مؤكد أن هناك مبالغة كبيرة في ردود الفعل تجاه ارتداء محمد رمضان بدلة رقصة، في حفلته الأخيرة في أمريكا. كذلك، المطالبة بتقديمه للمحاكمة أو رفع دعاوي قضائية ضده أمر مبالغ فيه، وقد يستخدم كسلاح ضد الفن الجيد في أي وقت بدعوى الأعراف، والقيم المجتمعية، واسم مصر.
صحيح أن التصرف صادم. مع ذلك، شخصياً، لا أرى أن ما فعله رمضان يٌعد جريمة، فهناك على مدار تاريخ السينما المصرية ممثلون رجال ارتدوا بدل رقص أو ملابس نساء، في أداور متباينة، بعضهم تنكر في ملابس امرأة بهدف درامي مبرر، وبعضهم كان يرغب في استدرار ضحك الجمهور، والحفاظ على نجومية زائفة بطريقة مبتذلة.
إذاً، السياق الدرامي الذي تم فيه ارتداد الملابس يلعب دوراً في التقييم، وهو أمر كان يجعلني أتساءل عند رؤية بعض هؤلاء النجوم: ماذا تريد؟ هل إثبات أنك ممثل؟ أم تريد أن تُصبح المهرج «الرقاصة». القضية تكمن فيما تريد تحقيقه؟ وماهية الثمن المدفوع؟
هل هذا يعني إعفاء محمد رمضان من المسئولية؟ وهل يعني ذلك أنه لم يخطئ؟ وهل حقاً أساء إلى مصر؟
للإجابة على ما سبق أستعيد فيلم بولندي اسمه «وجه» أو Twarz - كما في لغته الأصلية. شاهدته عند عرضه العالمي للمرة الأولي في مسابقة «برليناله»، والذي حصد الدب الفضي - جائزة لجنة التحكيم الخاصة - عن جدارة واستحقاق.
رغم أنه من إنتاج ٢٠١٨ لكني أتذكر جيداً بعد أن خرجنا من الفيلم وقفت أحتسي فنجاناً من القهوة وأنا أتحدث بإعجاب شديد - مع أحد زملاء المهنة - عن الفيلم، وبدايته المروعة درامياً البارعة فنياً، إذ يبدأ بمشهد - كان في نظري - إبداع بكر ينطوي على كوميديا سوداء، تنتقد الرأسمالية التي تجعل الإنسان في العصر الحديث على استعداد لفعل أي شيء، مهما كان رخيصاً أو مبتذلاً. فعلق زميلي قائلاً: هناك مقولة مشهورة - ذات دلالة رمزية - متداولة في أوروبا تصف المواطن البولندي بأنه «أسرع إنسان يخلع بنطاله».
أما المشهد المقصود بالفيلم فهو عبارة عن: رجال ونساء من مختلف الأعمار يقفون في الجو القارص البرودة في الصباح الباكر، أمام متجر للأدوات الالكترونية، ينتظرون أن يفتح أبوابه، ثم يأتيهم صوت من الميكروفون يقول: أي شخص يمكنه الدخول والحصول على كل ما يريد من شاشات للتلفاز، أو أي أدوات إلكترونية أو كهربائية بدون أن يدفع مليما وأحداً، لكن بشرط واحد فقط: أن يخلع كافة ملابسه ويبقى فقط بالسروال الداخلي.
وحين تٌفتح الأبواب ينطلق الناس نساء ورجال في حالة من الجنون، والجشع غير المعقول، نازعين ملابسهم بشكل هستيري، ويشتبكون في صراع لابد منه لأجل اختطاف أي شيء تطاله أيديهم.
ثم تكتمل رؤية صُناع الفيلم، المفخخة بالنقد الساخر من خلال رجل شاب سقط من أعلى تمثال العذراء، يتحطم وجهه، فيخضع لعملية زراعة وجه، أثناء ذلك يواجه مشاكل في الهوية، لنتأمل كيف سيتعامل معه المجتمع من حوله، سواء خطيبته، أو أسرته المقربة، ومحيط الجيران من حوله.
مصر أكبر من أي تصرف رخيص
إذاً، في تقديري الشخصي، أن عاشق وصف «نمبر وان» أخطأ في حق نفسه أولا وأخيراً. فهو لا يقدر على أن يسيء إلى مصر رغم أنه في إحدى اللقطات يلتحف بالعلم المصري وكأنه يتمسح في هذا الرمز، كأنه يحاول أن يُضيف قيمة إلى شخصه.
يغفل المهاجمون أن مصر ليست هينة لهذه الدرجة، مصر أكبر من ذلك بكثير، ولا يمكن لأي تصرف رخيص أو غير مسئول أن يُسيء إليها. مصر بلد حضارة يمتد تاريخها لنحو سبعة آلاف سنة، وحتى إذا مرت بفترات صعبة وكبوات فهي قادرة على تجاوزها. حتى في الزمن الصعب، سابقاً، أو حالياً هناك نماذج ومواهب حقيقية تُشرف اسم مصر، ولازال لمصر سحرها، فلا يمكن للناس التي تعشق محمد صلاح في العالم أجمع، أن تلخص مصر في رقصة مبتذلة تحت مُسمى الفن.
لذلك أرى أن: محمد رمضان أخطأ في حق نفسه أولاً وأخيراً. لأنه يكشف عن عدة أمور في مقدمتها: أن لديه مشكلة عميقة فيما يخص الهوية التي يريدها، والتأكيد على أن رمضان لديه جوع ونهم لا يتوقف للنجومية، إنه لا يشبع منها، وهذا سلاح ذو حدين، فمثلما هو مفيد للفنان لتطوير نفسه، لكن مشكلته أيضاً أنه يجعله مستعداً لفعل أي شيء يقوده للحفاظ على نجوميته وأن يظل في دائرة الضوء، سواء كان ذلك مستقيما أو غير مستقيماً، فهو على ما يبدو لا يتوقف مع نفسه للتميز بين أنواع النجومية. إنه مهوس بترديد اسمه، وأن يكون فقط مثار جدل ونقاش. لكنه غير مشغول بنوع الجدل، وغير مهتم بالتمييز بين الغث والسمين.
فهل يمكن أن ننسي صورته مع المغني الإسرائيلي عام ٢٠٢٠؟! والتعليق المرافق للصورة بأن «الفن دوما يجمعنا»؟!
رمضان وقتها لم يوفق في حساباته، وأعتقد أنه تم التغرير به وهو ابتلع الطعم بسبب شراهة الطموح للشهرة. مثلما تخيل مَنْ رتبوا لهذا الأمر- ممن عقدوا اتفاقات مع «أولاد العم» وتصالحوا معهم، فأصبح أولاد العم يسيرون في كل أرجاء الدولة، تجدهم على المطاعم والكافيات والمولات كأنهم احتلوا البلد - أن الفن قادر على أن يبني تطبيعاً شعبياً مع المصريين؟.
وهذا تفكير ساذج وقاصر في تقديري. لماذا؟ لأن اتفاقية كامب ديفيد لم تقدر على تحقيق التطبيع الشعبي؟ لماذا؟
لأن هناك دماء بيننا وبين أولاد العم. دماء أبنائنا وآبائنا.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من مصراوي
