قصة الكتاب الذي مهد للجدل حول الإسلام والعلمانية في مصر هل ينبغي أن تكون الدولة مدنية علمانية أم دينية؟ سؤال يثير منذ عقود جدلا واسعا بين المثقفين والمهتمين بالسياسة في العالم العربي، حيث يطرح كل فريق حججه التي غالبا ما لا تُقنع الطرف الآخر، في مشهد تكرر كثيرا في سياقات متباينة، وإن كان يمكن تتبع تاريخه إلى مئة عام.
ففي أبريل/ نيسان عام 1925 صدر في مصر كتاب يحمل عنوان "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ الأزهري علي عبد الرازق، الذي سعى للترويج لفكرة الدولة المدنية قائلا إن الإسلام كرسالة دينية لم يحدد شكل الحكم السياسي الأمثل، ومشددا على أن مؤسسة الخلافة التي هيمنت على مصير المسلمين لمئات السنين ليست من أصول العقيدة الإسلامية.
الكتاب أثار معركة فكرية كبيرة في مصر وخارجها، وتسبب في فصل صاحبه من الأزهر وتعرضه للكثير من الاتهامات وصلَت إلى درجة أن البعض ادعى أن علي عبد الرازق ليس هو المؤلف الحقيقي للكتاب. فمن هو علي عبد الرازق؟ وما الأفكار التي طرحها؟ وما الظروف التي نُشر فيها الكتاب؟
إلغاء الخلافة جاء توقيت صدور الكتاب في عام 1925 ليزيد من حدة النقاشات حوله. إذ صدر بعد عام واحد فقط من إلغاء البرلمان التركي مؤسسة الخلافة، وهي التي كانت مجرد منصب شرفي منذ عام 1909.
وخلال تلك الفترة، كان العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، خاضعا خلال تلك الفترة بشكل أو آخر لقوى استعمارية غربية بعد أن ظل لمدة قرون تابعا للعثمانيين. وكانت نخب تلك البلدان المثقفة تتطلع إلى تأسيس دول حديثة قائمة على أفكار الديمقراطية والفصل بين السلطات وإجراء الانتخابات، فيما بدا تأثرا بالأنظمة السياسية الغربية.
كانت مصر في قلب تلك التحولات الكبرى، فثورة عام 1919 التي طالبت بالاستقلال عن الاستعمار البريطاني، أسفرت عن استقلال صوري غير كامل ودستور جديد وانتخابات برلمانية أفضت عام 1924 إلى تولي سعد زغلول، زعيم حزب الوفد، رئاسة أول حكومة منتخبة في تاريخ البلاد.
لكن "حكومة الشعب" لم تستمر طويلا إذ استقالت بعد أقل من عام على تشكيلها، لتتشكل حكومة من أحزاب وشخصيات مقربة من الملك من دون أن يكون لها نفس شعبية حزب الوفد، ومن بين تلك الأحزاب، حزب الأحرار الدستوريين، الذي سيكون له فيما بعد له دور مهم في المعركة التي دارت حول الكتاب.
وفي نفس الفترة التي تعرضت فيها التجربة الديمقراطية المصرية الوليدة لانتكاسة كبيرة، بدأت تظهر دعوات تطالب باستعادة الخلافة، وطُرح اسم الملك فؤاد من بين المرشحين لكي يكون خليفة محتملا للمسلمين.
وفي تلك الأجواء خرج كتاب "الإسلام وأصول الحكم" إلى النور ليتحول صاحبه من مجرد قاض شرعي في مدينة المنصورة إلى محور جدل ونقاشات استمرت لعشرات الأعوام بعد وفاته.
حزب الأحرار الدستوريين وُلِدَ علي عبد الرازق لعائلة من كبار ملاك الأراضي الزراعية في محافظة المنيا بصعيد مصر عام 1887 وتلقى تعليما أزهريا ثم سافر إلى إنجلترا للدراسة في جامعة أوكسفورد، قبل أن يعود إلى مصر وينضم إلى سلك القضاء الشرعي.
كان عبد الرازق ينتمي فكريًا إلى حزب الأحرار الدستوريين، وهو حزب ضم العديد من الباشوات وأفراد الطبقة الثرية، وكان يميل إلى معسكر الملك في خصومته مع حزب الوفد ذي الشعبية الجارفة.
ومن اللافت أن حزب الأحرار الدستوريين كان وقتها يضم ويحظى بدعم أسماء بارزة في عالم الثقافة المصرية بجانب علي عبد الرازق، كطه حسين، الذي كان هو الآخر محور جدل مشابه في عام 1926 بسبب كتابه "في الشعر الجاهلي"، ومنصور فهمي، ومحمد حسين هيكل، ومصطفى عبد الرازق، شقيق علي عبد الرازق.
لكن ما أبرز الأفكار التي جاءت في الكتاب وأثارت ضجة كبيرة؟
الكتاب يستهل عبد الرازق كتاب "الإسلام وأصول الحكم - بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام" بالإشارة إلى أن الأبحاث التي قام بها حول القضاء الشرعي هي التي دفعته إلى تأليف الكتاب.
والفكرة الأساسية للكتاب أن النبي محمد "لم يكن إلا رسولا لدعوة دينية خالصة لا تشوبها نزعة ملك أو حكومة".
كما يقول عبد الرازق إنه لا توجد نصوص دينية إسلامية تؤيد الحديث عن وجوب الخلافة.
ويستشهد عبد الرازق بنصوص تاريخية لتأكيد حديثه عن أن الخلافة "لم ترتكز إلا على أساس القوة الرهيبة، وإن تلك القوة كانت إلا في النادر قوة مادية مسلحة".
كما يشير إلى أن تفرق المسلمين إلى ممالك ودويلات في زمن ضعف الخلافة لم يسفر عن ضياع الدين أو توقف المؤمنين عن ممارسة شعائر عقيدتهم.
ويدعو عبد الرازق المسلمين في الكتاب إلى بناء قواعد ملكهم ونظام حكومتهم "على أحدث ما أنتجت العقول البشرية".
المعركة كانت الأفكار التي حملها الكتاب غير تقليدية بشكل أثار عاصفة من الجدل والانتقادات خاصة في ظل إلغاء مؤسسة الخلافة. فالكاتب الإسلامي البارز محمد رشيد رضا شن هجوماً عنيفاً على الكتاب ومؤلفه في مجلة المنار، واصفاً الأفكار التي جاءت فيه بـ"البدعة" التي ظهرت في وقت تتضافر فيه الجهود إلى عقد مؤتمر إسلامي عام لإحياء منصب الخلافة.
كذلك صدرت كتب عدة تتعرض لـ"الإسلام وأصول الحكم" وتنتقد ما جاء فيه، لعل من أبرزها كتاب الشيخ محمد الخضر حسين-.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي





