوايا ترامب؟ حتى كبار مفاوضيه، كبيسنت، لا يتمتعون بثقة الرئيس، ولا يحملون صلاحيات حقيقية لعقد اتفاقات دائمة، بعكس مفاوضين سابقين مثل لايتهايزر.

في الأثناء، تدعو الأصوات العاقلة إلى تعزيز النظام التجاري المتعدد الأطراف، وإحياء روح التعاون العالمي من خلال منظمة التجارة العالمية، لكن الواقع يظهر افتقارًا للرؤية. فالاتحاد الأوروبي يكتفي بالتصريحات دون تحركات جدية، ونيوزيلندا تواصل تقديم مبادرات مثيرة للاهتمام، لكنها غير مؤثرة بعد. حتى الاتفاق مع مجموعة ميركوسور (الاتحاد التجاري لدول أميركا الجنوبية) الذي يُفترض أن يكون جاهزاً للتنفيذ، لا يزال محتجزًا بسبب اعتراض فرنسا على ممارسات بيئية وتخوف من تضرر المزارعين الفرنسيين.

خلاصة القول إن المشهد أشبه بسفينة بلا بوصلة في بحرٍ مضطرب. ترامب يدير السياسة التجارية الأميركية كما يدير برنامجه التلفزيوني السابق: قرارات مفاجئة، تناقضات درامية، ومشهدية إعلامية بلا مضمون استراتيجي. والنتيجة؟ نظام عالمي في حالة تشويش دائم، وأسواق تترقب المصير القادم بلا يقين.


هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من إرم بزنس

في بلد يُعد من أكثر دول العالم جفافاً، حيث الصحارى تمتد على أكثر من 90% من أراضيه، وتتهاوى حصة الفرد من المياه إلى أدنى مستوياتها عالمياً، يقف الأردن اليوم أمام تحدٍّ وجودي لا يقل خطورة عن أي تهديد اقتصادي أو سياسي. التفاصيل في
منذ 10 ساعات
عاجل تباطأ النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة خلال شهر أبريل ليصل إلى أدنى مستوياته في 16 شهراً، بينما سجلت أسعار السلع والخدمات ارتفاعاً حاداً في ظل حالة من عدم اليقين الناتجة عن الرسوم الجمركية.
منذ 4 ساعات
لماذا خفض صندوق النقد توقعات نمو الاقتصاد السعودي؟
منذ 4 ساعات
قفزة في صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة خلال فبراير
منذ 5 ساعات
«هاباغ لويد» : عملاء ألغوا 30% من الشحنات المتجهة من بكين لواشنطن
منذ 4 ساعات
ارتفعت الأسهم الأميركية في تداولات اليوم الأربعاء، مواصلةً موجة التعافي القوية التي بدأتها الجلسة السابقة، مدفوعةً بنتائج فصلية إيجابية من كبرى الشركات الصناعية وتنامي الآمال بشأن تهدئة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.. التفاصيل في
منذ 4 ساعات
سيخلق أول مجتمع متكامل على الشاطئ.. نجيب ساويرس يكشف ل CNN الاقتصادية تفاصيل مشروع غنتوت بالإمارات #العالم_بلغة_الأعمال
منصة CNN الاقتصادية منذ 5 ساعات
إيفا كازانسكايا الرئيسة التنفيذية لمشاريع الطلائع ل الاقتصادية خلال منتدى مجتمع المستثمرين العالمي في الرياض: - نخطط لاستثمار مئات ملايين الدولارات في المشاريع المشتركة والشركات الناشئة الموجودة في السوق السعودية - مفتاح الاستثمار هو فهم السوق والقطاع المالي والبرنامج الذي تنفذه الحكومة لدعم المستثمرين
صحيفة الاقتصادية منذ 4 ساعات
محلل مالي أول في صحيفة الاقتصادية ماجد الخالدي: نتائج مصرف الراجحي السعودي جاءت أفضل من التوقعات، ونمو الأرباح كان الأعلى منذ 4 سنوات تقريبا، لكن ما يزال هناك تحديات تواجه القطاع البنكي #صباح_الشرق
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 10 ساعات
جيه بي مورغان يتوقع تجاوز أسعار الذهب حاجز 4000 دولار في هذا الموعد
قناة CNBC عربية منذ 18 ساعة
أسعار الذهب، تنخفض اليوم الأربعاء، بعدما تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تهديده بإقالة رئيس الفدرالي جيروم باول، مبدياً تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين، مما أثّر سلباً على جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن: المزيد
قناة CNBC عربية منذ 13 ساعة
أسعار الذهب تتراجع بأكثر من 2%، متخلية عن قمتها التاريخية، بعد تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تهديده بإقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وأنباء عن تقدم في المحادثات التجارية. فوربس للمزيد
فوربس الشرق الأوسط منذ 10 ساعات
من العقارات المميزة إلى مراكز البيانات والتكنولوجيا .. تعرّف إلى بعض الحقائق عن الملياردير حسين سجواني، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة داماك العقارية.. كيف بنى إمبراطوريته ليحتل المركز الثالث في قائمة فوربس لأثرياء العرب 2025. للمزيد
فوربس الشرق الأوسط منذ 4 ساعات
خبير صيني: إدارة ترمب تريد منك اتباع أوامرها وأن تمنحها ثرواتك وألا ترد عليها وإلا.. لكنك إذا ضربت الصين في وجهها، فستضربك في المقابل #اقتصاد_الشرق
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 7 ساعات