فرضت واشنطن وحلفاؤها آلاف العقوبات على موسكو بعد غزوها كييف سعيا للجم آلة الحرب الروسية، وفيما يسعى الرئيس دونالد ترمب للتفاوض على إنهاء النزاع، تلمح إدارته إلى تخفيف محتمل لتلك القيود من جهة، وتهدد من جهة أخرى باتخاذ إجراءات عقابية جديدة لدفع العملية قدما.
يصعب تحديد ما إذا كان ترمب سيقدم فعلا على تشديد العقوبات، في غضون يوم واحد قال إنه "غاضب جدا" من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولوح بفرض رسوم ثانوية على مشتري النفط الروسي في حال أعاقت موسكو التوصل إلى اتفاق سلام، وما هي إلا ساعات حتى ليّن موقفه، قائلا إنه لا يعتقد أن بوتين "سيتراجع عن كلمته".
إذا قرر ترمب المضي نحو خيار تخفيف العقوبات، سيتمكن من إلغاء معظمها بموجب صلاحياته التنفيذية. إلا أن يده ليست مطلقة بالكامل، إذ يشترط الحصول على موافقة الكونغرس لرفع العقوبات الأمريكية الأشد. أما على الصعيد الدولي، فسيحتاج إلى إقناع نظرائه في أوروبا وسواها بالتراجع عن عقوبات فرضوها من جانبهم.
ما الذي قد يدفع ترمب لرفع العقوبات عن روسيا ؟
تطرح إدارة ترمب احتمال تخفيف العقوبات كورقة تفاوض في محادثاتها مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وإلى جانب السعي لتحقيق السلام، تحضر المصالح التجارية الأمريكية أيضا، إذ ينظر ترمب إلى إعادة رسم العلاقات بين واشنطن وموسكو كفرصة اقتصادية واعدة، في تقارب كان يُعد حتى وقت قريب شبه مستحيل.
أعلن الرئيس الأمريكي عبر منصته "تروث سوشال" أنه ناقش مع بوتين خلال اتصال هاتفي في فبراير "صفقات كبرى تسهم في النمو الاقتصادي"، بينما ذكر الكرملين أن الزعيمين تطرقا في اتصال لاحق إلى آفاق التعاون "في مجالي الاقتصاد والطاقة في المستقبل".
ما أهمية رفع العقوبات بالنسبة لروسيا ؟
سعى المفاوضون الروس للاستفادة مما تتمتع به أمريكا من تأثير على العقوبات الدولية لينتزعوا تنازلات خلال محادثات السلام، وأكدوا أن تخفيف العقوبات شرط أساسي لأي هدنة مع أوكرانيا في البحر الأسود.
تشمل المطالب السماح بإعادة ربط "البنك الزراعي الروسي" بشبكة "سويفت" العالمية للمدفوعات التي استبعدت منها كبرى المؤسسات المالية الروسية سعياً لتعطيل تعاملاتها العابرة للحدود.
يواجه الاقتصاد الروسي معدلات تضخم مرتفعة وضيقا في سوق العمل، إلا أنه أظهر قدرة على التكيّف مع العقوبات فاقت التوقّعات، بعدما أعاد توجيه جزء كبير من نشاطه نحو التصنيع العسكري.
تمكنت موسكو من التعامل مع سقف الأسعار الذي فرضه الغرب على نفطها والعقوبات على ناقلاتها، عبر التعامل مع مشترين في الصين والهند، واستخدام "أسطول ظلّ" من الناقلات لمواصلة تصدير النفط عالميا.
لكن ما قد يشكل تهديداً أكبر من العقوبات النفطية هو استمرار هبوط الأسعار كما حدث مطلع أبريل، نتيجة تداعيات حرب ترمب التجارية وقرار "أوبك+" لزيادة الإنتاج.
من حيث العقوبات المالية، بدأت روسيا منذ سنوات تقلص اعتمادها على الدولار واليورو، رداً على القيود التي فُرضت بعدما ضمت شبه جزيرة القرم في 2014. وتسارعت وتيرة هذا التحول نحو استخدام عملات بديلة بعد فرض عقوبات واسعة بعد بدء غزو روسيا الشامل لأوكرانيا.
سعت أمريكا وحلفاؤها إلى تكثيف الضغط على موسكو عبر تجميد 300 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي، معظمها في أوروبا. إلا أن روسيا لديها هامش أمان إن تعذرت استعادة هذه الأصول، إذ يقدر أن ارتفاع قيمة احتياطياتها من الذهب قد يعوّض نحو ثلث تلك الخسائر، وفقاً لحسابات بلومبرغ.
إلى أي حدّ يستطيع ترمب عبر منصبه رفع العقوبات ؟
لدى ترمب صلاحية رفع أكثر من 90% من العقوبات الأميركية عبر أوامر تنفيذية، بحسب بيتر بياتيتسكي، الشريك المؤسِّس والرئيس التنفيذي لشركة "كاستيليوم إيه آي" التي تبني قاعدة بيانات متخصصة ببرامج العقوبات العالمية.
يستطيع ترمب إنهاء حالات الطوارئ الوطنية التي أعلنت منذ 2014 رداً على التصعيد التدريجي للعدوان الروسي، وهي تشكل الأساس القانوني لعدد كبير من العقوبات المفروضة عبر أوامر تنفيذية.
بالنسبة للعقوبات الصادرة بموجب صلاحيات رئاسية أخرى، فيمكنه إلغاءها من خلال أوامر تنفيذية ترفع القيود واحداً تلو الآخر أو دفعة واحدة، بما يشمل إلغاء العقوبات المفروضة على شركات وأفراد.
كبديل عن رفع العقوبات، يمكن لترمب أن يبقيها مع إصدار إعفاءات أو تراخيص تتيح للشركات التعامل مع الكيانات المستهدفة. كما يمكنه تقويض آليات الرقابة المشرفة على تنفيذ العقوبات. في فبراير، حلّت إدارته فريق "كليبتوكابتشر"، وهو قوة عمل دولية أنشأها الرئيس جو بايدن للإشراف على تطبيق العقوبات المفروضة على روسيا.
ما العقوبات التي يحتاج ترمب دعم الكونغرس ليرفعها ؟
وقّع الرئيس جو بايدن قبيل مغادرته البيت الأبيض في يناير أمراً تنفيذياً صعّب على ترمب رفع بعض العقوبات منفرداً. فقد أعاد تصنيف عدد من الكيانات الروسية المستهدفة، وجعل العقوبات المفروضة عليها خاضعة لقانون يوجب إخطار الكونغرس مسبقاً بأي نية لإلغائها.
وتشمل هذه الكيانات "غازبروم نفط" و"سورغوتنفتيغاز" وهما من أكبر شركات النفط الروسية، إلى جانب عدد من الأفراد البارزين والشركات والبورصات.
إذا قرر ترمب تفتيت هذه الفئة من العقوبات، فسيتطلب ذلك إبلاغه للكونغرس وفترة مراجعة مدتها 30 يوماً، يحق خلالها لمجلسي النواب والشيوخ التصويت على قرار يمنع رفع العقوبات. وستتوجب الموافقة على هذا الإجراء في المجلسين معاً، وأن ينال أغلبية الثلثين ليتجاوز صلاحية الرئيس في استخدام حق النقض.
بينما يمكن لترمب أن يعول على سيطرة الجمهوريين على مجلسي الشيوخ والنواب، وميلهم بشكل عام إلى عدم معارضة خططه، إلا أن كثيراً من النواب الجمهوريين كانوا دعموا علناً أوكرانيا.
بل إن بعضهم شارك في جهود تشريعية مع الديمقراطيين لفرض عقوبات إضافية على روسيا في حال رفض بوتين الدخول في مفاوضات جدّية لوقف إطلاق النار أو أخلّ بأي اتفاق مستقبلي. بالتالي، قد يجد الجمهوريون أنفسهم في موقف حرج.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاقتصادية
