ما بين مؤيد ومعارض، أثارت فكرة تحديد نطاق سعري للإيجارات السكنية في السعودية جدلا واسعا بين الخبراء والمستثمرين حاولت "الاقتصادية" استطلاع آرائهم لمعرفة مدى تأثير المقترح في مواجهة الارتفاعات الإيجارية المتواصلة، وسط جهود حكومية لتحقيق التوازن في القطاع العقاري.
ومع تسجيل السعودية موجة من زيادات المساكن بوتيرة قياسية، أصبح من الضروري البحث عن حلول مستدامة توازن بين حقوق المؤجر والمستأجر، في ظل ارتفاع للأسعار بات يهدد استقرار السوق العقارية.
وشهدت العاصمة الرياض ارتفاعا كبيرا في متوسط إيجارات المساكن خلال السنوات الأربع الماضية، حيث قفزت الإيجارات بنسبة 60% منذ 2021، مسجلة مسارا تصاعديا مستمرا.
وكانت "الاقتصادية" قد أجرت استطلاع في سبتمبر من العام الماضي حول تحديد سقف أعلى للزيادة السنوية في أسعار إيجارات القطاع السكني والتجاري في السعودية حيث أيد المقترح نحو 74 % من المشاركين، في حين رفض 26 % تحديد سقف أعلى للزيادة السنوية.
بعض الخبراء العقاريين أيدوا فكرة تحديد نطاق سعري للإيجارات كأداة لتنظيم هذه السوق وتحقيق العدالة، لكن المستثمرين أشاروا إلى أن تحديد سقف للإيجارات يعد عائقا أمام استثمارات القطاع والمحافظة على المساكن وصيانتها لتبقى الثروة العقارية موجودة.
وهنا يظهر سؤال يبحث عن إجابة، هل سيكون هذا الإجراء حلا فعالا أم سيؤدي إلى نتائج عكسية قد تؤثر في القطاع؟.
"الاقتصادية" رصدت التجارب العالمية، من خلال استقصاء آراء مجموعة من الخبراء والمختصين، الذين قدموا رؤاهم بشأن تحديد سقف للإيجارات، إضافة إلى عرض التحديات والفرص التي قد تنشأ من تطبيق هذه السياسات.
وذلك إلى جانب استعراض بعض التجارب الناجحة وأخرى كانت لها تداعيات سلبية، للوصول إلى استنتاجات قد تساعد على رسم سياسات أكثر مرونة وملاءمة لاحتياجات السوق السعودي.
توازن بين المستثمر والمستأجر
لخص الخبير والوسيط العقاري عبدالله العباد، إيجابيات تحديد سقف سعري لارتفاع الايجارات، في حماية المستأجرين من الارتفاع التصاعدي المفاجئ في الإيجارات، ما يسهم في تحقيق الاستقرار، ويسهل على البلديات التخطيط لتطوير البنية التحتية والخدمات عندما يكون هناك استقرار في أسعار الإيجارات.
العباد أضاف، قد يوفر نطاق الإيجارات الواضح بعض الطمأنينة للمستثمرين، ما يشجع على الاستثمار في العقارات، مضيفا أن كل تجربة لها سياقها الخاص، وينبغي تقييم أي قرار يتعلق بتحديد نطاق الإيجارات بناء على الظروف المحلية والاقتصادية، والتنفيذ بطريقة تضمن تحقيق التوازن بين حقوق المستأجرين والمستثمرين.
لكنه أشار إلى أن لتحديد نطاق الإيجارات سلبيات، بينها الضغط على المستثمرين بتقليل العائد، ما يجعل المطورين يستثمرون في مناطق أخرى أو يبتعدون عن الاستثمار في القطاع ونقص المعروض، إلى جانب انخفاض جودة المساكن المعروضة للإيجار، مع تجنب الملاك القيام بالصيانة اللازمة.
ووجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أخيرا بـ 5 إجراءات لتحقيق التوازن في القطاع العقاري، تضمنت رفع الإيقاف عن 81 مليون متر مربع شمال العاصمة الرياض، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة خلال مدة لا تتجاوز 90 يوما لضبط العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين بما يكفل تحقيق التوازن بين مصالح الأطراف.
وذلك علاوة على توفير أراضٍ سكنية مخططة ومطورة للمواطنين بعدد ما بين 10 إلى 40 ألف قطعة سنويا خلال 5 أعوام حسب العرض والطلب، وبأسعار لا تتجاوز 1500 ريال للمتر المربع.
كما وجه باتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة لإصدار التعديلات المقترحة على نظام رسوم الأراضي البيضاء بصورة عاجلة خلال مدة لا تتجاوز (60) يوماً، بما يكفل تعزيز المعروض العقار.
كما تم تكليف الهيئة العامة للعقار والهيئة الملكية لمدينة الرياض برصد ومراقبة أسعار العقار في مدينة الرياض والرفع بتقارير دورية.
ربط الزيادة بمعدل التضخم أو الأزمات
الخبير والوسيط العقاري عبدالله العباد، استدل بتجربة دبي في تحديد إيجارات المساكن، بعد أن شهدت ارتفاع كبير في أسعار الإيجارات بسبب الطلب المتزايد والتوسع السريع في الاقتصاد.
أوضح، أن دبي ربطت الزيادة بمعدل التضخم أو بأداء السوق، مع إدخال نظام لدعم المستأجرين في الحالات التي يكون فيها السوق معرضا للضغوط مثل الأزمات الاقتصادية أو جائحة كورونا وغيرها، ومراجعة هذه القوانين دوريا للتكيف مع التغيرات في القطاع العقاري.
أشار إلى أن هذه القرارات أسهمت في تحقيق قدر من الاستقرار في سوق الإيجارات، حيث تم تقليل الارتفاعات المفرطة التي كانت تحدث في فترة من الفترات مع وجود أطر تنظيمي واضح، وأصبح السوق أكثر جاذبية للمستثمرين.
وبحسب العباد، ساعد نجاح التجربة النسبي على زيادة المعروض من الوحدات السكنية والتجارية، إلا أن الدولة واجهت تحديات مثل استمرار ارتفاع الإيجارات في بعض المناطق، وضغوط الطلب المتزايد بسبب النمو السكاني والتوسع.
تباين التجارب العالمية
قال العباد إن "من التجارب العالمية مثل ألمانيا، هناك أنظمة إيجار محددة تعد فعالة في ضبط تكلفة الإيجارات، عبر تحديد سقف للإيجارات بما يتماشى مع متوسط دخل السكان. لكن في مدن أخرى مثل سان فرانسيسكو، أدى تحديد الإيجارات إلى تفاقم مشاكل الإسكان، مع تحويل بعض الملاك وحدات السكن إلى جمعيات سكنية أو مساكن خاصة".
وبحسب تحليل سابق لـ"الاقتصادية"، ترجع ارتفاعات الإيجارات إلى 4 عوامل رئيسية، وهي نقص المعروض السكني، تأخر تسليم بعض المشاريع، الارتفاع الحاد في أسعار الأراضي السكنية، وزيادة الطلب على المساكن.
لا لتحديد سقف الارتفاع
في المقابل، قال لـ "الاقتصادية" كريم الشافعي، رئيس مجلس إدارة شركة الإسماعيلية للاستثمار العقاري المصرية وصاحب فكرة مشروع إعادة تأهيل وسط المدينة، إنه ضد وضع أي حد لأسعار الإيجارات والتي يحددها العرض والطلب، فمتى ما كان هناك عرض وطلب وهناك من هو مستعد لدفع المبلغ الذي أحدده، فلماذا يوضع سقف للارتفاع؟
الشافعي أضاف، إذا أرادت الجهات الحكومية التدخل فعليها تقديم الدعم للمواطن بشكل مباشر للشراء أو الإيجار، بما يمكن المستثمرين من المحافظة على العقار وصيانته ومواصلة الاستثمار لتبقى الثروة العقارية موجودة، لكن إذا تم تحديد سقف معين فيتسبب في تقليص الأرباح والتوجه إلى استثمار آخر يحقق الربح.
أشار إلى أنه في حال رأت الجهات المختصة أن الاسعار زادت والمواطنين غير قادرين على الدفع، فلديها خيارات أخرى من خلال الدعم المباشر للمستحقين، لأن الدخول في آليات السوق دائما تكون نتائجها عكسية.
وارتفاعات إيجارات المساكن أثرت بشكل مباشر في مؤشر التضخم في السعودية، ما حد من القدرة الشرائية للمستهلكين، حيث تشير بيانات الهيئة العامة للإحصاء إلى أن إيجارات المساكن تشكل نسبة 21% من مؤشر التضخم.
التوقف عن الاستثمار العقاري
استشهد الشافعي بأن هناك دول عمدت إلى تحديد سقف أعلى لارتفاع الايجارات منها برشلونة ونيويورك، ولم تثبت نجاحها بأي حال من الأحوال، وهو ما تسبب في توجه المستثمرين إلى التوقف عن الاستثمار في السوق العقارية.
وقبل أكثر من 50 عاما، كان لمصر تجربة من خلال تحديد سعر للإيجارات، وهو ما تسبب في سوء حال العقارات وعدم قدرة الملاك على الاستمرار، خاصة مع بقاء الإيجارات عند 10 جنيهات رغم تضاعف الأسعار طوال العقود الماضية.
الشافعي أضاف "ما زاد الأمر سوءا في هذه التجربة، أن العقود بقت أبدية في مصر فالعقد الذي أبرم مثلا في الستينيات الميلادية هو عقد لا ينتهي، ولا حتى بوفاة المالك لأنه ينتقل للجيل التالي، وهو ما دفع الملاك إلى البيع الفوري ما تسبب في مشكلة للشباب حديثي الزواج، الذين لم يعد لديهم إلا خيار الشراء فقط.
أما الآن فتحسن الوضع نظرا لوجود قوانين تسمح بتغيير أسعار التأجير للواحدات المستأجرة حديثا، بحسب رئيس مجلس إدارة شركة الإسماعيلية للاستثمار العقاري.
وجاءت موجة ارتفاع الإيجارات الحالية في في الرياض، بعد 5 سنوات من التراجع بين عامي 2017 و2022، وهي الفترة التي شهدت انخفاض الطلب على المساكن المؤجرة بسبب.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاقتصادية
