تبذلُ الحكوماتُ بسخاء على التعليم والصحة، لإدراكها أن خير من يضطلع ببناء الدول، ويحرص على التقدم بها هم (المؤهلون تعليماً والجيّدون صحّياً)، ويلفتني قول الحق تبارك وتعالى (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) إلى التفكر في قسمة هذا القليل؛ بين الأمم والشعوب والحضارات ويبعث على التساؤل عن نصيب أوفر الدول الفاعلة علمياً وصناعياً واقتصادياً، (من هذا القليل) وعن كِفل بعض الدول الأقلّ حظاً، إذ لا يمكن القول بأن الجميع متساوون، في الأخذ من (قليلاً) بل هم حتماً متفاوتون، فهناك من حاز ولا يزال يحوز الأكثر من القليل، وهناك من اكتفى بأقلّ القليل، وكبّر المخدّة؛ باعتبار أنّ الله يسخّر قوماً لخدمة أقوام!!
وكلما استعدتُ مع أجيال الستينيات والسبعينيات مسيرة تعليمنا، يؤكدون على أن أعداد المدارس كانت تزيد ولا تنقص، ولا يكاد يمر عام إلا والبشائر تهلّ بافتتاح مدارس بنين أوّلاً، ثم بنات لاحقاً، ثم معاهد، ثم كُليّات، ثم جامعات، ولم تبق قرية ولا هجرة إلا وخُدمت تعليمياً. وكان المواطنون يتنافسون في مطالبتهم بالمدارس، ومراجعة جهات الاختصاص لكسب المزيد من المراحل الدراسية.
ومما يحزّ في النفس أن نسمع اليوم عن إغلاق وضمّ مدارس، وفروع جامعات وكليات في محافظات، علماً بأن عدد الطلاب والطالبات في تزايد، والمسافات والمناخات تحتّم توفير التعليم في جغرافيا آمنة وقريبة من سكن الطلاب؛ وإذا ما سلّمنا بنقص الأعداد، فالتربويون يؤكدون أنه كلما نقص العدد في الفصل أو القاعة كانت المخرجات أقوى وأجود فهي ميزة من المزايا!!
بالطبع، لا أشكك ولا أقبل التشكيك في النيات الطيّبة لمسؤول معروف بنزاهته ومنجزاته، إلا أننا تربينا على ثقافة «استثمر في أولادك ولا تستثمر لهم»، وكان الملك عبدالعزيز، طيّب الله ثراه، يجمع المواطنين في هِجر لينشئ لهم المدارس، إذ كان رهانه على التعليم مُبكّراً؛ وهذا شأن قيادتنا في هذه المرحلة، التي لا تدّخر وسعاً في تبوئها مراكز عليا بين دول العشرين، كما هو شأنها دوماً.
ومن يعرف جغرافية بعض المناطق يستغرب إغلاق فروع جامعات بدعوى الترشيد والتقشف، فالطلاب والطالبات الذين يصعدون من تهم إلى سراة من خلال عقاب تدوّخ الرأس، وتحبس الأنفاس، لا يمكنهم أن يصلوا للقاعات والفصول وهم جميعاً على مستوى جيّد من الانتباه والحرص، وفي مواسم الشتاء تحل ساعات مربكة، ولا تنقطع اتصالات الأمهات والآباء بهم وبهنّ (وصلتم، نزلتم) وغيرها من مصطلحات القلق التي لا يعي كنهها إلا من اصطلى بنيران الانتظار المشبوبة بوقود مشاعر قلق الوالدين على فلذات الأكباد.
ولربما ارتكن بعض المسؤولين إلى الصمت، إيثاراً للسلامة، كونه يتحرّج من إبداء وجهات نظر الأهالي، خشية إغضاب مسؤول أعلى، علماً بأن المسؤولين خارج منطقتك لا يتصورون واقعك.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة عكاظ
